- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-11-11
ينبغي فتح معركة سياسية في ميدان الأمم المتحدة من أجل تأمين حماية الشعب الفلسطيني من بطش الاحتلال
فشلت وصفات كيري في إجهاض الهبة الشعبية الفلسطينية والالتفاف عليها. ولم تجد نفعا التفاهمات والاتفاقات التي عقدها بخصوص القدس، لأن بنيامين نتنياهو يرى في أي اتفاق بخصوص الموضوع الفلسطيني مع أي جهة كانت مجرد خطوة تكفل إبعاد الكرة عن ملعبه, وما يلتفت إليه فعلا هو تنفيذ أجندة الرؤية الإسرائيلية بخصوص مستقبل القدس وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة.
معيار الفشل الذي لحق بوزير الخارجية الأميركي يكمن في تصاعد الهبة الشبابية الفلسطينية وامتداد المواجهات مع الاحتلال والمستوطنين واتساعها، فيما يزداد عدد الشهداء والمصابين الفلسطينيين على وقع إصرار جيش الاحتلال على اعتماد سياسة القتل العمد، الأمر الذي يضع التوجه الجدي نحو المجتمع الدولي ومؤسساته في مقدمة المهمات الفلسطينية العاجلة.
أسباب فشل وصفات كيري متعددة لعل أهمها:
* بقيت حدود تأثير الضغط الأميركي لكبح الهبة واحتوائها عند المستوى السياسي الذي استقبل هذه الضغوط، والذي لا يملك تأثيرا عمليا مباشرا على وقائع ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبقيت جميع المحاولات والدعوات للتهدئة مقابل التهدئة مجرد تصريحات لا تنفع سوى بتوجيه رسائل لمنابع الضغط ، تشعرهم فيها أنها تقبل بمعادلة التهدئة مقابل التهدئة. في الوقت الذي تطالب فيه واشنطن وتل أبيب بدور عملي من الصعب جدا على «الرسمي» الفلسطيني النهوض به.
وقد أدت مؤشرات هذه الضغوط والتفاعل معها إلى عكس النتيجة التي أرادها كيري، حيث اتسعت المواجهات وتصاعدت على نحو مضطرد.
* يتجاهل وزير الخارجية الأميركي أن الاحتقان المتراكم الذي فجّر الهبة الشبابية لم يكن فقط بسبب الاستفزازات الإسرائيلية في القدس والأقصى، بل هو نابع في الأساس من وجود الاحتلال واستمراره بكل ما يعني هذا من تدمير منهجي للمستقبل الوطني الفلسطيني، من خلال نشر الاستيطان وحملات التهويد وتصاعد العدوان من قبل الاحتلال ومستوطنيه، الذين شكلوا جبهة عدوان مفتوحة استهدفت حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم.
* يضاف إلى ذلك، أن الاتفاق الذي أعلن كيري أنه توصل إليه مع بنيامين نتنياهو، لم ينعكس بأي شكل من الأشكال على ما يجري في أرض الواقع؛ إن كان على صعيد الاغتيال المنهجي الذي يمارسه جيش الاحتلال ضد شبان الهبة، أو على صعيد الإجراءات والقوانين التي تصدر بتسارع عن الحكومة الإسرائيلية والكنيست والتي تزيد من التضييق على الفلسطينيين بما يضيف أسبابا أخرى لاستمرار الهبة وتصاعدها. وساهم في فشل كيري رزمة الاقتراحات التي ترافقت مع مساعي «التهدئة» بخصوص التسوية والعودة إلى معزوفة المفاوضات سيئة الصيت والنتائج، والتي كانت في آلياتها وما رافقها من استفحال السياسات التوسعية والعدوانية الإسرائيلية أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى اندلاع الهبة.
وإذا كانت الهبة حتى هذا الوقت قد تجاوزت إلى حد كبير محاولات الإجهاض والاحتواء، إلا أنها لا تزال في حاجة إلى دعم وإسناد عبر محاورعدة يقع على عاتق الحالة الفلسطينية توفيرها وأبرزها:
* فتح معركة سياسية مع الاحتلال في ميدان الأمم المتحدة ومؤسساتها ذات الصلة من أجل تأمين حماية الشعب الفلسطيني من بطش الاحتلال واتخاذ الآليات الأممية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف، وإعادة طرح عضوية فلسطين في المنتدى الدولي كدولة كاملة العضوية تقع تحت الاحتلال ومن واجب الأسرة الدولية الضغط السياسي المباشر لرفع الاحتلال عنها عملاً بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.
وفي سياق هذا يأتي التنفيذ المباشر لقرارات المجلس المركزي في دورته الأخيرة على رأس المهمات التي تكفل تصويب الأوضاع الفلسطينية، وما يؤدي إليه ذلك من تأمين الحماية السياسية للهبة وشبابها. ويؤدي ذلك أيضا إلى تسهيل مهمة تشكيل قيادة موحدة لهذه الهبة وبلوّرة برنامجها وفتح الأفق والآليات أمام تطويرها نحو انتفاضة شعبية شاملة تضع الاستقلال هدفا منشودا.
من دون ذلك، يصح ما قاله بعض المراقبين من أن الهبة على مفرق طرق؛ وألمح بعضهم إلى أن هذه الهبة معرضة للتراجع باتجاه خبوِّها، عبر زرع الإحباط في صفوف شبابها عن طريق إشعارهم بأنهم أيتام سياسيا مع استمرار تجاهل ضرورة تشكيل القيادة الموحدة والمبادرة إلى دعم الهبة وشبابها على الأصعدة كافة.
ما يقوم به جيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية يستدعي أكثر من أي وقت مضى التوجه الفوري نحو محكمة الجنايات الدولية ولا يحتاج الآمر هذه المرة إلى تحضير وثائق، فالصوروأشرطة الفيديو جاهزة وتكشف على نحو واضح عمليات الإعدام.
المسألة بحاجة إلى فعل مباشر تحكمه إرادة سياسية يفترضها الإحساس بالمسؤولية الوطنية .. غير ذلك .. تنقلب الاستخلاصات إلى عكسها.