لم يكن اختيار قرية اللجون المهجرة داخل الخط الأخضر لإحياء الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لنكبة الشعب الفلسطيني، أمس، دون غيرها من القرى والبلدات المهجرة في الداخل، محض صدفة، وإنما نتيجة إجماع بين جميع المكونات الفلسطينية في الداخل وعلى رأسها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ولجنة الدفاع عن حقوق المهجرين، على حشد الآلاف من فلسطينيي الداخل في تلك البقعة الجغرافية التي كانت ولا تزال هدفا لسلسلة اعتداءات إسرائيلية كان آخرها الاعتداء على مقبرة اللجون بعد إقامة نصب تذكاري لشهدائها ممن ارتقوا في معركة الدفاع عنها إبان نكبة عام 48.
وكان لسان حال المشاركين في مسيرة "العودة" السادسة والعشرين والتي نظمتها لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين في الداخل، يقول "نحن هنا وسنبقى هنا تحت التراب وفوقه"، كما قال عضو لجنة تخليد شهداء أم الفحم واللجون مريد فريد، والذي أكد أن قرار إقامة المسيرة على أراضي قرية اللجون المهجرة لم يكن أمرا عبثيا أو محض صدفة.
وأضاف فريد "إن اختيارنا لهذه المنطقة لم يكن محض صدفة، وإنما جاء بعد أن اعتدت إسرائيل على مقبرة اللجون بعدما وضعنا نصباً تذكارياً لشهداء القرية ممن ارتقوا وهم يدافعون عنها بوجه محاولات العصابات الصهيونية سلبها إبان النكبة".
وتابع "الاستجابة جاءت باختيار اللجون لإقامة المسيرة، وأن تكون المسيرة إلى جانب المقبرة، وهذا له معنى وأبعاد، ومعنى إقامة هذه المسيرة في اللجون هو أننا متواجدون هنا تحت التراب وفوقه، ونصر أن نجدد من خلال المسيرة التأكيد أن هذا وطننا ونحن هنا ومتمسكون باللجون، فهذه أرضنا وأرض أم الفحم، وهنا عاش أهالينا وهنا تطوروا، وهذا الرد الذي نريده، ولهذا جاءت فكرة المسيرة هنا في اللجون التي استقبلت أرضها عدة آلاف من فلسطينيي الداخل ممن شاركوا في مسيرة العودة".
ووفقا للمؤرخين، فإن العصابات الصهيونية وضعت قرية اللجون نصب أعينها، وكانت هدفاً للواء "غولاني" تحديداً والذي هاجم المواقع التي بقيت صامدة ولم تحتل في العملية التي جرت في منطقة حيفا في شباط عام 48، فكان هدف هذا اللواء السيطرة على المساحة الواقعة ما بين اللجون وأم الزينات من الناحية الغربية لمرج ابن عامر ووادي الملح، وهو الوادي الذي يوصل إلى المرج انطلاقاً من الطريق الساحلي، وأصبحت كلها في أيد يهودية.
وأكد المؤرخون، أن العصابات الصهيونية المسلحة دمرت في الثلاثين من أيار عام 48، قرية اللجون، بعد معركة ارتقى خلالها 21 شهيداً دفاعاً عن قريتهم التي تم تهجير أهلها عنها واستقر معظمهم في أم الفحم لقربها، ولم يتبق من القرية اليوم سوى القليل من آثارها، وفي العام 1949 أنشأ الاحتلال فوق أراضيها كيبوتس "مجيدو".
وتعتبر أراضي اللجون جزءاً من أراضي أم الفحم والتي كان يرتادها سكانها في المواسم الزراعية، وبعد الانتهاء منها كان المزارعون يعودون إلى منازلهم في أم الفحم، إلا أنهم اضطروا بعدئذ للإقامة في اللجون لكثرة مزروعاتهم وغلاتهم فيها.
وأنشئت في اللجون مدرسة حكومية أواخر العام 1937 بلغ عدد طلابها في الأول من تموز عام 1944، 83 طالباً كان يتناوب على تدريسهم معلمان، وكان في القرية مسجدان، الأول يحمل اسم إبراهيم الخليل في موقع خربة ظهر الدار، وحمل اسم مسجد دار الخليل أبو إبراهيم، والثاني المحاميد أقامته عشيرة المحاميد في الخربة القبلية، وبني من الحجارة البيضاء.
وكان يوجد في اللجون، مقام الست ليلى، والتي اعتبرها أهالي القرية مجاهدة، وأطلق اسمها على عين الماء "عين الست ليلى" قرب طاحونة دار الحداد، إلى جانب مقبرة القرية والتي تعرضت لاعتداء إسرائيلي مؤخرا، ومركز رعاية صحية، وسوق طواحين صغيرة لخدمة أهالي القرية والقرى القريبة، ومدرسة وست طواحين للحبوب وعدة دكاكين وشركة باصات حملت اسم "شركة باصات اللجون" وفرت خدمات نقل لأهالي القرية باتجاه أم الفحم وجنين وحيفا، واستفاد أهالي قرى مجاورة من الشركة وخدماتها.
ووفق المؤرخ وليد عبادي، فإن اللجون كانت قائمة على تل قليل الارتفاع في الطرف الجنوبي الغربي من مرج ابن عامر موزعة على طرفي وادي اللجون، وكانت جنين والمرج نفسه يظهران للناظر من اللجون التي كانت تربطها طرق فرعية بطريق جنين-حيفا العام، وبطريق عام آخر يمتد صوب الجنوب الغربي ويوصل إلى مدينة أم الفحم.
وأشار عبادي، إلى الرواية الإسرائيلية الرسمية والتي تذكر أن اللجون احتلت قبل الأول من حزيران عام 1948 بوقت قصير، عقب السيطرة على وادي بيسان، وقبل الهجوم الإسرائيلي الفاشل على جنين، حيث كان لواء "جولاني" استولى في تلك الفترة على بضع قرى مجاورة لجنين ومنها اللجون التي دخلتها العصابات الصهيونية فجر الثلاثين من أيار، استنادا إلى تقرير صحافي نشرته "نيويوك تايمز" والتي أوردت أن طوابير إسرائيلية عدة تقدمت نحو منطقة المثلث يومها واستولت على جملة قرى شمالي جنين، ومن الجائز أن تكون الكتيبة الرابعة من لواء "جولاني" طردت سكان القرية فورا، وذلك تماشيا مع عادتها خلال عملياتها السابقة.
وجاء في رواية "نيويورك تايمز"، إن اللجون كانت أهم المواقع التي استولى عليها اليهود الذين ذهب بهم هجومهم إلى احتلال عشر قرى جنوبي "مشمار هعيمق" وشرقيها، ونسفت قوات "الهاغاناه" 27 مبنى في اللجون والقرى المجاورة، بعد أن هاجمت قوات "الهاغاناه" مواقع جيش الإنقاذ في منطقة اللجون، حيث صد فوج اليرموك وغيره من وحدات جيش الإنقاذ تلك القوات التي ارتدت على أعقابها، فحاولت بداية عزل اللجون عن طولكرم تمهيدا للاستيلاء على اللجون وجنين.
ولم يتبق اليوم في اللجون سوى المسجد المبني بالحجارة البيضاء، وطاحونة حبوب واحدة، والمركز الطبي وبضعة منازل مهدمة جزئياً، فيما جرى تحويل المسجد إلى مشغل نجارة، وأحد المنازل إلى قن دجاج، والمركز الطبي وطاحونة الحبوب مهجوران، والمدرسة ما عاد لها أثر، أما المقبرة فما زالت قائمة ولكن مهملة، وما زال قبر يوسف الحمدان وهو من الوطنيين البارزين الذين استشهدوا في ثورة عام 1936، بادياً للعيان.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف