وكالات \نشرت مجلة كاونتر بانش مقالا لفرانكلين سبينى؛ المحلل العسكرى السابق للبنتاجون، يتناول فيه العوامل الأساسية وراء مشكلة اللاجئين، والمستفيدين منها، مبينا الأطراف المختلفة التى ساهمت بشكل أو بآخر فى صعود الدولة الاسلامية، وكيف انقلبت تلك النتائج لتشكل تهديدا للجميع، محاولا قياس النتائج بتناول قضية اللاجئين الفلسطينيين وكيف أن الوضع فى سوريا تحديدا قد يؤدى لتدفقهم إلى الضفة الغربية مما سيعيد الخلافات على الضفة الغربية مرة أخرى. يبدأ سبينى المقال بذكر أن تدفق اللاجئين هو نتيجة أساسية لأفعال الدولة الاسلامية وجيش النصرة، وبسبب هجمات نظام الأسد العشوائية على المدنيين؛ مما حول اللاجئين بذلك لسلاح استراتيجى للدمار الشامل. ويستخدم الكاتب كلمة «استراتيجى كبير» لأنها تحمل معنى اخلاقيا بين حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وتجذب دعم الدول غير الملتزمة فى أنحاء العالم.
فالتخطيطات والتكتيكات والعمليات الخاصة بداعش وجيش النصرة؛ والممولة بواسطة الأغنياء من السلفيين بالسعودية ودول الخليج) أوجدت ــ سواء عن قصد أم لا ــ موجة من الرعب والارهاب التى أدت بدورها لتدفق عدد كبير من اللاجئين من سوريا والعراق. وأزمة اللاجئين تلك وضعت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيين وإسرائيل فى معضلة استراتيجية كبرى متوقع أن تصبح اسوأ خاصة مع اقتراب موسم الشتاء وبرده القارس.
يوضح سبينى أن حلفاء الولايات المتحدة من حلف الناتو، بما فيهم تركيا ليس لديهم الموارد ولا الارادة السياسية لاستيعاب ملايين من الأفراد اليائسين فى تلك التدفقات. فالأسباب المباشرة لتدفق هؤلاء اللاجئين قد تكون من تخطيطات الارهاب الذى فجرته القوات السلفية، ولكن من المعروف أيضا أن ظهور الدولة الاسلامية والنصرة جاءت نتيجة التدخلات والسياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط؛ منها (1) الغزو غير المبرر للعراق فى عام 2003 دون تفويض من الأمم المتحدة وبدعم دولى محدود، (2)إضافة لدعم أمريكا غير الرشيد لرغبة إسرائيل فى الاطاحة بنظام الأسد فى سوريا؛ وبالتالى يرى الكاتب أن باستمرار تلك الكارثة الانسانية، ستخسر الولايات المتحدة ــ عاجلا أم آجلا ــ أى تعاطف يكنه حلفاؤها الغربيون أو الأحزاب المختلفة فى العالم لسياستها الخارجية، بل وسيوجهون أصابع الاتهام لها خاصة إذا استمرت السياسة الداخلية الامريكية فى إثارة الحرب نيابة عن إسرائيل، مع استخدام سياسة الخوف لجعل الشعب الأمريكى يخشى الهجرة.
إن دور إسرائيل فى تلك الأزمة مازال غامضا، خاصة مع قيام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتقديم الدعم اللفظي؛ وإن لم يكن المادى، للإطاحة بنظام الاسد بواسطة الدولة الاسلامية. ففى أكتوبر الماضى ادعى أن ايران أعظم من الدولة الاسلامية بالنسبة لإسرائيل وللعالم. فنتنياهو يصمم على اسقاط حكومة الأسد فى سوريا خاصة وأن الاسد يدعم حزب الله ويحصل على دعم ايران. وتحقيقا لهذا الهدف شكلت حكومته ــ حكومة الليكود ــ تحالفا مع أكبر معارضى الشيعة من الحكومة السعودية ودول الخليج الحريصين ايضا على اسقاط الأسد والحكومة الشيعية المهيمنة فى العراق.
***
إن التطورات فى العراق وسوريا إنما تزيد القلق السعودى بشأن زيادة تأثير الشيعة الايرانيين الذى قد ينتشر فى المناطق الشيعية بالسعودية الشرقية وهى أكثر المناطق السعودية الغنية بالبترول.
ويستطرد سبينى قائلا؛ الحقيقة أن من تسميهم أمريكا حلفاءها فى الحرب ضد الدولة الاسلامية ــ مثل السعودية ودول الخليج ــ تواطأوا فى تمويل صعود الدولة الاسلامية، حتى ولو بالوسائل غير الرسمية «كالتبرعات الخيرية»، كما أنهم متورطون فى إطلاق ارهاب الدولة الاسلامية فى سوريا؛ لكى تهدد الحكومة الشيعية المهيمنة فى العراق. والأكثر من ذلك أن تلك العائلات الملكية السنية المحافظة لديها أعباء ديموجرافية؛ خاصة بما لديها من مهاجرين ممن يقومون بأعمال خدمية، ولديهم مشكلات خاصة بالأقلية الشيعية. بمعنى آخر ليس لديهم القدرة أو الرغبة فى استيعاب جزء من اللاجئين الفقراء الذين سببتهم سياساتهم. وهذا يجعل الاردن مثقلة بالفعل باللاجئين الفلسطينيين المحاصرين فى المنتصف بين الجهاديين وإسرائيل.
ويتساءل سيبنى «اين ستنتهى أزمة هؤلاء اللاجئين؟» مؤكدا على ضرورة وضع الأزمة فى سياق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لندرك كيف أن تدفق أكثر من 4 ملايين لاجئ آخر سيقضى على أى أمل للاستقرار فى الاراضى العربية بالشرق الأوسط. وعاد مرة أخرى ليؤكد أن إسرائيل هى مركز القضية. فكما اوضح الناشط الحقوقى إسرائيل ساحاق فى عام 1982، أن دولة إسرائيل بموافقة ــ إن لم يكن بتعاون ــ امريكا سعت لتقسم العالم العربى لقبائل متحاربة ومتنازعة وغير متعاونة. وبأخذ عداء ورفض كل من سوريا والعراق الشديد لوجود دولة يهودية على أرض عربية، يكون هذا الأسلوب الاستعمارى الجديد ــ فرق تسد ــ مفهوم وواضح.
ولكن بظهور الدولة الإسلامية والنصرة بدا هناك خطر أكبر. فالمحافظون الجدد الامريكيون الموالون لإسرائيل قد يعتقدون أن إسرائيل هى المستفيد الاساسى من تدمير سوريا والعراق إلا أن إسرائيل الآن فى خطر وتواجه شبح النكسة على المدى الطويل والذى سيصل فيه الصراع لمستوى استراتيجى كبير وحاسم. ورؤية هذا الشبح تتطلب النظر فى مصير القضية الفلسطينية والآثار المترتبة عليها.
فتقارير الـ UNRA تشير إلى انه بالإضافة لـ 2 مليون لاجئ فلسطينى يعيشون بمعسكرات غزة والضفة الغربية، هناك 3 مليون لاجئ فلسطينى يعيشون فى مخيمات فى دول عربية متاخمة لحدود إسرائيل، منهم 449 ألفا بلبنان، 499 ألفا بسوريا وأكثر من 2 مليون لاجئ بالأردن. هؤلاء الافراد هم غالبا من نسل اللاجئين الاصليين الذين خلفتهم حرب 1948 والذين لسبب أو لآخر لم يتم استيعابهم كمواطنين فى دول أخرى.
***
وهنا يشير سبينى إلى أن تدفق 4 ملايين سورى بسبب الدولة الإسلامية، والذى قد يكون له مخطط استراتيجى، يمكن أن يصاحبه تدفق عدد من الفلسطينيين عديمى الجنسية من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى سوريا إلى كل من الاردن ولبنان، ولكن كلتا الدولتين مكتظتين باللاجئين الفلسطينيين بالفعل. وقد يزعزع هذا استقرار الاردن، ويوسع الحرب والازمة الانسانية المصاحبة لها. وقد يؤدى الضغط على الاردن لتدفق الفلسطينيين نحو المناطق الفلسطينية لإسرائيل حيث لن يكون هناك مكان آخر للذهاب اليه. وهذا سيركز ويؤكد ما تطلق عليه إسرائيل «التهديد الديموغرافى». وسيزيد هذا النزاع على المنطقة الغربية التى يدعى الإسرائيليين أن الله قد جعل لهم حق فيها.
وهناك مؤشرات على ذلك بالفعل، حيث كان الرئيس الفلسطينى محمود عباس قد طلب من الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبى ولاعبين آخرين أن يضغطوا على إسرائيل لكى تسمح للفلسطينيين اللاجئين الهاربين من الدولة الاسلامية للدخول للمناطق الفلسطينية بالضفة الغربية.
ويرى سبينى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد وقع بذلك فى الفخ الذى نصب بقصد أو عن دون قصد بواسطة الدولة الاسلامية. فقد أعلن انه لن يسمح أن تغمر إسرائيل باللاجئين، فإسرائيل لابد أن تحمى حدودها خاصة انها دولة صغيرة وليس لديها عمق ديموجرافى أو جغرافى، كما أعلن أن إسرائيل ستقيم جدار حدودى فاصل على طول الحدود مع نهر الأردن حتى لا يتسرب اللاجئين الهاربين من الأراضى السورية إلى الأردن عبر تلك الحدود ليدخلوا للأراضى فى الضفة الغربية. وهنا يرى الكاتب أن نتنياهو يحقق بذلك رؤية أسامة لإسرائيل المنعزلة والتى ليس لها مهرب الا البحر ويطبقها على ارض الواقع.
***
وبالتالى يكون هناك دولة واحدة فقط خرجت بمصلحة استراتيجية كبرى من الازمة التى سببتها الدولة الاسلامية وحلفاؤها السنيون وهى ايران.
ويشير الكاتب هنا لمقال المراسل «جاريث بورتر» بعنوان «فى نظر الشرق الأوسط»، والذى يتناول فيه أسباب المسار الاستراتيجى المتقارب لكل من الولايات المتحدة وايران فى الشرق الاوسط، والسياسة المحلية للولايات المتحدة فيما يخص اللوبى الإسرائيلى والاقتصاد السياسى للمجمع الصناعى العسكرى التشريعى والتى يضيف الكاتب لها الاقتصاد السياسى للصناعات البترولية الامريكية، حيث يتم استخدامهم لبناء علاقات للتعايش مع ايران.
ويختتم سبينى مقاله بأن مثل هذا التقارب، إذا تم بحثه فى ضوء روح السياسة الخارجية التى ناقشها جون كوينسى أدمز فى عام 1821، سيكون من الضرورى وإن كان غير كاف لوضع استراتيجية كبرى لإخراج الولايات المتحدة الأمريكية من المستنقع الذى أوقعت نفسها به من خلال تدخلها قصير النظر فى الشرق الأوسط. وكما قال آدمز إذا استمرت أمريكا فى التدخل فى الخارج «بحثا عن الوحوش لتدميرها» فستصبح أمريكا الأكثر سلطة فى العالم، ولكنها لن تصبح المتحكمة فى روحها بعد ذلك».

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف