قال شهود، إن الجيش السوداني أصبحت له اليد العليا على ما يبدو، أمس، في صراع دموي على السلطة مع قوات الدعم السريع، بعد أن استهدف الجيش قواعدها بضربات جوية، فيما لقي 59 مدنياً على الأقل حتفهم، بينهم ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة.
فقد تواصل القتال في العاصمة السودانية، أمس، بعد إعلان الجيش وقوات الدعم السريع في بيانين منفصلين الاتفاق على مقترح للأمم المتحدة بفتح "مسارات آمنة للحالات الإنسانية" لثلاث ساعات، بعد مقتل 59 مدنياً، بينهم ثلاثة عاملين في برنامج الأغذية العالمي.
وأثارت المواجهات الدائرة، منذ أول من أمس، بين الجيش وقوات الدعم السريع إدانات دولية ومخاوف إقليمية، ما أدّى إلى إغلاق حدود مصر وتشاد المجاورتين. وتبادلت قوات الدعم السريع والجيش السوداني الاتهامات بالمبادرة بالقتال.
أمس، كان دوي القصف يُسمع في شوارع الخرطوم المهجورة التي انتشرت فيها رائحة البارود القوية، بحسب شهود.
استؤنف القتال بعد حلول مساء أمس، فيما يلازم السودانيون منازلهم وسط مخاوف من صراع طويل قد يعمّق حالة الفوضى ويبدّد آمال الانتقال إلى ديمقراطية بقيادة مدنية.
وأوضح بيان الجيش أنه تقرر فتح المسارات لثلاث ساعات، ابتداء من الرابعة بعد الظهر (14:00 ت غ) لتنتهي العملية عند السابعة مساء. وأكّدت قوات الدعم السريع أن الجانبَين يحتفظان بحقهما في "الرد في حالة حدوث تجاوزات" من الجانب الآخر.
وعلى الرغم من ذلك، ظل يُسمع دوي إطلاق نار كثيف في وسط الخرطوم قرب المطار، فيما تصاعد دخان أسود كثيف من المنطقة المحيطة.
من جهة أخرى، قتل، أول من أمس، ثلاثة عاملين في برنامج الأغذية العالمي في إقليم دارفور غرب السودان، بحسب ما أعلن الممثل الخاص للأمم المتحدة للسودان، فولكر بيرثيس، الذي "أدان بشدة الهجوم على موظفي الأمم المتحدة" ومنشآت المنظمات الإنسانية في دارفور.
وقال بيان صادر عن مكتبه: إن برنامج الأغذية العالمي قرر تعليق عمله في السودان بسبب الأوضاع الراهنة.
تحول التوتر بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، إلى مواجهات عنيفة، أول من أمس، بعد تصعيد في الخلافات السياسية في الأسابيع الأخيرة.
وبحسب لجنة أطباء السودان المركزية، المنظمة المستقلة والمؤيدة للديمقراطية، فإنّ "إجمالي القتلى المدنيين بلغ 56" أكثر من نصفهم في الخرطوم وضواحيها، بينما لقي "عشرات" الجنود وعناصر القوات شبه العسكرية حتفهم. بالإضافة إلى ذلك، أصيب حوالى 600 شخص بجروح.
أمس، قال أحمد حامد (34 عاماً) المقيم في إحدى ضواحي الخرطوم: "يتواصل إطلاق النار والانفجارات".
وقال أحمد سيف، الذي يعيش مع زوجته وأولاده الثلاثة في شرق الخرطوم، لوكالة فرانس برس: "كانت ليلة صعبة جداً. لم ننَم بسبب دوي الانفجارات وطلقات الرصاص".
وذكرت قوات الدعم السريع، التي تضم آلاف المقاتلين السابقين في حرب دارفور الذين تحولوا إلى قوة رديفة للجيش، أنها تسيطر على المقر الرئاسي ومطار الخرطوم وبنى تحتية أساسية أخرى. لكن الجيش ينفي سيطرتها على المطار.
وتستخدم كل أنواع الأسلحة من بنادق ومدفعية وطائرات مقاتلة، في هذه المعارك التي تشهدها العاصمة، ومدن أخرى في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة، وتعد من بين أفقر دول العالم.
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس، بـ"محاسبة المسؤولين" عن مقتل العاملين في برنامج الأغذية العالمي. وقال المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك، في بيان: إن الأمين العام "يدين بشدة" مقتل مدنيين من بينهم الموظفون الأمميون الثلاثة، وأعرب عن أسفه "لتضرر مباني الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى بمقذوفات، وتعرضها للنهب بعدة أماكن في دارفور".
وذكر برنامج الأغذية العالمي، من جهته، تضرر إحدى الطائرات المستخدمة في عملياته، أول من أمس، في مطار الخرطوم الدولي.
وأكدت مديرة البرنامج، سيندي ماكين، أن "برنامج الأغذية العالمي ملتزم بمساعدة الشعب السوداني الذي يواجه انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، لكننا لن نستطيع القيام بعملنا الذي ينقذ الأرواح إذا لم يتم ضمان سلامة طواقمنا وشركائنا".
بحسب الأمم المتحدة، يحتاج ثلث سكان السودان لمساعدات إنسانية.
تشكلت قوات الدعم السريع في 2013، وانبثقت عن ميليشيا الجنجويد التي اعتمد عليها البشير لقمع التمرد في دارفور.
ومطلع الشهر الحالي، تأجل مرتين التوقيع على اتفاق بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب البرهان على الحكومة المدنية في 2021، بسبب خلافات بين الأخير ودقلو.
وكان من شأن هذا الاتفاق، الذي لم يوقع، إحياء عملية الانتقال الديمقراطي في السودان، وفتح الباب أمام خروج البلاد من الأزمة.
شكل البرهان وحميدتي جبهة واحدة عندما نفذا الانقلاب على الحكومة في 25 تشرين الأول 2021. إلا أن الصراع بينهما ظهر إلى العلن خلال الشهور الأخيرة وتصاعد.
ووجهت نداءات لإنهاء القتال من جميع أنحاء المنطقة والعالم، بما في ذلك من الولايات المتحدة وبريطانيا والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا.
وأكد البابا فرنسيس، أمس: "أتابع بقلق الأحداث في السودان، وأدعو للصلاة من أجل التخلي عن الأسلحة، وأن يسود الحوار لاستئناف طريق السلام".
وجاء في بيان صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية، أمس، أن باريس "تجدّد دعوتها لبذل كل ما هو ممكن لوضع حد للقتال، ومنع أي تصعيد"، داعية إلى "حماية العاملين في المجال الإنساني".
وقالت مصادر دبلوماسية لوكالة فرانس برس: إن مجلس الأمن الدولي سيتطرق إلى الوضع في السودان خلال جلسة مغلقة اليوم.
وأعلن الاتحاد الإفريقي، أمس، أن رئيس مفوّضيته موسى فقي محمد سيتوجه "فوراً" إلى السودان "للتحدث مع الطرفين بشأن وقف إطلاق النار".
ولأن الحرب بين الجنرالَين إعلامية أيضاً، فقد تحدث حميدتي، أول من أمس، عبر قنوات عدد من دول الخليج التي يعدّ حليفاً لبعضها، مضاعِفاً التهديدات ضدّ خصمه البرهان الذي لم يظهر حتى الآن.
وطالب حميدتي برحيل "البرهان المجرم"، فيما نشر الجيش عبر حسابه على "فيسبوك" مذكرة للقبض على حميدتي.
حالت الخلافات بين العسكريين دون الحلّ السياسي في البلد الذي مزقته الحرب لعقود، ويحاول منذ العام 2019 تنظيم أول انتخابات حرّة بعد 30 عاماً من الدكتاتورية العسكرية الإسلامية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف