دللت تجربتا الانتفاضة الاولى عام 1987 ، والثانية عام 2000 ، والانجازات التي تحققت بفضلهما على الارض ، على ان طريق استعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني مفتوحة امام الفعل الفلسطيني الموحد في مواجهة العدو المتفوق .
غير انه في مقابل تجربتي الانتفاضة الاولى والانتفاضة الثانية الناجحتين بتفاوت ، خاض الشعب الفلسطيني اربع تجارب تفاوضية كبرى فاشلة ، كون اي منها لم تكن مسنودة بالفعل الكفاحي على الارض في مواجهة الاحتلال .
فكانت المفاوضات الاولى في كامب ديفيد 2000 ، بين ياسر عرفات ويهود براك برعاية الرئيس كلينتون ، والثانية في انابوليس عام 2007 بين محمود عباس ويهود اولمرت برعاية الرئيس الجمهوري بوش ، والثالثة بين محمود عباس ونتنياهو خلال ولاية الرئيس الاميركي اوباما بين عامي 2009 و 2013 ، وباشراف المبعوث الرئاسي الخاص السيناتور جورج ميتشيل ، الذي فشل ورحل الى غير رجعة ، والثالثة ايضاً بين محمود عباس ونتنياهو خلال ولاية اوباما الثانية منذ عام 2013 وحتى اليوم ، وباشراف وزير الخارجية جون كيري.
في غضون ذلك جرت تجربة مفاوضات خامسة في عمان برعاية وزير الخارجية ناصر جودة ، في شهر كانون ثاني 2012 ، وعقدت اربع جولات من التفاوض بين صائب عريقات والمفاوض الاسرائيلي اسحق مولخو في الفترة ما بين 3/1/2012 و 26/1/2012 ، بدون ان تسجل نجاحاً حتى في الاتفاق على اولويات التفاوض او على جدول اعمال ، مما يدلل على ان قوة المنطق ومنطق العدل وحدهما غير كافيان لتحقيق انجازات ، دون ان تكون مصحوبة بفعل كفاحي يجعل من مشروع الاحتلال الاسرائيلي مشروعاً مكلفاً ، ترغمه على التسليم بالتنازل عن سياسته الاستعمارية التوسعية والتسليم بحقوق الشعب الفلسطيني .
لقد حقق الشعب الفلسطيني على المستوى الدولي مجموعة من المكاسب السياسية الهامة ، في طليعتها قبول فلسطين عضواً مراقبا لدى الجمعية العامة للامم المتحدة يوم 29/11/2012 ولدى اليونسكو ولدى محكمة الجنايات الدولية ، وعضوا كامل العضوية العاملة في الاتحاد البرلماني الدولي ، وحتى رئاسة الفدرالية العالمية للنقابات الهندسية بانتخاب مروان عبد الحميد رئيس اتحاد المهندسين الفلسطينيين رئيساً لها ، ولكن هذا كله لم ينعكس على حياة الفلسطينيين ولم يخفف من معاناتهم وفتح فرص الامل لتحقيق استقلالهم واستعادة حقوقهم .
الانفجار وثورة السكاكين :
منذ تولي نتنياهو رئاسة الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وهو يعمل على سياسة التوسع والاسرلة والتهويد لفلسطين ، وخاصة في القدس والغور ، وتوسيع الاستيطان في قلب الضفة الفلسطينية وتمزيق جغرافيتها بشكل تدريجي ، وعمل على المستوى السياسي والحل التفاوضي على تكييف خطواته بما ينسجم مع برنامجه الاستعماري التوسعي ، تحت عنوان ادارة الازمة ، وليس العمل على حلها ، وهكذا راح نتنياهو يدعو الرئيس الفلسطيني للجلوس على طاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة ، وهو عملياً يفرض شروطه المسبقة ميدانياً على الارض عبر التوسع الاستيطاني في الضفة ، وتهويد القدس ، وفصلها عن باقي الاراضي المحتلة ، واسرلة الغور وعدم السماح باي تطوير فلسطيني على مساحته ، مع بقاء الفصل الجغرافي الكامل لقطاع غزة واستمرار حصاره وخنقه ، اضافة الى محاولة نقل تجربة تمزيق المسجد الابراهيمي في الخليل الى الحرم القدسي الشريف ، وفرض التقسيم الزماني على المسجد الاقصى ، وحصيلة ذلك كله دفع نحو حالة الانفجار الشبابية الجارية منذ بداية شهر تشرين اول 2015 ، عبر هبة السكاكين او انتفاضة السكاكين وهي حالة كفاحية متقدمة سبقها حرق محمد ابو خضير في شعفاط في القدس ، وحرق عائلة الدوابشة في قرية دوما في نابلس .
ثورة السكاكين فرضت حالة من القلق والهستيريا الاسرائيلية ، دفعت سكرتير الامم المتحدة ووزير الخارجية الاميركي للقدوم الى فلسطين والمنطقة بعد اظهار حجم الغضب الشبابي الفلسطيني ، والشجاعة غير العادية باستخدامهم الادوات المدنية البدائية البسيطة ، مما يعكس حالة النهوض الوطني لدى عامة الفلسطينيين والاستعداد العالي لدى الشباب للتضحية ، هؤلاء الذين واصلوا العمل المتدرج بلا انقطاع والاستشهاد الميداني وبظروف استثنائية غير مواتية ، سوى الرغبة في ايذاء العدو وخاصة جنوده وافراد مؤسساته الامنية ، وقد سجلت هذه الهبة ، هذه المقدمة لانتفاضة محتملة ، او بداية لثورة مفتوحة ، سجلت مجموعة من المظاهر الملموسة يمكن تلخيصها كما يلي :
اولاً : انها هبة شبابية بالفعل والروح والمشاركة من الطرفين الشباب والشابات .
ثانياً : انها غير حزبية الانتماء وخاصة من طرفي الانقسام الفلسطيني فتح وحماس ، فكلتا الحركتين لم تشاركا في فعالياتها لا في الضفة ولا في القطاع ، فحركة فتح ملتزمة بالتنسيق الامني بين رام الله وتل ابيب ، وحركة حماس ملتزمة باتفاق التهدئة بين غزة وتل ابيب الموقع تحت عنوان “ تفاهمات القاهرة “ في رعاية الرئيس السابق محمد مرسي يوم 21/11/2012 ، وتم تجديدها في عهد الرئيس السيسي يوم 26/8/2014 ، بعد العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة ، وكلتا الحركتين فتح وحماس تتهم الاخرى بالتحريض ، فحركة حماس تتهم حركة فتح بتحريض الشباب للوصول الى حدود 48 في قطاع غزة بهدف احراج ادارة حركة حماس وتقويض سلطتها المنفردة في قطاع غزة ، وحركة فتح تتهم حركة حماس انها تعمل على تحريض الشباب في الضفة الفلسطينية لاحراج حركة فتح واضعاف سلطتها في الضفة ، وبذلك بات التحريض ضد الاحتلال معابة من قبل الطرفين ، بدلاً ان يكون مباهاة كفاحية لكليهما .
ثالثاً : تحول الفعل الفلسطيني في مناطق الاحتلال الاولى عام 1948 فعلاً مشاركاً ضد الاحتلال والعنصرية وقوانين التمييز ، بعد ان كان فعلاً تضامنياً طوال السنوات الماضية .
رابعاً : لم يرتق الموقف السياسي والحس بالمسؤولية لدى طرفي الانقسام الفلسطيني ، ولم يتجاوبا بعد مع نداءات الشارع والقوى السياسية الاخرى لانهاء الانقسام وبناء الجبهة الوطنية الموحدة ضد العدو الواحد المتفوق ، وعليه لا يستطيع المراقب المدقق في قراءة المستقبل المنظور بمدى استمرارية هذه الهبة الانتفاضية ، او توقفها امام قوة العدو واجراءاته القمعية وعقوباته الجماعية ، نظراً لعدم توفر الحاضنة الفلسطينية والعربية والدولية لهذا الفعل الكفاحي الفلسطيني الشجاع والمتقدم ، فالاستمرارية من اجل تحقيق الانتصار للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني يتطلب ثلاثة شروط غير متوفرة للان وهي :
اولاً : برنامج سياسي مشترك من قبل كافة فعاليات وقوى وشرائح الشعب الفلسطيني .
ثانياً : مؤسسة تمثيلية وقيادية واحدة تضم الجميع الفسلطيني بما فيها حماس والجهاد في اطار منظمة التحرير ومؤسساتها الميدانية المختلفة ، بما فيها قيادة سياسية وميدانية مباشرة لادارة العمل المصاحب للفعل الكفاحي على الارض وفي مواجهة الاحتلال وقواته واجهزته .
ثالثاً : اختيار الادوات الكفاحية المناسبة للفعل الفلسطيني الموحد على قاعدة البرنامج السياسي المشترك وبادارة المؤسسة التمثيلية الموحدة .

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف