لن يحقق الشهيد الطالب مجدي عرعراوي (17 عاما) من مخيم جنين، حلمه بدراسة تخصص هندسة السيارات الكهربائية في إحدى جامعات الوطن، بعد استشهاده في اليوم الثاني من الهجوم الجوي والبري الذي شنه جيش الاحتلال على المخيم، فجر الاثنين الماضي، فأصابته عدة رصاصات أطلقها جندي "قناص" في مقتل لتغتال حلمه في أن يكون عونا لعائلته ووالدته بعد وفاة والده قبل نحو ست سنوات.
وعلى بوابة منزله في حي "الدمج" والذي شهد أعنف الاشتباكات وتعرض للقصف لعدة مرات من قبل طائرات الاحتلال، وضعت عائلة الشهيد عرعراوي صورة مكبرة له، بعد أن حول الاحتلال فرحتها المرتقبة بنجاحه بتفوق في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة إلى ميتم.
وخرج الشهيد الفتى من منزل عائلته في ظل اشتداد الاشتباكات المسلحة والقصف الذي كان يستهدف مسجد "الأنصار" وعددا من منازل الحي، فكان مع عدد من الشبان هدفا لرصاص جندي "قناص" من جنود الاحتلال كان يتخذ لنفسه موقعا داخل إحدى البنايات المطلة على الحي، ويطلق الرصاص على كل جسم متحرك، لينشر رائحة الموت في كل مكان.
في تلك اللحظات، يروي شهود عيان، أن الشهيد عرعراوي ومن معه من جيله، استشعروا الخطر القادم، فحاولوا البحث عن ملاذ آمن في إحدى الزوايا البعيدة عله يحميهم من رصاص "القناصة".
وما أن تحرك الشهيد برفقة عدد من أقرانه قليلا، حتى أصابت رصاصة أطلقها "القناص" زميلهم الشهيد علي الغول (17 عاما)، فحاول مجدي سحبه وتقديم الإسعافات الأولية له، ولكن "القناص" لم يتردد في إطلاق ثلاث رصاصات إضافية اخترقت إحداها صدر الشهيد أمجد وأخرى رقبته وثالثة فخذه، فسقط إلى جانب زميله، حيث تشكلت تحت إحدى المركبات في المكان بركة من الدماء.
وأمام إقدام قوات الاحتلال على منع طواقم الإسعاف من الوصول إلى الشهيدين، لم يتردد الشاب كمال عرعراوي، ابن عم الشهيد مجدي، في الاندفاع من وراء المركبات لمحاولة إسعاف ابن عمه المصاب، فخلع قميصه ورمى طرفه قرب ابن عمه الذي كان ينزف في بركة من الدم على الأرض، وهو يطلب منه أن يمسك بالطرف حتى يستطيع سحبه.
لكن بمجرد أن ظهر رأس كمال من وراء المركبة، حتى تعرض لإصابة برصاصة أطلقها "قناص" اخترقت عينه، وبقي ينزف بضع دقائق قبل أن يتمكن طاقم الإسعاف من الوصول إلى الثلاثة ونقلهم إلى المستشفى، بعد أن ارتقى مجدي وعلي شهيدين جراء إصابتيهما البالغة، في حين وصفت إصابة كمال بأنها خطيرة للغاية ما اضطر الأطباء إلى تحويله إلى مستشفى "رفيديا" الحكومي في مدينة نابلس.
وروت والدة الشهيد عرعراوي، أن نجلها تلقى اتصالا هاتفيا من أحد أصدقائه فغادر بيته على الفور، وحاولت اللحاق به لمعرفة وجهته لكنها لم تدركه، وبقيت تنتظره أمام باب البيت، قبل أن تعرض عليها كنتها صورة لنجلها انتشرت على تطبيق "تيليغرام" بعد دقائق من مغادرته منزله وهو ملقى على الأرض يغرق بدمائه بجانب صديقه الشهيد علي الغول.
ورغم النيران الكثيفة والقصف الجوي، خرجت الأم إلى ذات المكان الذي شهد جريمة إعدام نجلها بدم بارد، لكنها وجدت الإسعاف قد سبقها إليه ونقله إلى المستشفى الحكومي الذي منعها جيش الاحتلال من التوجه إليه، ولكنها ركبت بسيارة الإسعاف بعد إصابة أحد الشبان بالرصاص، وهي ترفع كفيها إلى السماء وتدعو بالسلامة لنجلها الذي كان يستعد لإدخال الفرحة إلى قلب عائلته بعد نحو ست سنوات من الحزن جراء وفاة والده بمرض السرطان.
وكانت الأم وأفراد عائلتها، ينتظرون بفارغ الصبر موعد إعلان نتيجة الثانوية العامة، فأرجأت سفرا كانت تخطط لها لشقيقتها في الأردن كان أمجد ينوي مرافقتها فيها، بعدما علمت العائلة أن النتائج ستعلن في العشرين من الشهر الجاري أو بعده بقليل، فقال أمجد، "خليني أفرح مع أصحابي وبعدين نطلع".
"ربنا أكرمه بالشهادة.. وإن شاء الله يكون في الفردوس الأعلى".. بهذه الكلمات راحت والدة الشهيد عرعراوي تدعو لنجلها الشهيد الذي رحل باكرا.
وأضافت الأم، إن أمجد انتهى من تقديم امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، بعد عام من الدراسة والمذاكرة المكثفة وأيام وليال طويلة من السهر والتعب، عله يحقق حلمه المنشود في دراسة الهندسة.
وكان الشهيد يعد والدته باستمرار أن يجلب إلى البيت فرحة النجاح والتفوق، وطي صفحة من الحزن استمرت لعدة سنوات جراء وفاة والده بسبب مرض السرطان.
إلا أن الأم لم تكن تعلم أن رصاصات الاحتلال ستكون لنجلها بالمرصاد وتنهي حياته وتحول دون أن يعيش فرحة نجاحه بـ"التوجيهي".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف