استشهد، أمس، الأسير ناصر أبو حميد (50 عاماً) من سكان مخيم الأمعري بمحافظة رام الله والبيرة، بعد رحلة طويلة من المعاناة جراء سياسة الإهمال الطبي، وعلى إثره عم الإضراب الشامل مختلف محافظات الوطن، وخرجت مسيرات حاشدة تنديداً بجريمة الاحتلال بحق الشهيد.

فقد أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، أمس، عن استشهاد الأسير أبو حميد في مستشفى "أساف هروفيه"، جرّاء سياسة الإهمال الطبي المتعمد "القتل البطيء"، التي تتبعها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى، لافتة إلى أنه كان قد نقل، أول من أمس، من سجن "الرملة" إلى المستشفى المذكور، بعد تدهور خطير جدا طرأ على حالته الصحية.

ورغم أن نبأ استشهاد أبو حميد وكان محكوما بالسجن المؤبد 7 مرات و50 عاما، كان متوقعا، خاصة بعدما أعلنت وسائل إعلام عبرية عن دخوله في حالة غيبوبة تامة، أول من أمس، إلا أن وقع الخبر كان ثقيلا، فأغلقت المحال التجارية والمؤسسات التعليمية وغالبية المؤسسات الرسمية أبوابها، بينما توافد الآلاف على منزل عائلة الشهيد في حي بطن الهوا بمدينة رام الله، والذي انتقلت إليه قبل ثلاثة أعوام، في أعقاب قيام قوات الاحتلال بتدمير منزلها للمرة الخامسة.

وبدت والدة الشهيد أبو حميد، الحاجة السبعينية لطيفة أبو حميد، المعروفة بكنية "أم ناصر"، صابرة محتسبة، وقالت، إن ناصر حتى في استشهاده كان قويا، وهذا قدرنا وقدر الشعب الفلسطيني، فطالما هناك عدو محتل، هناك أسرى وشهداء.

واستدركت الحاجة التي تعرف بلقب "خنساء فلسطين"، كونها أماً لشهيد وخمسة أسرى محكومين بالسجن المؤبد، عدا ناصر الذي التحق بشقيقه الشهيد عبد المنعم، بقدر حزني على ولدي، فإنني أحمل هم أشقائه داخل السجن، وتحديدا محمد الذي لم يفارقه منذ عام.
ولفتت إلى أن أبو حميد طلب من والدته ألا تحزن عليه، مشيرا إلى أنه يريد الذهاب إلى شقيقه عبد المنعم، وقضى برصاص الاحتلال في العام 1994.

وقال شقيق الشهيد أبو حميد، باسل، إن ناصر أمضى معظم حياته في سجون الاحتلال، وهو يدافع عن شعبه ووطنه، وإن الاحتلال أراد إيصال رسالة بأن كل من يطالب بحرية شعبه، سيقضي جل حياته داخل السجن أو أقبية التحقيق، أو سيقضي شهيدا.

وذكر أن شقيقه قضى في سجون الاحتلال بشكل متقطع نحو 33 عاما من حياته، مبينا أنه رفض الدعوات التي وجهت إليه لطلب استرحام من رئيس دولة الاحتلال من أجل إطلاق سراحه.

وقال، إن ناصر لن يكون الشهيد الأخير من بين أبناء الحركة الأسيرة، إن لم نتحرك كشعب فلسطيني، (...) وهذا ما يليق بشقيقي المعروف بلقب الأسد المقنع، أحد قادة كتائب شهداء الأقصى، بأن يقضي شهيدا في سجون الاحتلال، لكن إلى متى ستستمر هذه المعاناة، وسنقدم الشهيد تلو الشهيد؟.

وكان باسل ضمن وفد العائلة الذي زار أبو حميد، أول من أمس، في مستشفى "أساف هروفيه"، وعن هذه المسألة قال، المكتوب (الرسالة) كان واضحا من عنوانه، فعندما سمحت سلطات الاحتلال لكافة أفراد العائلة بالزيارة، كنا نعلم بأن هذه الزيارة وداعية، وفعلا عندما وصلنا المستشفى، كان ناصر في حالة غيبوبة كاملة، ويتنفس عبر الأجهزة الاصطناعية، وكانت كل إدارة مصلحة السجون، وغيرها داخل المستشفى الذي كان أشبه بثكنة عسكرية.
واستدرك، كنا نتحدث إلى ناصر، لكنه لم يكن يستجيب، وقد تلونا عليه بعض آيات الذكر الحكيم.

وأكد أن العائلة لن تقيم بيت عزاء لابنها، إلى أن يتم تحرير جثمانه، ومواراته الثرى حسب الأصول، وبما يليق مع تاريخه النضالي.

وفي أعقاب ورود الأنباء باستشهاد أبو حميد، خرج آلاف المواطنين في مسيرات شعبية، تنديدا بسياسة الإهمال الطبي التي أودت بحياة أبو حميد.

وعم الإضراب مختلف محافظات الضفة بما فيها القدس المحتلة وقطاع غزة تلبية لدعوة حركة فتح والقوى الوطنية والإسلامية، حدادا على روح الشهيد أبو حميد.

وكانت الفصائل ومؤسسات رام الله والبيرة، أعلنت عن إقامة خيمة اعتصام دائمة أمام مدخل مخيم الأمعري، للمطالبة بتسليم جثامين الشهداء الأسرى، وعددهم 11 شهيدا آخرهم أبو حميد.

بينما أعلن اتحاد المعلمين الإضراب في مختلف المدارس والمديريات بعد الحصة الثالثة؛ حدادا على الشهيد أبو حميد.

في غضون ذلك، أصدر عدد كبير من الفصائل، والشخصيات الاعتبارية، والمؤسسات الحقوقية، بيانات استنكرت الجريمة الإسرائيلية بحق أبو حميد.

يذكر أن الوضع الصحي للأسير أبو حميد بدأ بالتدهور بشكل واضح منذ آب 2021، حيث بدأ يعاني من آلام في صدره إلى أن تبين بأنه مصاب بورم في الرئة، وتمت إزالته وإزالة قرابة 10 سم من محيط الورم، ليعاد نقله إلى سجن "عسقلان"، ما أوصله لهذه المرحلة الخطيرة، ولاحقا وبعد إقرار الأطباء بضرورة أخذ العلاج الكيميائي، تعرض مجددا لمماطلة متعمدة في تقديم العلاج اللازم له، إلى أن بدأ مؤخرا بتلقيه بعد انتشار المرض في جسده.

وعلى مدار الشهور الماضية، فشلت جميع المحاولات القانونية، في سبيل إطلاق سراحه ليتمكن من تلقي العلاج أو أن يفارق الحياة قرب والدته، فقد رفضت محاكم الاحتلال عبر جلسات محاكمة عدة جميع طلبات الإفراج المبكر عنه.

والشهيد أبو حميد كان محكوما بالسجن المؤبد 7 مرات و(50) عاما. وتعرض للاعتقال الأول قبل انتفاضة الحجارة العام 1987 وأمضى أربعة أشهر، وأعيد اعتقاله مجددا وحكم عليه بالسجن عامين ونصف العام، وأفرج عنه ليعاد اعتقاله للمرة الثالثة العام 1990، وحكم عليه الاحتلال بالسجن المؤبد، أمضى من حكمه أربع سنوات حيث تم الإفراج عنه مع الإفراجات التي تمت في إطار المفاوضات، إلا أن الاحتلال أعاد اعتقاله لاحقا وحكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة.

ومن الجدير ذكره، أن سلطات الاحتلال اعتقلت على مدار العقود الماضية جميع أبناء عائلة أبو حميد، بينهم أربعة أشقاء لا يزالون يقضون أحكاماً بالسّجن المؤبد، علاوة على أن لهم شقيقا شهيدا، وهدمت منزلهم خمس مرات، كما حرمت والدتهم من زيارتهم لسنوات، وفقدوا والدهم خلال سنوات اعتقالهم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف