بدا المشهد العام داخل مخيم جنين، أمس، أشبه ما يكون بـ"الزلزال المدمر" الذي ضرب المخيم، بعد ساعات على انسحاب قوات وآليات الاحتلال من داخل المخيم، بعد هجوم بري وجوي شنّه جيش الاحتلال واستمر نحو 48 ساعة متواصلة، دمر خلالها البنية التحتية، وقطع خدمات الكهرباء ومياه الشرب والاتصالات عن المخيم والأحياء المجاورة.
وبصعوبة بالغة، كان الأهالي وطواقم الإنقاذ والإغاثة يسيرون مشياً على الأقدام على جنبات الشوارع التي دمرتها جرافات الـ "D9" بالكامل، وأمامهم عشرات المركبات المدمرة والتي تحولت إلى أكوام من الحديد، وبيوت حرقت بفعل استهدافها بصواريخ الطائرات المسيّرة وقذائف الـ"إنيرجا"، والصواريخ المضادة للدروع والأفراد.
المشهد كان صادماً بالنسبة لكل من زار المخيم بعد الانسحاب الإسرائيلي، ولكنه كان متوقعاً بالنسبة لأهالي المخيم، رغم أنه كان أشبه ما يكون بالزلزال الذي ضرب هذه البقعة الجغرافية ودمر الكثير من منازلها وقلب أحياءً رأساً على عقب، ولسان حالهم يقول: "لم ولن ننكسر، طالما نجا أبناؤنا من الموت، وإعادة البناء ليست بالأمر الصعب، وإنما أسهل ما يكون".
وقبل إعلان الاحتلال انتهاء عدوانه، بدأ الآلاف من أهالي المخيم والمدينة والقرى المجاورة بالتوافد إلى المخيم الذي كان يغرق في ظلام دامس؛ بعد إقدام جيش الاحتلال على تدمير شبكة الكهرباء فيه بشكل كامل، وهم يستعينون بمصابيح يدوية وإضاءات أجهزتهم المحمولة، وعاد النازحون إلى بيوتهم التي أصاب الدمار معظمها.
واستخدم جيش الاحتلال في عدوانه على المخيم طائرات مسيّرة، ومروحيات قتالية، بدأت العدوان بقصف عدة مواقع بالصواريخ، فجر الإثنين الماضي، قبل أن تبدأ قوات ضخمة معززة بأكثر من 300 آلية عسكرية، وعدة جرافات ضخمة من نوع "D9"، وأكثر من ألفَي جندي، بمحاولة اقتحام المخيم بعد محاصرته، وسط اشتباكات مسلحة ضارية، في هجوم أسفر عنه ارتقاء 12 شهيداً، وإصابة نحو 120 آخرين وصفت إصابات نحو 30 منهم بأنها بالغة الخطورة.
"دمروا كل شيء، ولكن الحمد لله على سلامة أولادنا.. بالمال ولا بالعيال".. بهذه الكلمات قالت أم أحمد من مخيم جنين وهي تجلس عند مدخل بيتها الذي أصابه دمار كبير؛ جراء تعرضه للقصف من قبل قوات الاحتلال في شارع "السكة" على مدخل المخيم الشمالي الغربي.
وأضافت أم أحمد: "دخل الجيش منازلنا ليلاً، وأجبرنا على الرحيل بالقوة، وعندما عدنا فجراً، وجدنا أنفسنا كأننا في مكان غير مكاننا الذي تركناه وأصيب بدمار كبير".
وتابعت وهي تنظر بكثير من الحزن إلى منزلها المدمر بعد أن أجبرت على النزوح منه، شأنها في ذلك شأن نحو أربعة آلاف نسمة أجبرهم الاحتلال على الخروج من مساكنهم: "يبدو الأمر كأن زلزالاً ضرب المخيم، فلا شيء كما كان بالأمس، ولكن الحمد لله على كل شيء، والمال يُعوّض.. المهم سلامة أولادنا".
وقال المواطن أحمد الغول (29 عاماً): إن جيش الاحتلال قصف منزله في المخيم بالصواريخ، ويحاول مع جيرانه ترميم ما يمكن ترميمه حتى يتمكن من المبيت فيه من جديد، بعد تدمير جدران الطابق الأرضي، فيما أحرق المنزل المكون من ثلاثة طوابق بشكل كامل.
وأضاف الغول: "لا شك أن الجيش الإسرائيلي هزم ولم يحقق أي مكاسب، وخرج مهزوماً مقهوراً من المخيم".
وفي منطقة الساحة وسط المخيم، راح المواطن جميل طالب (42 عاماً) يتفقد الدمار الكبير الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي.
وقال طالب: إن جيش الاحتلال دمر مركبته الشخصية، واقتحم منزله وحوّله إلى ثكنة عسكرية، وعاش مع عائلته وأطفاله ساعات من الرعب، مؤكداً أن حجم الدمار الذي حلّ بمنزله لا يوصف.
وكان حي الدمج، في الجهة الجنوبية من المخيم، محوراً لأعنف اشتباكات مسلحة خاضها المقاومون مع جيش الاحتلال، وقصف خلالها الاحتلال مسجد "الأنصاري"، وذلك بذريعة تحصن أكثر من عشرة مقاومين بداخله، والعثور على نفق ومصنع لتصنيع العبوات الناسفة فيه.
وقال الدكتور جمال حويل القيادي في حركة "فتح": "عندما بدأ جيش الاحتلال هجومه العنيف على المخيم، أعلن عزمه القضاء على مئات المقاومين، لكنه فشل، ولم يعتقل أيّاً منهم"، مشيراً إلى وجود ثلاثة مقاومين من بين 12 شهيداً ارتقوا برصاص الاحتلال خلال الهجوم.
وأكد حويل أن فصائل المقاومة في مخيم جنين مجتمعة قاومت العدوان الإسرائيلي وفق خطة مدروسة شاركت فيها كافة فصائل المقاومة موحدة، والتي أوقعت خسائر بشرية ومادية كبيرة بجيش الاحتلال، وأوقعته لعدة مرات في كمائن محكمة.
وتابع: "صحيح فجّر الاحتلال منازل ومقرات ومعامل ودمر البنية التحية، لكن المقاومين وبنادقهم بخير ولم يمسها أيّ سوء".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف