شهدت الأشهر الأربعة الماضية سلسلة من المآسي والفجائع بعد وفاة أكثر من 30 شاباً من قطاع غزة غرقاً في بحر اليونان وتركيا وتونس، بعضهم جرى التعرف على جثامينهم، وآخرون لا يزالون في عداد المفقودين.

ولم تكن أخبار حوادث الغرق مجرد أنباءً يتم تداولها عبر وسائل الإعلام، فخلف كل حادثة قصة مأساوية عاشها صاحبها، وتركت ألماً وحزناً عميقاً في عقول وقلوب أهله.

صابرين وائل أبو جزر فتاة في بداية العشرينيات من عمرها، أتمت خطبتها على أحد أقاربها ممن هاجروا مؤخراً من قطاع غزة، وبدأ بشق طريقه في إحدى دول أوروبا، وكانت تحلم بأن يلتم شملها بزوجها، ويعيشان معاً حياة مستقرة وهادئة.

وواجه العروسان صعوبات في لم الشمل، نظراً لصعوبة إجراءات سحب الزوج لزوجته، واستغراق ذلك وقتاً طويلاً، فلم يجدا طريقاً سوى الهجرة عبر البحر، ظناً منهما بأنها رحلة قصيرة ستمر بسلام.

غادرت صابرين قطاع غزة بعد حفلة وداع لأهلها، الذين أوصلوها إلى المعبر في موكب احتفالي محمول، وما هي إلا أيام حتى التقت بخطيبها في تركيا، حيث أقام لها أقاربها حفل زواج حضره الأقرباء والأصدقاء، ومكثا معاً لبضعة أيام، قبل أن يسافر الزوج لترتيب استقبال زوجته.

وهناك جرى التنسيق لركوب إحدى قوارب الهجرة غير الشرعية برفقة عشرات المهاجرين من عدة جنسيات، بينهم أقرباء لصابرين، لتستعد العروس لركوب البحر الهائج على أمل اللقاء بزوجها.

ووفق ذوو صابرين فإن الأخيرة كانت تخشى الرحلة، وودعت أهلها هاتفياً قبل الصعود على متن المركب، الذي انطلق بصورة طبيعية، وفق ما أكده أقاربها، حيث كان يتابعها أحدهم عبر تقنية "GPS"، قائلاً: "المركب الذي أبحر به المهاجرون كان سليماً تماماً، وتخطى أكثر من ثلثي المسافة، لكن فجأة توقف إرسال الهاتف، وحينها تحدثوا مع المهرب، الذي أكد لهم انقطاع الإرسال من طرفه، وقد علموا لاحقاً أن القارب تعرض للغرق في ظروف غامضة، على بعد أقل من 500 متر من الشواطئ اليونانية، بعد عملية دوران مقصودة نفذها زورق تابع لخفر السواحل، وأن بعض الشبان تمكنوا من الوصول للشاطئ سباحة، وآخرون بقوا عالقين في البحر ساعات قبل أن يتم نقلهم، ومن كان لا يجيد السباحة غرقوا، وماتوا ومنهم صابرين.
علاء أبو جزر، عم صابرين، أشار إلى إأ العائلة تلقت خبر غرق القارب وفقدان صابرين كالصاعقة من قبل أقرباء كانوا على متن القارب، وظلت العائلة في حالة لغط وترقب بانتظار الخبر اليقين، ما دفع زوجها للتوجه لليونان لمشاهدة الجثمان، ولاحقاً جرى تأكيد الخبر، خاصة بعد اتصال من وزارة الخارجية الفلسطينية، يؤكد أن من بين الضحايا جثمان صابرين.

تؤكد الأم المكلومة سها أن ابنتها صابرين كانت فتاة بسيطة، كل حلمها أن تسافر وتصل لزوجها، وغامرت بحياتها على أمل أن تحظى بظروف حياة أفضل، وانطلقت في القارب برفقة عدد من أقربائها بينهم ثلاث عرائس كن ينوين التوجه لأزواجهن الجدد، وقد ناشدت الأم من أجل نقل جثمان ابنتها لرفح، لتتمكن من وداعها.

وظلت العائلة تستقبل المعزين على مدار ثلاثة أيام متتالية، وسط حالة من الحزن والأسى عمت الجميع، مع تواصل الاتصالات مع جهات الاختصاص في محاولة لتأمين نقل جثمانها للقطاع، لمواراتها الثرى في مسقط رأسها محافظة رفح.

وأكد عدد من أقرباء صابرين أن العديد من أبناء العائلة هاجروا من غزة بحثاً عن فرص حياة أفضل في الخارج، وبعضهم استقروا بالفعل في عدة بلدان، وهناك محاولات مستمرة للهجرة من غزة، وثمة فتيات خطبن أو تزوجن أقرباءهن المقيمين في الخارج، وسافرن أو ينوين السفر، كحال صابرين.

ولا يكاد يمر أسبوع دون الإعلان عن غرق قارب هجرة جديد هنا أو هناك، يسفر عن سقوط ضحايا جدد، من بينهم شبان من قطاع غزة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف