"نحن مجموعة من الفلسطينيّين، ربّما كانت الصدفة أحد الأسباب التي جمعتنا، لكن المؤكد أن حبّنا لهذه اللغة البصرية كان سبباً لإصرارنا على هذا المشروع.. قد يكون عمر المسيرة الفنيّة لبعض المشاركين أصغر من الآخرين، لكنهم اجتمعوا في مكان واحد ليقولوا.. قد يشكل هذا المعرض إجابة واضحة عن تعريفنا لفن (الكومكس)، نقدمه للجمهور الفلسطيني فنّاً قادراً على حمل الحكايات الصغيرة والكبيرة، يستثمر عناصر الخيال في بناء مشاهد حيّة للحظات تكلست في الوعي الخطابي أو ضاعت منه ربّما، ليكون هذا الفن قادراً على تشكيل خطاب شعبيّ، وخطاب للنخبة أيضاً".
هكذا عرّف الفنانون المشاركون في معرض "شارع التحرير – عمارة 48"، بمبنى "حوش الصاع" في البلدة القديمة لمدينة رام الله، وهو أول معرض "كومكس" في فلسطين، على أنفسهم وما يقومون به، وما يهدفون من وراء عملهم الارتكازي هذا.
تميّز المعرض بمشاركة شبابيّة طاغية، خاصة من الشابات الموهوبات، وبينهن: حلا سيف، ودانيا عمري، ونور طوطح، وكرمل خليل، وسارة شحادة، وهبة حمدان، وشهد الشمالي، وشهد الرزي، وحنين نزال، لتنتصب أعمالهن جنباً إلى جنب مع المكرّسين من الفنانين الفلسطينيين أمثال محمد سباعنة المُبادر إلى إقامة المعرض، وليلى عبد الرازق وسمير حرب المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية، وحمزة أبو عيّاش، وميشيل جبارين، والشبّان: فؤاد اليماني، وعزيز عزيز، ومعين حماد، وخالد لدادوة، وأحمد أبو الندى، وعمر شلايل.
وحظي المعرض بمشاركة عالمية لفنانين اشتهروا بهذا النوع من الفنون كالأميركي سيث توبوكمان، أحد مؤسسي مجلة الكوميكس "الحرب العالمية الثالثة" ذات الطابع اليساري في الولايات المتحدة عام 1979، ورفيقه رسام الكارتون والكوميكس إيثن هيتنر محرر المجلة، والإيطالي جيانلوكا كوستانتيني رسام الكاريكاتير والكوميكس والناشط السياسي والصحافي الساخر المعروف بمواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية كسابقيه.
وشاركت هبة حمدان، بعمل يقوم على فكرة ربط الفلسطيني بـ"الزومبي" في نظر الأطفال الإسرائيليين وعموم المستوطنين منذ النكبة إلى يومنا هذا، عبر نظارة ابتكروها ليرونا هكذا، وحين ينجح فلسطينيون في كسر واحدة من عدساتها يعمدون إلى تورية المساحة الفارغة بأيديهم، كيف يحافظون على الصورة النمطية التي يريدوننا فيها وحوشاً.
أما كرمل خليل فبنت قصتها على فكرة الذاكرة المتكئة إلى الأخبار التي شكلت لاحقاً مع رواية "عائد إلى حيفا" للروائي الشهيد غسان كنفاني منفذاً ما نحو الوطن الأم، قبل العودة إلى الأخبار بتعدد وسائطها مرّة أخرى، مشيرة لـ"الأيام" إلى أن العمل كما المعرض برمّته كان فرصة للمشاركين فيه لتقديم قصص تمزج الواقع بالخيال حول النكبة بالتزامن مع الذكرى الخامسة والسبعين لها، في حين اعتمد معين حمّاد على تقديم قصة بصرية تخلو من أي كلمات تتحدث عن الانتهاكات التي رافقت فعل النكبة من قبل العصابات الصهيونية.
ولفتت حلا سيف إلى أهمية "الكومكس" لكونه ينقل القصة بطريقة مرئية، مشيرة إلى أن معرض "شارع التحرير– عمارة 48"، كان بمثابة شهادة ميلاد لها، وللكثير من المشاركات والمشاركين في المعرض، والذين اكتشفوا أنفسهم، ووجدوا ضالتهم في هذا النوع من الفنون، وكثير منهم قرروا مواصلة الطريق نحو آفاق أرحب لجهة تعزيز حضور "الكومكس" في فلسطين، وهو من بين الفنون ذات الحضور الكبير بين الشباب الفلسطيني.
وكانت بعض القصص لأصحاب "الكومكس" أنفسهم، لكن ثلاثة كتاب أشرفوا على غالبيتها، وهم: جيهان يحيى أبو لاشين، وزياد خداش، وفارس سباعنة صاحب أكبر عدد من القصص في المعرض.
وقال سباعنة لـ"الأيام": بعض القصص اعتمدت فكرة "القوة الخارقة"، فيما نزحت غالبية القصص الأخرى إلى ماهية الصهيوني، والكيفية التي يتكون فيها فكره، وصولاً إلى ممارسته أعمالاً إجرامية عن وعي وإدراك كاملين، إضافة إلى فكرة "لحظة الصمت"، وهي حالة نعيشها منذ النكبة إلى يومنا هذا، إضافة إلى حكايات النكبة ورموزها، وغير ذلك من الأفكار التي تتأتى بحكم انغماسنا في الحالة الثقافية وقبلها الوطنية، فنحن أبناء النكبة المستمرة.
واستمرار النكبة كان محور عمل حلا سيف، التي قدمت عدّة قصص داخل لوحة "كومكس" واحدة، تكشف الأشكال المختلفة للنكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1948، بدءاً بالتهجير والمجازر، مروراً بالاستيطان، فجدار الفصل العنصري، والمناطق المهددة بالتهجير كما في "الشيخ جراح" و"مسافر يطا"، وغيرها من العناصر التي يمكن التعاطي مع كل واحد منها باعتباره لوحة منفصلة بذاتها، أو النظر إليها بكليّتها البانورامية.
وكان رئيس بلدية رام الله عيسى قسّيس، شدد، خلال افتتاحه المعرض، على أهمية مخاطبة العالم بطرق مبتكرة يقوم من بينها استحضار فن "الكوميكس" عالميّ اللغة، ليصدّر الرواية الفلسطينية لشعب يعاني من الاحتلال منذ خمسة وسبعين عاماً، ما من شأنه نقل "حكايتنا"، وكشف بشاعة الاحتلال إلى الملايين من خلال هذا الفن البصري واسع الانتشار عالمياً.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف