بقلم: ناحوم برنياع
محمود مسالمة (36 سنة)، الذي قتل يهوديين في مبنى بانوراما في جنوب تل أبيب، كان أحد الفلسطينيين المحظوظين ممن حصلوا على تصريح عمل في اسرائيل، قال في التحقيق، إنه حينما خرج من بيته في جبل الخليل لم يخطط للقتل، وقرر ذلك عندما مر أمام مطعم عمل فيه في تل أبيب وشاهد السكين الملائمة، وجود السكين سبق نية القتل.
في جميع الأجهزة الأمنية يحاولون منذ آب التوصل إلى معرفة سمات «الإرهاب» اليومي الذي يمر علينا. من أين يأتي هذا؟ يسأل الخبراء، والأهم من ذلك إلى أين يتجه.
يوم الجمعة 13 تشرين الثاني قُتل بالقرب من عتنئيل أب وابنه، يعقوب ونتنئيل لتمان.
في ذلك المساء هاجم «داعش» في باريس، وفي الأيام التالية لم تُسجل في البلاد أحداث «إرهابية» حقيقية. في الجيش الإسرائيلي أملوا أن يكون الأمر قد انتهى والموجة توقفت، وبعد خمسة أيام تجدد «الإرهاب» بكل قوته.
بدأت الانتفاضة الأولى كتمرد شعبي: خرجت الجماهير الغفيرة إلى الشوارع.
وبدأت الانتفاضة الثانية كخطوة بادرت إليها المؤسسة الفلسطينية، حركة فتح، والأذرع العسكرية التابعة لها.
الانتفاضة الثالثة ليست لا هذا ولا ذاك حتى الآن. بقي الجمهور في البيت ورجال التنظيم لم يطلقوا النار. لا توجد مختبرات متفجرات يمكن مداهمتها، ولا توجد قيادات يمكن قصفها، أو قيادات فلسطينية يمكن معاقبتها بمستوطنات جديدة. «هبة محدودة»، قال عنها، هذا الأسبوع، مسؤول رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي.
هذا التعريف غير دقيق، لكن القصد لافت للانتباه: إذا كان الحديث يدور عن هبة وليس موجة تأتي وتذهب فإن الأجهزة الأمنية لا يمكنها الاستمرار بإغماض أعينها، بل هي ملزمة بفعل شيء.
اقترح الضابط اتخاذ عدة خطوات تُحسن الأجواء في الطرف الفلسطيني: تصاريح دخول، تسهيل الحركة، إطلاق سراح أسرى. هذه الخطوات تناقض اللهجة السائدة في الحكومة، فالوزراء يطالبون بيد قوية؛ الضباط المسؤولون عن الميدان يطالبون بيد سخية. والنتيجة هي الشلل.
القاسم المشترك لدى جميع منفذي العمليات هو اليأس، فاليأس يحيط بالجميع: اسرائيل، السلطة الفلسطينية ورئيسها أبو مازن وجميع التنظيمات.
الشعور في الأجهزة الإسرائيلية هو أن الحديث عن وباء «الإرهاب» اليومي، «الإرهاب» التلقائي، سيستمر لفترة طويلة، وكل عملية تخلق عملية أخرى. هذه الديناميكية أقوى من أي تفكير عقلاني.
على المستوى السياسي، الشعور هو أن حقبة أبو مازن قد انتهت. حتى لو تراجع عن نيته الاستقالة وهو يستمر بالجلوس في المقاطعة، فإنه لن يكون نفس أبو مازن.
في هذه الأثناء ما زال يسيطر على السلطة، يمنع انتشار «الإرهاب»، لكن سيطرته على الأحداث تضعف شيئا فشيئا.
السياسي الأكثر شعبية اليوم في غزة والضفة هو إسماعيل هنية، قائد «حماس».

فشل الآخرين
فريدريك وليام دي كلارك (79 سنة)، الرئيس الأبيض الأخير في جنوب افريقيا الذي حصل على جائزة نوبل للسلام، زار البلاد، هذا الأسبوع.
كان ضيفاً على مؤتمر مناهض للعنصرية بادر إليه صندوق بيت بيرل، وفي اليوم التالي التقيت معه في تل أبيب.
«أنا لا أجري مقابلات فردية»، قال، ومع ذلك وافق على اجراء المقابلة، وأنا استطيع الافتراض لماذا، بلغة مؤدبة جدا أراد القول للإسرائيليين: لا تذهبوا في الطريق التي ذهبت فيها بلادي، جنوب افريقيا، لأن هذه الطريق ستأخذهم إلى الهاوية.
* هل اسرائيل هي دولة فصل عنصري؟
- «لا أعتقد ذلك»، قال، «لكن إذا لم يتم تطبيق حل الدولتين وإذا تم منح اليهود الحقوق في الوقت الذي يعيش فيه الفلسطينيون كمواطنين من الدرجة الثانية، فإن اسرائيل ستكون دولة فصل عنصري».
*ما الذي تقصده؟
-»أساس الفصل العنصري هو التمييز على خلفية عنصرية»، قال. «نحن لم نخترع هذا، جميع القوى العظمى الكولونيالية اعتمدت هذه الأنظمة، ونحن حولنا هذه السياسة إلى قانون في 1948. كانت هذه هي المرحلة الأولى، وفي المرحلة الثانية حاول جون فوستر، رئيس الحكومة في السبعينيات، إعطاء اجابة لـ «اللاكولونيالية»، حيث منح الاستقلال لتسع مقاطعات يعيش فيها السود. كانت هذه أمنية وهمية: العالم رفض الاعتراف بها.
«حاولنا في المرحلة الثالثة إعطاء السود والهنود حقوق سياسية جزئية وتوزيع المناطق.
هذه المرحلة أيضا لم تنجح: «المناطق» التي تم تقسيمها كانت عبارة عن أكياس صغيرة جدا؛ لم يعتبر السود أن الاستقلال هو الحل. عندها جاءت المرحلة الرابعة: دولة واحدة. في تلك المرحلة كان هذا الحل هو الحل المنطقي الوحيد».
*هل المقاطعة العالمية لجنوب افريقيا والعقوبات الاقتصادية لعبت دورها في تحقيق الاتفاق؟
- يعارض كلارك مقاطعة اسرائيل. فهو يقتنع أن المقاطعة التي فرضت على بلاده لم تؤثر كثيرا. «لقد كلفتنا العقوبات 1.5 بالمئة من النمو سنويا»، قال. «كان يمكننا الاستمرار في ذلك 10 – 15 سنة.
«ما حسم الأمر عندنا ليس المقاطعة. الحل الوحيد الذي كان يمكن الدفاع عنه من الناحية الأخلاقية كان البدء في المفاوضات من اجل التوصل إلى دستور ينهي الفصل العنصري تماما ويعترف بالألوان المختلفة للسكان وحقوق الأقليات».
لم يتحمس دي كلارك للحديث عن ذلك. لكن الاتفاق الذي تحقق بعيد عن أن يكون كاملا. تحول البيض من أقلية تحظى بحقوق زائدة إلى أقلية يتم التمييز ضدها، والحكومة فاسدة: لا يوجد أمن شخصي ولا يوجد قانون.
* ما الذي يمكن تعلمه من تجربتكم؟
- «بصفتي شخصاً جاء من الخارج، يبدو لي أن حل الدولتين هو نافذة آخذة في الانغلاق. يمكن أن تفوتكم هذه الفرصة».
في الفترة الانتقالية من نظام إلى نظام سافرت إلى جنوب افريقيا مرتين. انطباعي كان أن الشباب البيض يهاجرون بأعداد كبيرة. قلت له.
«هذا صحيح، الكثيرون غادروا – نحو 800 ألف. نصفهم غادروا لأنهم أرادوا الانفتاح على العالم والنصف الآخر لأنهم لم يرغبوا في العيش تحت حكومة سوداء. وقد هاجروا إلى استراليا ونيوزلندا وكندا وبريطانيا».
* لماذا أنت بالذات كشخصية يمينية في حزب يميني ابيض قمت بعقد اتفاق مع الحركة السرية السوداء؟
- ضحك وقال: «لقد اختاروني لأنهم اعتقدوا أنني الأكثر محافظة من بين الجميع، وقد أخطؤوا في ذلك».
«مهمة القائد ليست متابعة استطلاعات الرأي العام. القيادة تتطلب المبادرة والطموح والسعي الحقيقي لتحسين الوضع والقدرة على إقناع الناخبين أن تغيير الوضع الراهن سيكون في صالحهم على المدى البعيد. هذا ما فعلته في الطرف الأبيض وهذا ما فعله مانديلا في الطرف الأسود. نحن الاثنان فعلنا ذلك أمام انتقادات شديدة في معسكرينا.
«حينما طرحت الاتفاق للاستفتاء الشعبي في 1992 فإن 70 بالمئة من البيض أيدوه. الثلث الذي صوت ضد الاتفاق يغضب مني حتى الآن».
رئيس صندوق بيت بيرل، دورون الحناني، حدّث دي كلارك عن مروان البرغوثي. هل البرغوثي مثل مانديلا يستطيع اتخاذ قرارات وهو في السجن لا يستطيع من يوجدون في الخارج اتخاذها؟.
«أنا لا أعرف شيئا عن هذا الشخص»، قال. «الدرس الذي تعلمناه قبل إطلاق سراح مانديلا بسنوات كثيرة هو أنه يجب التفاوض مع من تؤيده الأغلبية».
* كم كان ثقل التدخل الدولي في تحقيق الاتفاق؟
- «في حالتنا»، قال، «ضئيل. فالوضع عندكم مختلف لأن الصراع منذ بدايته كان على سلم اهتمام المجتمع الدولي. المجتمع الدولي يمكنه أن يساعد لكن الحسم قبل كل شيء هو لكم».

حول السكين
التقيت في يوم الاثنين ينون مغيل في الكنيست. لم نتحدث عن كلامه تجاه النساء. فإما أنه لا يعرف المصيبة التي ستسقط عليه وإما أنه عرف واحتفظ بذلك لنفسه. لقد تحدثنا عن أقوال اخرى له عن السكاكين.
طلب مغيل قتل كل من يشتبه به بالأعمال «التخريبية». لا يجب التحييد أو الاعتقال أو التقييد، بل إطلاق النار حتى الموت. هذه أقوال خطيرة، قلت له. «أنتم جلبتم أوسلو، ومنحتموهم الأسلحة»، رد مغيل على الفور. واستنتجت أن شيئا سيئا يحدث له. حول اتفاق أوسلو، بسلبياته وإيجابياته، يمكن الحديث بحوار منفصل. قلت له. لكن السؤال هو ما الذي يجب عمله مقابل فتاة فلسطينية تخرج للمعركة وهي تحمل المقص، أو ما الذي يجب فعله أمام مواطن بريء، يهودي أو عربي أو أريتيري، تواجد لسوء حظه في موقع العملية «الإرهابية».
«لقد علموني في الجيش أنه يجب قتل العدو»، قال مغيل.
لكن الشارع في كريات غات أو المجمع التجاري في بئر السبع ليس ارض عدو، قلت له، والناس الذين يستمعون لنصيحتك ليسوا جنودا. إن طلبهم إطلاق النار هو أمر خطير جدا وغير مسؤول. الحديث هنا يدور عن حياة الناس (في اليوم التالي عندما طلب من اييلت شكيد الإجابة على الاتهامات الموجهة لمغيل من النساء، استخدمت تعبير حياة الناس من اجل الدفاع عنه).
الحقيقة هي أن شكيد على حق. فطالما أنه لم يثبت عكس ذلك، فان مغيل بريء. إنه مسؤول عن الأشياء التي اعترف بها فقط. لكن المواطن البدوي الذي أنقذ نفسه من الفتك في كريات غات ليس بريئا. فقبل أيام تم تقديم لائحة اتهام ضد أحد الشباب الذين ضربوه مرة تلو الأخرى وهو مكبل وملقى على الأرض. ماذا يريدون من ابني، قالت أمه. فهو في نهاية المطاف اخطأ في تحديد الهوية. وأضافت: إن قلبه من ذهب.
يوم الاثنين حدثت عملية في سوق محنيه يهودا في القدس: «المخربتان» كانتا صغيرتين، والسلاح كان مقصا. وقد تم إطلاق النار عليهما من حارس. شاهدت فيلم الفيديو قبل المونتاج. احداهما اطلقت عليها النار حينما حاولت طعن مواطن. كان اطلاق النار مبررا.
الفتاة الأخرى جلست جانبا دون فعل أي شيء، توجه إليها الحارس ظن وأطلق عليها عن قرب مثلما يطلقون النار على أوزة في حديقة الألعاب. في حديقة الألعاب يحصلون مقابل ذلك على جائزة – دمية على شكل دب. فما هي الجائزة التي يستحقها في حديقة الألعاب للبيت اليهودي؟

عن «يديعوت»

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف