سعي نتنياهو لإجهاض الهبة الفلسطينية ، جزء من مساعي إجهاض المشروع الوطني الفلسطيني لا يحتاج بنيامين نتنياهو إلى مرور الوقت على اندلاع الهبة الفلسطينية ورصد وقائعها كي يصفها بالإرهاب. وهو فعل ذلك مع كل تحرك فلسطيني يواجه الاحتلال.
وفي الوقت الذي تشكل فيه الهبة ضغطاً سياسياً وميدانيا على حكومة الاحتلال، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى جعلها مدخلاً لتشريع المزيد من القوانين العنصرية وبوابة لتسريع عجلة التهويد والاستيطان. وقد كشفت وسائل إعلام متعددة أن ما يوضع على الطاولة الآن من خطط لعزل أحياء القدس عن بعضها البعض إنما هي مشاريع جاهزة أعدت مسبقاً بانتظار اللحظة المناسبة للتنفيذ.
وبقدر ما يمكن للحالة الفلسطينية أن تبني على ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عليها أن تتوقع في الوقت نفسه أن تسعى حكومة نتنياهو لقلب الطاولة في وجه الفلسطينيين عبر بوابات لا تزال مفتوحة على إعادة عجلة التطورات إلى الوراء.
حتى الآن، لم يدخل المجتمع الدولي بمؤسساته الأساسية على خط التطورات المتسارعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلا من زاوية دعوات التهدئة والعودة إلى طاولة المفاوضات، ولم توضع الأحداث في سياقها الصحيح على اعتبار أن ما يقوم به الفلسطينيون إنما هو مقاومة مشروعة للاحتلال بكافة تعبيراته.
ضمن هذا المنسوب من ردات الفعل، تتحرك حكومة نتنياهو في تصعيد قمعها للشبان الفلسطينيين وتوسيع دائرة عمليات الإعدام على الشبهة.. ومن دونها. ويلتقط نتنياهو مجددا الدعوة إلى عودة المفاوضات من زاوية اعادة توظيفها في تهدئة الشارع الفلسطيني وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه. ومع معرفتنا بأن نتنياهو لا يبحث عن تسوية ناجزة عبر المفاوضات ويعمل على فرض الحل الإسرائيلي، إلا أن تفاعل المفاوض الفلسطيني مع الدعوة للمفاوضات تدفع بتل أبيب لأن تضع تهدئة الشارع الفلسطيني في مقدمة الشروط للبحث في عودة المفاوضات. وهي تريد تغيير قواعد المواجهة ليدخل على خطها المفاوض الفلسطيني الذي ستطالبه تل أبيب وواشنطن وربما غيرهما بالعمل على تهدئة الأوضاع قبل الاستماع إلى أي شرط يمكن أن يطرحه بشأن المفاوضات.
التقطت حكومة تل أبيب إشارة د. صائب عريقات بأن المفاوض الفلسطيني لن يعود للمفاوضات بشروطها القديمة. وفهمت من ذلك أن الاستعداد للمفاوضات لا يزال قائما في خياراته. وبالتالي فإن البحث في الشروط التي يريدها مؤجل إلى حين «تجهيز» المناخ المناسب كي يبحث في عملية التفاوض.
يتجاهل الكثير من أطراف المجتمع الدولي حقيقة أن المفاوضات التي استمرت أكثر من عشرين عاما وما رافقها من سياسات إسرائيلية توسعية هي التي ولدت وتولد الاحتقان في الشارع الفلسطيني. ومع ذلك، لا تزال هذه الأطراف ترى أن يافطة التفاوض حل لكل معضلة تستجد. لذلك من المرجح أن تكون هذه اليافطة إحدى عناوين خطة نتنياهو لإجهاض ما يجري في الشارع الفلسطيني.
وكلما تقدم الحديث عن التفاوض ودخل في بازاره المفاوض الفلسطيني، كلما وفر هذا لنتنياهو وحكومته فرصا أفضل لتصعيد إجراءاتها القمعية والعنصرية ضد الفلسطينيين الذين يواجهونها.
لقد وضعت تل أبيب الفلسطينيين على لائحة استهداف متعدد الجبهات، فهي تسعى لحشر السلطة في خانة التحريض وستستمر في ذلك مع أنها تعرف أن خيارات السلطة لم تحسم تجاه مسألة المواجهة، وبقيت سياساتها دون وضع المعركة المفتوحة مع الاحتلال قيد المناقشة حتى. فيما تلتفت نحو حركة الشارع الملتهبة وتواجهها بالقتل والاعتقال؛ وقد بحث مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر في جلساته المتتالية مجموعة من الإجراءات العنصرية. بهدف تفريغ القدس من سكانها بعد التضييق عليهم عبر عزل أحيائهم، وبات حملة الهوية الزرقاء مهددين بسحبها، وبالتالي إخراجهم من مدينة القدس.
فلسطينيا، أكدت قوى وفصائل العمل الوطني في بياناتها أهمية استمرار وتزخيم الهبة الشعبية. ومع أنها دعت لتشكيل جبهة موحدة للمقاومة الشعبية، مركزيا وعلى صعيد المناطق والأحياء الفلسطينية، إلا أن هذه الدعوات لم تر النور فعليا على الأرض، وهو ما يضعف مسار الهبة ويترك فعالياتها إلى ردات فعل موضعية لا تربط في سياق هدف واحد يتبلور في إطار هذه القيادة المفترضة، ويحرم هذه الهبة من تنسيق فعالياتها في المناطق المختلفة ويسهل على قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين عملية الاستفراد بكل منها.
وكلما تأخر تشكيل هذه القيادة وإعلان برنامجها، ستزداد القناعة لدى المجتمع الدولي بأن ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة مجرد اجتهاد لا يحظى بالاجماع الوطني الفلسطيني، وبالتالي فإن هذه الرسالة الخاطئة ستكون إحدى نقاط الضعف في مسار الهبة وهي لا تزال في بداياتها.
إن الاسراع في تشكيل هذه القيادة وبلورة برنامج الحراك الشعبي في مختلف المناطق، يدعم ويوجه أي طلب فلسطيني يقدم للمجتمع الدولي للتدخل باتجاه حماية الشعب الفلسطيني من جرائم الاحتلال. وباتجاه وضع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في سياقه الصحيح واستحضار قرارات الشرعية ذات الصلة ليكون بحث آليات تنفيذها أساس التسوية السياسية لهذا الصراع. وهذا يقطع الطريق على مناورات بنيامين نتنياهو الذي يسعى لإيجاد شريك فلسطيني «لتهدئة» الشارع الملتهب. وبعد ذلك يعيد شروطه المعروفة، ليس للبدء في المفاوضات بل ربما لسحب اعترافه بوجود شريك فلسطيني في التسوية وسبق أن فصله منها قبل سنوات عدة.
سعي نتنياهو لإجهاض ما يجري في الشارع الفلسطيني، هو جزء من السياسة الإسرائيلية التي دأبت على محاولة إجهاض المشروع الوطني الفلسطيني، واستبداله بمشروع الأمر الواقع الذي يترجم ميزان القوى على الأرض مع غياب الوحدة واستمرار الانقسام في الحالة الفلسطينية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف