- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-12-07
الصراع بين الكتل البرلمانية المختلفة يرجّح أن يكون صراعاً على مدى القرب والولاء من الرئيس والنظام، وليس حول البرامج والرؤى المتصلة بمشاكل وهموم الشعب المصري
من دون حوادث أمنية تذكر، نجحت السلطات المصرية في تمرير الاستحقاق الانتخابي، وهو الأخير في «خريطة الطريق» التي أعلنت عقب عزل الرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي، إلا أنّ الانتخابات لم تأت كما كانت تأمل بعض الأوساط السياسية، لجهة أن لا تكون استنساخاً للتجارب البرلمانية السابقة لـ «ثورة 25 يناير»، التي طغت عليها المصالح الفردية أو الفئوية الضيقة ومحاباة السلطة والرئاسة، خاصة وأن الدستور يمنح صلاحيات كبيرة للمجلس تتجاوز في بعض نواحيها رئاسة الجمهورية والحكومة.
وفي الواقع، فقد أظهرت نتائج الانتخابات التي أعلنت وصول عدد كبير من خصوم ثورة يناير إلى البرلمان الجديد، سواء من أعضاء في الحزب «الوطني» المنحل الحاكم سابقاً، أم من رجال أعمال وشخصيات غير حزبية معادية للثورة، في حين قاطعت غالبية القوى المحسوبة على الثورة الانتخابات النيابية، احتجاجاً على قوانين تنظيمها. ورأى متابعون أن مجلس النواب سيكون مجلس بلا معارضة حقيقية، وأن الصراع بين الكتل السياسية المختلفة فيه سيكون على الأرجح صراعاً على مدى القرب والولاء من الرئيس والنظام، وليس حول البرامج والرؤى المتصلة بمشاكل وهموم الشعب المصري.
وفي هذا السياق، برز فوز تحالف «في حب مصر»، الذي يضم شخصيات محسوبة على نظام مبارك، ومسؤولون عسكريون وأمنيون سابقون محسوبون على الرئيس عبدالفتاح السيسي، بالمقاعد الـ 120 المُخصصة لنظام القوائم، لتصبح أكبر كتلة داخل البرلمان بسيطرتها على نحو 20 % من مقاعده.
الإقبال الضعيف
وقد رسخت المرحلة الثانية والأخيرة من الانتخابات النيابية المصرية، عزوف الناخبين عن المشاركة في العملية السياسية، وخاصة وسط الجيل الشاب. وعلى رغم الزيادة المحدودة للمشاركة في الجولة الأولى من هذه المرحلة (قرابة 30%)، إلا أن هذه المشاركة بقيت ضعيفة عموماً، وظلت تقلّ كثيراً عن غالبية الاستحقاقات الانتخابية التي أجريت منذ الثورة.
وعزا محللون ضعف المشاركة إلى أسباب عديدة جاء في مقدّمها؛ تنامي حال الإحباط في الشارع المصري جراء تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي، وعجز النظام عن الإيفاء بتعهداته على جميع المستويات. يضاف إلى ذلك، ضعف الأحزاب والقوى السياسية، وعجزها عن التقارب مع الشارع المصري وملامسة همومه وتطلعاته، بما في ذلك عجزها عن بلورة معارضة حقيقية تفرض نفسها على الساحة السياسية، وهو ما دفع المواطن إلى حالة من اللامبالاة في ظل شعوره بأن البرلمان المقبل لن يكون له تأثير على سياسات الدولة في المرحلة المقبلة.
يجدر بالذكر أن أغلب الأحزاب والقوى السياسية في مصر التي شاركت في العملية الانتخابية تدين بالولاء للرئيس عبدالفتاح السيسي. أما تيار «الإسلام السياسي» الذي لطالما كان قادراً على استقطاب الناخبين، فيعيش اليوم وضعية صعبة جداً بعد تجربة حكم جماعة الإخوان، فضلاً عن التراجع الكبير في شعبيته، وهو ما عكسته النتائج المخيبة التي حصل عليها حزب النور السلفي. كما أن الحركات الشبابية العلمانية واليسارية، والتي كانت عنصراً فاعلاً ورئيسياً في انتفاضتي «25 يناير» و «30 يونيو»، فقد اختارت الانسحاب من المشهد القائم، أو أبعدت عنه بإجراءات متعمّدة بما فيها الزجّ بعدد من الناشطين في السجون.
ورأى المحللون أن أول خطوة على الدولة المصرية القيام بها هي الإفراج عن الناشطين من الشباب الذي اعتقلوا لسبب أو لآخر، وخاصة بسبب قانون التظاهر المثير للجدل. إضافة إلى صياغة سياسات اقتصادية تكفل للشاب المصري حقه في العمل، حيث أن مؤشرات البطالة في مصر تتزايد باطراد، الأمر الذي يعمّق من شعور الإحباط لدى هذه الشريحة الواسعة من المجتمع المصري.
مجلس الأغنياء
وفي وقت كان ملحوظاً فيه انفاق المال السياسي في هذه الانتخابات، على غرار الانتخابات التي كانت تتمّ في عهد حسني مبارك، خلص كثير من المحللين إلى الاستنتاج بأن المجلس العتيد لا يعبر إطلاقاً عن إرادة الشعب، وبأنه «مجلس الأغنياء» الذين استخدموا المال السياسي على أوسع نطاق، سواء أكانوا من الفلول، أو ممن استجدوا حديثاً، وليس «مجلس الفقراء» ومحدودي الدخل الذين تقارب نسبتهم 98٪ من الشعب المصري.
ومن الأحزاب التي حققت مكاسب كبيرة في الانتخابات، كان هناك حزب «المصريين الأحرار»، الذي يتولى الإنفاق عليه رجل الأعمال نجيب ساويرس، وحزب «مستقبل وطن» الذي ينفق عليه كلٌ من رجلي الأعمال أحمد أبوهشيمه وفرج عامر، وكلا الحزبين أنفقا ميزانيات ضخمة مكنتهما من الوصول بدعاياتهما الضخمة للناخب الذي أعطاهما صوته. وقد مثل حزب مستقبل وطن «الحصان الأسود» في هذه الانتخابات، بالنظر إلى نتائجه التي تفوقت على حزب عريق هو «الوفد».
وعلى العموم، فقد حظيت الأحزاب الجديدة، التي نشأت بعد ثورتي يناير ويونيو، بالغالبية العظمى من المترشحين عن المقاعد الفردية، كما احتلت المراتب الأولى في عدد المقاعد التي نالتها، ما خلا حزب «الوفد الجديد» الذي جاء كاستثناء وحيد من بين أحزاب ما قبل ثورة يناير.
وتشير الإحصاءات كذلك إلى أن حزب المصريين الأحرار كان أكثر وجوداً وتأثيراً في المحافظات والمناطق الحضرية وطبقاتها الوسطى منه في المحافظات الأخرى، على عكس حزبي الوفد ومستقبل وطن اللذين تركّز مرشحيهما في المحافظات ذات الطابع الريفي، مثل الشرقية والغربية والقليوبية.
هزيمة الإسلام السياسي
وبدا تيار الإسلام السياسي كالخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، بعد أن لقي حزب «النور» السلفي، الممثل الوحيد له في هذه الانتخابات، هزيمة ساحقة بعدما اشتدّت مواجهة التيارات المدنية له وكثرت الاتهامات بأنه «حصان طروادة» للإخوان تارة، ولـ«تنظيم الدولة» تارة أخرى، وهو ما نفاه الحزب بشدة.
ولم يحصل الحزب السلفي سوى على 8 مقاعد في المرحلة الأولى، ونافس بمثلها في جولة الإعادة من المرحلة الثانية، وهو ما أفسح في المجال لشماتة بعض أنصار الإخوان، ونشوب تجاذبات ومشاحنات داخل هذا الحزب.