وقّعت روسيا وأوكرانيا اتفاقاً شديد الأهمية، أمس، لإعادة فتح الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود لتصدير الحبوب، ما أنعش الآمال في إمكانية تخفيف حدة أزمة الغذاء العالمية التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي.
جاء الاتفاق تتويجاً لمحادثات على مدى شهرين بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي التي تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا وأوكرانيا على حد سواء، وتسيطر على المضائق المؤدية إلى البحر الأسود.
وفي كلمته بمراسم توقيع الاتفاق في إسطنبول، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: إن الاتفاق يفتح الطريق أمام كميات كبيرة من الصادرات الغذائية التجارية من ثلاثة موانئ أوكرانية رئيسة هي أوديسا وتشسرنومورسك ويوجني.
وأضاف غوتيريس أمام حشد المجتمعين: "اليوم توجد منارة على البحر الأسود. منارة للأمل والفرص والارتياح في عالم يحتاج ذلك أكثر من أي وقت مضى".
لكن القتال احتدم بلا هوادة في شرق أوكرانيا، في انعكاس للعداء عميق الجذور وانعدام الثقة الذي أدى إلى أسوأ صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ورفض الممثلون الروس والأوكرانيون الجلوس إلى نفس الطاولة وتجنبوا المصافحة في الحفل.
وأدى الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود، إلى بقاء عشرات الملايين من الأطنان من الحبوب في الصوامع وتقطع السبل بالكثير من السفن وتفاقم الاختناقات في سلسلة التوريد العالمية. ومع العقوبات الغربية الكاسحة، تصاعدت وتيرة التضخم المتسارع في أسعار المواد الغذائية والطاقة حول العالم.
ونفت موسكو مسؤوليتها عن أزمة الغذاء المتفاقمة، وأنحت بدلاً من ذلك باللائمة على العقوبات الغربية في تباطؤ صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة، واتهمت أوكرانيا بتلغيم الطرق المؤدية إلى موانئها على البحر الأسود.
وقال مسؤول من الأمم المتحدة: إن اتفاقاً منفصلاً، تم توقيعه أمس، سيسهل خروج الصادرات الروسية، وإن الأمم المتحدة رحبت بالتوضيح الذي أعلنته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن عقوباتهما لن تنطبق على شحناتهما.
وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو: إن الدول الغربية ستراقب عن كثب المشهد لضمان ألا يتسبب الاتفاق لاستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود في مخاطر إضافية لأوكرانيا تتعلق بالغزو الروسي.
وأضاف ترودو: "تعمل مجموعة الدول السبع عن كثب مع شركائها، مثل تركيا ودول أخرى، لضمان أن نتمكن من إخراج الحبوب من أوكرانيا لأماكن حول العالم تحتاجها دون تعريض سيادة أوكرانيا وحمايتها للخطر".
وقال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو في كلمته بإسطنبول: إن موسكو لن "تستغل" إزالة الألغام من الموانئ الأوكرانية.
وأضاف شويغو لقناة (روسيا 24) التلفزيونية الحكومية: "روسيا أخذت على عاتقها الالتزامات المنصوص عليها بوضوح في هذه الوثيقة. لن نستغل حقيقة أن الموانئ سيتم تطهيرها وفتحها".
وقال وزير البنية التحتية الأوكراني أولكسندر كوبراكوف أيضاً: إن كييف لا ترى أنها ستتعرض لخطر هجوم بالسفن الروسية عبر موانئ البلاد.
وقال مسؤولون كبار بالأمم المتحدة في إفادة للصحافيين، أمس: إنه من المتوقع أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ الكامل في غضون أسابيع قليلة، وستزيد شحنات الحبوب من الموانئ الثلاثة التي أعيد فتحها حتى تصل إلى مستويات ما قبل الحرب البالغة 5 ملايين طن شهرياً.
وأضافوا: إن الممر الآمن من وإلى الموانئ سيكون مضموناً، فيما وصفه أحد المسؤولين بأنه "وقف لإطلاق النار بحكم الأمر الواقع" بالنسبة للسفن والمنشآت التي يغطيها الاتفاق، على الرغم من أن كلمة "وقف إطلاق النار" لم ترد في نص الاتفاقية.
وقالوا أيضاً: إنه على الرغم من أن أوكرانيا قامت بتلغيم المناطق البحرية القريبة ضمن وسائلها الدفاعية ضد الغزو الروسي المستمر منذ خمسة أشهر، فإن مرشدين أوكرانيين سيرشدون السفن عبر القنوات الآمنة في مياهها الإقليمية.
وقال مسؤولون بالأمم المتحدة: إن السفن، التي يراقبها مركز تنسيق مشترك مقره في إسطنبول، ستعبر بعد ذلك البحر الأسود إلى مضيق البوسفور التركي وتتجه إلى الأسواق العالمية.
والهدف العام من ذلك هو العمل على تجنب تعرض عشرات الملايين من الأشخاص في الدول الفقيرة إلى مجاعة، وذلك عن طريق ضخ المزيد من القمح وزيت دوار الشمس والأسمدة وغيرها من المنتجات، التي تشمل الاحتياجات الإنسانية، في الأسواق العالمية بأسعار منخفضة نسبياً.
ورحبت الولايات المتحدة بالاتفاق وقالت: إنها ستركز على تحميل روسيا مسؤولية تنفيذه.
في هذه الأثناء، تواصل القوات الروسية عمليات قصف لا هوادة فيها على منطقة دونيتسك في الشرق، والتي ركزت هجومها عليها في الأشهر الأخيرة.
وسجلت الرئاسة الأوكرانية، أمس، "مقتل خمسة أشخاص وإصابة 10 في المنطقة خلال الـ24 ساعة الماضية".
في الجنوب، تقول كييف: إن القوات الروسية تقصف قرى على طول خط الجبهة في خيرسون، حيث يحاول الجيش الأوكراني استعادة المناطق التي سيطرت عليها موسكو في أعقاب بدء الغزو في 24 شباط.
واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية، أمس، الجيش الروسي بممارسة التعذيب والاحتجاز غير القانوني والاختفاء القسري للمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرته في جنوب أوكرانيا.
والتقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بقادة كبار، أول من أمس، وقال: إن قوات كييف، التي تم تسليحها بشكل أكبر الآن بأسلحة غربية دقيقة تطال أهدافاً على مدى أطول، لديها إمكانات قوية لتغيير مسار الحرب في ساحة المعركة.
وقال مسؤول دفاعي أميركي رفيع المستوى، أمس: إن الولايات المتحدة تعتقد أن مئات المصابين من الجيش الروسي يسقطون يومياً بما يصل إلى آلاف الضباط حتى رتبة جنرال خلال الحرب.
وقال المسؤول: إن واشنطن تعتقد أيضاً أن أوكرانيا دمرت أكثر من مئة هدف روسي ذي "قيمة عالية" في أوكرانيا، من بينها مواقع قيادة ومستودعات ذخيرة ومواقع دفاع جوي.
ولم تتحقق نجاحات كبيرة على الخطوط الأمامية من القتال منذ أن استولت القوات الروسية على آخر مدينتين تسيطر عليهما أوكرانيا في مقاطعة لوغانسك الشرقية في أواخر حزيران وأوائل تموز.
وتركز القوات الروسية الآن على الاستيلاء على مقاطعة دونيتسك المجاورة بالكامل لحساب وكلائها الانفصاليين الذين أعلنوا عن دولتين انفصاليتين صغيرتين تغطيان منطقة دونباس الصناعية الأوسع نطاقاً.
وفي الإفادة الصباحية عن أحدث المستجدات، قالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية: إن القوات الروسية المدعومة بالمدفعية الثقيلة ظلت تحاول التقدم صوب مدينتي كراماتورسك وباخموت ومحطة كهرباء فوهليهيرسكا في دونيتسك لكنها لم تفلح في ذلك.
وتأمل كييف في أن يسمح لها تزويدها التدريجي بأسلحة غربية مثل (هيمارس)، وهو نظام صاروخي مدفعي أميركي عالي الحركة، بالهجوم المضاد واستعادة الأراضي الشرقية والجنوبية التي استولت عليها القوات الروسية.
وقالت وزارة الدفاع الروسية، أمس: إن قواتها دمرت أربعة أنظمة من (هيمارس) في الفترة من الخامس وحتى 20 تموز. ونفت كييف هذه المزاعم ووصفتها بأنها "مزيفة" وتهدف إلى استنزاف الدعم الغربي لأوكرانيا. ولم يتسن لرويترز التحقق مما تؤكده روسيا.
وتقول روسيا: إنها تشن "عملية عسكرية خاصة" لنزع سلاح جارتها وتخليصها من القوميين الخطرين.
وتقول كييف والغرب: إن روسيا تشن حملة استعمارية لاستعادة السيطرة على جارتها المؤيدة للغرب، والتي تحررت من حكمها عندما انهار الاتحاد السوفياتي عام 1991.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف