كل واحدة من انفجارات العنف الفلسطينية تميزت بسلاح اساسي استخدمه المهاجمون. نوع السلاح يؤثر على نتائج المعركة ليس فقط من ناحية عدد الضحايا والجرحى بل وايضا من ناحية الرواسب النفسية والمعاني الرمزية التي يخلفها. وسأستخدم نموذجين حتى اصل الى تأثير حرب السكاكين:
في الانتفاضة الاولى رجمنا بالحجارة. لقد غير استخدام السلاح العتيق دفعة واحدة صورة اسرائيل. ومنذئذ لم تعد تشبه صورة الراعي من بيت لحم بل صورة الجبار. وستذكر حملة الجرف الصامد كحرب الصواريخ والانفاق حيث جدد الاعتراض الناجح على الصواريخ ثقتنا بالرأس اليهودي الذي يخترع لنا الابتكارات، ولكن الانفاق – وسيلة بدائية اخرى – أثارت اعصابنا بالفهم المجازي المباشر للغاية: فقد هزت الارض من تحت اقدامنا. لقد ابلغنا الفلسطينيون باننا حتى لو سيطرنا على وجه الارض وفي الاعالي، فليس بوسعنا أن نسيطر على الاعماق المظلمة التي تقضم فيها الافعى، الفأر، القنفد والاشباح.
ويمكن ان نصنف وسائل الهجوم حسب مدى القرب الجسدي الذي بين المهاجمين والمعتدى عليهم. فحملة السكاكين يقلصون المسافة الى مدى الذراع. ولهذا القرب الجسدي الذي بين القاتل وضحيته يوجد معنى نفسي تنطوي عليه الجملة التي خلفها ايهود باراك: "رؤية بياض العينين". فالطاعن يتنازل عن المسافة التي تحميه من الصعوبة النفسية لقتل انسان، ويواجه الاحتمال المعقول بان يُقتل قبل أن يَقتل، او ان يُقتل فور ان يهجم على ضحيته.
هكذا فعل ايهود بن غارا، الذي تسلل الى غرفة راحة الملك عجلون، ملك مؤاب وطعنه بحربة قصيرة. فهل كان اغتيال الملك السمين عملا بطوليا أم فعلا سافلا؟ كل شيء حسب نظرة الناظر، وحقيقة هي ان "ايهود" هو احد الاسماء الشائعة جدا بين اولاد الصهاينة.
الوسيلة الاكثر فتكا، العبوة الناسفة والصاروخ، ليست بالذات الاكثر اخافة – ولعلها ليست الكفيلة بان تكون الاكثر تأثيرا على وعي المعتدى عليهم. وسيلة الكفاح الابسط، الاكثر توفرا، هي التي تثير خوفا اكبر لانها تخفى في جسد القاتل واستخدامها يدل على جسارته ويأسه. فهو يتطلع الى الموت وضد هذه الامنية لن تجدي أي وسيلة ردع. فضارب السكين هو ميت يسير على قدمين، شبح، مخلوق تحرر من غريزة الوجود. احد لم يبعث به ولم يؤهله للمهامة. لا يمكن التوقع كيف سيكون شكله، من اين سيأتي وما هي "قصته". وهو كفيل بان يكون كل واحدة وواحدة، ان يظهر من كل مكان وان يضرب دون تخطيط مسبق. ولما كان هكذا هو الحال، فيمكن احباط مأربه بعد أن يكون حاول اخراجه الى حيز التنفيذ. وعندها رمشة عين فقط تفصل بين عمل المهاجم وعمل المدافع.
حامل السكين ليس ارهابيا حسب التعريفات الدارجة. فالارهاب هو عمل عنيف متطرف يستهدف تحقيق هدف سياسي، هو اسقاط المجموعة التي تكون عرضة للهجوم بوسائل تخرج عن القيود التي فرضتها على نفسها الحضارات السليمة. والارهابي العالم باهدافه سيفضل رموز الحكم (زعيم سياسي او مبنى يمثل قوة الخصم) ولكنه لن يتردد في القتل الجماعي، الفعل الذي يضعف الامن الذاتي للمتدى عليهم ويشوش انظمة حياتهم. المجموعة المعتدى عليها تضطر لان تستثمر جهودا كبيرة في الدفاع عن نفسها من الاغتيالات التي تكلف المهاجرين ثمنا متدنيا.
ولكن حملة السكاكين الفلسطينيين لا يفكرون تفكيرا استراتيجيا. كما أنهم لا يتفكرون بمتاع الجنة التي تعد لهم بعد موتهم. انهم لا يفكرون على الاطلاق. فهم يتحركون بالغضب الفظيع واليأس التام. وهذه دوافع لا يعرف أي خبير عسكري كيف ينتصر عليها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف