بداية أوَّدُ الاعتذار من المرحوم البروفسور أدوارد سعيد على استعارتي لعنوان المقال. هذا العنوان كانبداية لمقال نشره المرحوم في الانتفاضة الثانية بعد ان عج النقاش في الرأي العام كما في الداخل الفلسطينيحول جدوى العمليات الاستشهادية ومنفعة هذه "الاستراتيجية" للنضال الفلسطيني. نحن الان وبعد أسابيعقليلة من اندلاع الانتفاضة الثالثة - انتفاضة الاستقلال والكرامة - نجد أنفسنا امام نقاش مشابه وان كانبسياق واجندة اخرى الا انه مهم ومشابه لتلك الحالة ولا بد لنا ان نطرح على أنفسنا السؤال الواضحوالصريح عن استراتيجيتنا الحالية وأهدافنا المتوخاة من هذه الاستراتيجية ومن هذا التحرك العظيم.
المٓشاهِد التي نراها يوميا من إعدام لشباب واطفال فلسطينيين والتنكيل في جثثهم من قبل جنود الاحتلالوقطعان المستوطنون المسعورة وتصريحات قياداتهم السياسية المشبعة بالعنصرية والعداء يثير الدم فيالشرايين ويغيظ حفيظة كل إنسان به شعور. وانا شخصياً اتفهم، وان كنت على خلاف معهم، طلب الشباب المنتفض بالتسليح لحماية اطفالنا والرد على عنجهية ووحشية الاحتلال. كما وأتفهم نداءات مجموعات عديدةمن ابناء شعبنا الموجهه لفصائل المقاومة والاجهزة الأمنية بالطلب بان تنخرط هذه الأطراف أيضاً بأسلحتهافي التصدي لإجرام الدولة الصهيونية تجاه شعبنا. في مثل هذه الحالات وهذه المواقف يُسَّيٓر القلب الانسانويغلق الطريق على الحكمة والعقل. وهذا امر طبيعي جداً، الا اننا في معركة تحرير وطني تُقرر مستقبلناوتُطْبٓع في تاريخنا. هذه المرحلة تحتاج للعقل والحكمة والتدبير اكثر من حاجتها لفوران الدم " وفشة الخلق"وسيطرت العواطف على الحكمة. الان مطلوب وضوح بالرؤية والموقف تجاه الهدف الاسمى.. التخلص منالاحتلال.. باختصار ما مطلوب الان هو برنامج سياسي لعموم الحالة الفلسطينية يسند الانتفاضة الشعبيةويدعمها ويغلق الباب على مغامرات سياسية لهؤلاء الذين لا يؤمنوا بقوة الشعب واصراره على احقاقحقوقه الوطنية. الان حان وقت تحكيم العقل والفطنة وانتهاج سياسة تحرر وطني حقيقية بديلا لسياسةالخضوع لإملاءات الدول المانحة التي ادخلت الحالة الفلسطينية الى مأزق يصعب الخروج منه . ان الاوانللخروج من قمقم ردة الفعل التي اغرقتنا في بحر الآمال السرابية. في هذا السياق أودّ ان اثمن مبادرة الجبهةالديمقراطية لتحرير فلسطين التي أطلقها أمينها العام الرفيق نايف حواتمه والتي تدعوا كل فصائل المقاومةمن وطنية واسلامية للجلوس على طاوله مستديرة لحوار وطني صريح وصادق للنهوض بالحالة الفلسطينيةواخراجها من المأزق التي تراوح به منذ سنوات طويلة وتستجيب للواقع الجديد في فلسطين المحتلة.
الشباب الفلسطيني المنتفض بادر لمواجهة الاحتلال والظلم وبادر بوضع حد لما سميَّ زوراً مفاوضات سلاموصرخ عاليا امام عجز القيادة الفلسطينية عن مواجهة الواقع في فلسطين المحتلة وعجزها الداقع عن إيجادالاجوبة المناسبة لهموم ومشاكل الشعب السياسية والاجتماعية والاقتصادية وطموحه للاستقلال والخلاصمن الاحتلال الصهيوني.
قيادات الاحتلال الصهيوني السياسية والعسكرية لا تعمل تلقائياً ولا تقوم بطرح برنامج سياسي ارتجالي كماعودتنا علية القيادات الفلسطينية لعموم اطياف الشعب الفلسطيني. السياسه الصهيونية تجاه شعب فلسطينوأرض فلسطين تتبع برنامج سياسي مدروس ومحكم وطويل الامد يرى في ضمنه ليونة في التكتكيكومثابرة بمتابعة الاستراتيجية. هذا البرنامج قامت بوضعه وتنقيحه وتطويره لجان استشارية مختصة بعددراسات مطولة للوضع في الإقليم عامةً وفي فلسطين خاصةً ومن حين للاخر يتم تطويره وتعديله. وهنا ليسمن شأني ان أقيم نجاعة برامجهم وخططهم او عدمها ضد شعبي ووطني، بل علي استخلاص العبر من هذاالواقع الذي اغلقت قيادة الشعب الفلسطيني عيونها عنه سنوات عمداً وعن وعي كامل، واستبدلت استراتيجيةالتحرر الوطني باستراتيجية " بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال" التي لاقت فشلاً ذريعاً وآلت الى تقسيمالوطن سياسياً وجغرافياً واقتصادياً واجتماعياً. ونحن في حالتنا الفلسطينية علينا الان، قبل فوات الاوان، اننستنتج العبر من تجارب الماضي على مدار العشرين سنة الماضية وخصوصاً تجارب الانتفاضة الاولىوالثانية وتجارب التأرجح السياسي بين المانحين ومتطلباتهم ودغدغة العواطف الوطنية عند الشعب الصامد.
التاريخ العالمي لا يعرف حركة تحرر وطني انتهجت استراتيجية واحدة لوصولها الى التحرر من الاحتلالوانتهاك الحقوق الوطنية لشعوبها. حركات التحرر التي نجحت بتحرير ارضها وشعبها من نير الكولونياليةوالاستغلال مثل فيتنام وإفريقيا الجنوبية وشعوب أمريكا اللاتينية انتهجت استراتيجيات مقاومة مختلفةتتجاوب مع مرحلة النضال وتتطابق مع قدرة الشعب على تحمل العناء وقدرته على العطاء ودعم قوىالثورة. في حالتنا الفلسطينية تم في ستينات القرن الماضي رفع شعار الكفاح المسلح لدحر الاحتلال وتبنتكل قوى الثورة هذه الاستراتيجية وتنافست فيما بينها حول تطبيق هذه الاستراتيجية ونُعِتٓ لاحقاً، مٓنْ طلبتعديل الاستراتيجية او تطويرها بالمتخاذل وألقيت عليه عباءة المستسلم..
بقيت الاستراتيجية على حالتها ولم يتم تطويرها رغم ان الواقع الاحتلالي تغير والعامل الذاتي والاقليميتغيرا أيضاً وانقلب الكفاح المسلح الى " طخطخة " وعرض عضلات ومنافسة فصائلية لدغدغة مشاعرالشعب ليس الا.
الشباب الفلسطيني المنتفض فرض اجندة كفاحية جديدة ناجعة لمقارعة الاحتلال وكسب الرأي العالميوتعاطفه مع طلبات الشباب الوطنية الصادقة. الكرة الان في ملعب القوى السياسية الفلسطينية من وطنيةواسلامية، اما ان تستجيب للواقع الجديد وتستمع لنداءات الشارع وتقدم برنامج نضالي سياسي جديد يستندعلى وحدة الصف والخندق والطرح السياسي وينهي مسرحية اوسلو مؤسساتياً وخطابياً وإلا ستكون هذهالقوى دون استثناء المسؤولة عن تدهور الحالة الفلسطينية واندثارها وتركها لتلاعب المغامرون والمتسلقونبمصير قضية الشعب الفلسطيني باكمله.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف