- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-12-05
رائف حسين - المانيا
ما زالت المواطنة في شرقنا كلمة سحرية نادرة وما زالت أُمنية يصعب تحقيقها ان لم نقل ان الوصول اليهاضمن هذه الأجواء السياسية وهذه النوعية من النخب السياسية شبه مستحيل. علاقة النخبة السياسية فيالشرق العربي بالمواطن هي علاقة تابع ومتبوع، علاقة فوق وتحت وفي بعض الأماكن يمكننا ان نكونصريحين مع أنفسنا ونتكلم عن علاقة سيد وعبد.
النخبة السياسية لا تتعامل بالند مع المواطن بل تنظر اليه كاداة تستعمله متى شاءت وأن دعت الحاجة تأتي بهلساحة العمل الوطني للوصول الى أهداف تخدم مصلحة النخبة بالدرجة الاولى.
العلاقة في الشرق بين الحاكم والمحكوم هي علاقة فوقية استعلائية بعيدة كل البعد على ان تكون كما هي فيالمجتمعات الديمقراطية العلمانيه المتحضرة. في هذه المجتمعات ترى النخبة السياسية في المواطن الجزءالأهم بالمجتمع لهذا نراها تتسارع وتصرف جهوداً عالية لكسب وده بمشاركته بالقرار والتوجه الوطنيوتتنافس النخب السياسية بينها لكسب رضى المواطن ورضى مؤسساته المدنية لتحصل عل دعم وثقة لهاولبرامجها السياسية والاجتماعية. وتراها تعمل يداً بيد مع قوى المجتمع المدني بما فيها من مصلحة مشتركةوتحاول النخب ان تشارك هذه القوى القرار وتستنجد بها في عدة مجالات وتأخذ برأيها في مفاصل عملمهمه بالحياة السياسية والاجتماعية.
على النقيض من هذا نحن في الشرق. عندنا يركض ويضنى المواطن لكسب ود النخبة السياسية ورضاها.
المواطن في الشرق ينقسم بتعاطيه مع النخبة السياسية واجهزتها الى ثلاث فئات: اما انه يخاف النخبةالسياسة ويتفاداها لكف شرها عنه شخصيا او عن عائلته وعن اعماله، او انه يحتقرها ويحسدها ويعتبرهادخيلة على المجتمع وغير امينه على ثروات ومصالح الوطن والشعب لبعد واقعها عن واقع المجتمع وواقعالمواطن العادي، او انه لا مبالي بالوضع لانه سٓأِمٓ من تقليص الفجوة بينه وبين النخبة السياسية ويعتبرضمنياً ان عالمه وعالم النخبة السياسية يمشيان في مسارات متوازية لا شراكة بينهما.
فلسطين المحتلة في قلب الشرق العربي وهنا لا اقصد فقط سياسياً او جغرافياً بل ايضا واقعياً فعلاقة النخبةالسياسية بالمواطن لا تختلف ابدا عن تلك في بلاد الشرق. لا بل ان هذه العلاقه تأخذ منحى دراماتيكي خاصكون فلسطين محتلة وكون المواطن ينطلق تلقائيا، وهو محق بنظرته، ان النخبة السياسية عليها أولاً انتقود حركته لتحرير الوطن وان تتصرف بطريقة اخرى عن اخوتها في الشرق وترى في المواطنومؤسسات المجتمع المدني السند الأساسي لمعركتها السياسية والعمود الفقري للنضال من اجل احقاقالحقوق الوطنية.
الواقع في الحالة الفلسطينية لا يختلف ابدا عن الحال في عموم الشرق العربي، درجة المُواطٓنة يحددها قربكاو بعدك كمواطن عادي من النخبة الحاكمة او انتمائك للحزب او العائلة المتسلطة.
في فلسطين المحتلة تسود علاقة تنافس مقيته، مضرة وهدامه بين النخبة السياسية ومؤسسات المجتمعالمدني. النخبة السياسية ترى في مؤسسات المجتمع المدني وحراكها الجماهيري خطر دائم على مصالهاوحجر العثرة الأكبر امام تثبيت سلطتها واستمرارها. ومؤسسات المجتمع المدني ترى بالنخبة السياسيةالعائق الأساسي امام أخذ دورها في تطوير المجتمع والمشاركة الحقيقية في رسم برنامج التحرر منالاحتلال وبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية العلمانية. ليس هذا فحسب ففي فلسطين تتعامل النخبة السياسيةمع مؤسسات المجتمع
المدني، ان دعت الحاجة، كاداة لمحاربة الأطراف السياسية الاخرى وذلك عبر خطوات ووسائل عدة.وتصبح النخب السياسية خصوصاً المتسلطة خلاقة في استغلالها واستعمالها لمؤسسات المجتمع المدنيللوصول الى مأربها التسلطي.
في المهاجر وخصوصاً في تلك التي يقطنها عدد كبير من الفلسطينيين كأوروبا تتجلى للداني والقاصيالعلاقة المتأزمة بين القسم الأكبر من النخبة السياسية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطينيالعاملة في الساحة الأوروبية. من عملنا السياسي وانخراطنا بمؤسسات المجتمع المدني على الساحةالأوروبية منذ اكثر من عقدين نستطيع ان نصنف تعامل النخبة السياسية مع مؤسسات المجتمع المدني الىاربع انواع:
· تلك النخب التي ترى في مؤسسات المجتمع المدني، من جمعيات واتحادات جماهيرية وجمعياتصداقة، وسيلة واداة لتثبيت نفوذها السياسي بين ابناء الشعب الفلسطيني في المهجر ورافعة داعمةلزيادة عدد مندوبيها وقوتها في مؤسسات القرار الفلسطيني (م ت ف، السلطة الوطنية الخ) ليسالا. ومتى سنحت الفرصة للحصول على النفوذ والتسلط دون مؤسسات المجتمع المدني يتم التخليعن الاخيرة وهم لا يكتفوا بهذا بل يقوموا محاربتها بشتى الوسائل وان دعت الحاجة أيضاً يعملواعلى شطبها تحت شعارات رخيصة. هذا ما حصل بعد التوقيع على اوسلو، آنذاك صدرتتعليمات ومراسيم من اعلى هرم القيادة الفلسطينية لهدم الاتحادات الجماهيرية التي كانت العمودالفقري للعمل الوطني الفلسطيني في المهاجر. أتى هذا القرار بعد ان تٓيّٓقن أصحابه بان م ت فوضعت في القبو والمجلس الوطني تم تنويمه مغناطيسياً لفترة طويلة بعد إقامة السلطة الفلسطينيةوبهذا لم تعدد حاجة لمؤسسات جماهيرية تقف عقبة امام المشروع السياسي الفلسطيني الجديد ولاحاجة لمندوبيها قي المجلس الوطني.
· القسم الثاني من النخب السياسية يتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني بالند والاحترام. علاقتهمبالمجتمع المدني ومؤسساته علاقة عصرية مبنية على الحداثة والقناعة بالتكامل بين الطرفين لابالتنازع. فهمت هذه الفئة من النخبة السياسية الدياليكتك الصحيح المبني على ان الحيّز الذي تحتلهمؤسسات المجتمع المدني بالعمل الميداني يعود إجمالاً بالخير على الحالة الوطنية والعطاءالسياسي للجميع . هذه الفئة هي التي انقذت الحالة الوطنية الفلسطينية في أوروبا من الانهيارببناءها لاتحادات الجالية بعد ان تم الإجهاض على الاتحادات الشعبية من قبل الفئة الاولى.
· الفئة الثالثة من النخبة السياسية تتخفى من ناحية وراء مؤسسات المجتمع المدني لتغطي علىعملها السياسي ومن ناحية اخرى تقوم وبتسارع ملحوظ ببناء مؤسسات مجتمع مدني موازية لتلكالتي بنتها النخب السياسية الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير وهذا ليس بمحض الصدفة بل لانهاتعمل ضمن برنامج مدروس لتقديم نفسها بديل عن الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.الغريب بالأمر ان النخبة السياسية الوطنية الفلسطينية تتعاطى مع هذه الفئة بهدوء وتغض النظرعمداً عن عملها الانشقاقي.
· الفئة الرابعة ورغم انها كانت من المبادرين الى تأسيس الجاليات الفلسطينية في المدن الأوروبيةبعد الإجهاض على الاتحادات الجماهيرية الفلسطينية من قبل الفئة الاولى كما اسهبنا الا انها بدأتبالتراجع عن موقفها المتقدم منذ سنين وأصبحت الان من اصحاب "اللاموقف" ومن تارة لأخرىتغامز هذه المجموعة الفئات الثلاثة الاخرى من النخب السياسية مما جعلها على هامش العملالجماهيري.
الأحداث الاخيرة على الساحة الأوروبية وتحديداً في المانيا تؤكد صحة ما قرأناها عن واقع العلاقة المتأزمةبين النخبة السياسية الفلسطينية ومؤسسات المجمتع المدني الفلسطيني. منذ انهيار ما سمي زوراً "محادثاتالسلام" بشهادة من ضرب بسيفها وتشبث بها الا ان تمزق الجسم الفلسطيني سياسياً وجغرافياً واجتماعياً.
بدايةً عادت الفئة الاولى من النخبة السياسية الفلسطينية الى محاولات بث الروح من جديد في الاتحاداتالشعبية علماً منها ان الطريق المسدود للسلطة الفلسطينية له مخرج واحد ووحيد وهو اعادة الحياة لمنظمةالتحرير واخراجها من القبو الذي دفنت به منذ سنة ١٩٩٣. وقناعة منهم ان هذه العودة لن تكتمل الا بانعقادللمجلس الوطني وبما ان المجلس يتضمن أيضاً اعضاء عن الاتحادات الجماهرية كونها كانت ممثلة المجتمعالمدني الوحيد قبل بناء مؤسسات الجاليات ومؤسسات حق العودة ومؤسسات المحافظة على الهوية الوطنيةومؤسسات التضامن مع شعبنا الابي في فلسطين المحتلة، كان لا بد من اعادة إحياءها لالقاء عباءة الشرعيةعلى ممثلي هذه الاتحادات الميتة في المجلس الوطني الفلسطيني. هذه الخطوة أتت بعد محاولات دؤوبة فيالعقدين الماضيين للإجهاض على مؤسسات الجالية الفلسطينية بمحاربتها او بمحاولات فاشلة لبناء اطرجالوية موازية تابعة للفئة الاولى من النخبة السياسية. تجاوب الفئتين الثانية والرابعة مع هذه محاولة اعادةبث الروح بجثث الاتحادات الجماهيرية هو برهان قاطع على عمق الشرخ القائم بين عموم النخبة السياسيةالفلسطينية وعموم مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في الشتات. الخطوة الصحيحة كانت يجب ان تكونببناء مؤسسات مختصة للمهندسين والأطباء والمرأه والطلاب الخ من داخل مؤسسة الجالية لتقويتها ولتقويمالخطأ الذي حصل عندما اخطأت بعض هذه النخب بقراءة الواقع الجديد لفلسطيني الشتات. احياء مؤسساتهلامية كالاتحادات الجماهيرية ببنيتها البالية هو عودة الى الوراء وبرهان اخر على الأزمة التطوريةالحقيقية التي لحقت بالعمل السياسي الفلسطيني منذ التوقيع على اتفاقيات اوسلو الاستسلامية. نتائج الانتخابالمفبركة لهذه الاتحادات والإقبال المتدني لابناء الجالية في الانخراط في صفوفها هو برهان اخر على بعدمساري الحركة الوطنية السياسي والاجتماعي عن بعضهم البعض.
الواقعة الثانية التي تظهر مدى فقدان بعض الفئات السياسية الفلسطينية في الشتات لبوصلة عملها كانبمقاطعة الفئة الاولى والثالثة والرابعة للفعالية الوطنية الكبرى في برلين قبل أسبوع والتي اطلق عليها اسم "مؤتمر الشتات الفلسطيني الاول". في مقال سابق كنت قد صٓلٓتُ الضوء على هذه المقاطعة ومفارقاتها ولناعيد سرده الان، لكن النجاح الكبير للمؤتمر رغم محاولات التخريب والشتم الفاشلة التي قام به البعضوبواسائل دخيلة على العمل الوطني كانتحال اسماء وأرقام هواتف مستعارة لارسال رسائل بذيئة للجميع لدقاسفين النزاع بين القائمين على الفعالية ومحاولة البعض من المشاركين بالفعالية باقصاء اسم منظمة التحريرمن ألبيان الختامي للفعالية رداً على محاولات التخريب والمقاطعة من قبل بعض فصائل المنظمة والتي تمالتصدي لها بنجاح من قبل من شارك وحرص على وحدانية التمثيل لمنظمة التحرير لعموم الشعبالفلسطيني تأكد المأزق الذي تعيشه الحالة الفلسطينية.
لقد حان الوقت للجلوس على الطاولة المستديرة لتداعي التسلط والعبث بالقضية الفلسطينية وبالعمل الوطنيالفلسطيني في الشتات. العمل الوطني ليس حكراً على فئة او على جهة معينة. وحدة الصف على الثوابتالفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير هو صمام الأمان الوحيد للكل الفلسطيني. قوتنا بوحدتنا الوطنيةالحقيقية المبنية على الاحترام المتبادل والعمل المشترك بين مؤسسات المجتمع المدني والنخب السياسيةوضعفنا وضعف عطائنا لدعم انتفاضة شعبنا الباسل له رافعة واحدة وحيدة ... وحدة الصف والضرب بسيفالشعب الصامد وانتفاضته الباسله.