هآرتس


ما الذي بقي هنا من كلمات مثل تضامن، مؤازرة أو احتجاج؟ ومن بقي هنا ليُعبر عنها؟ وما الذي قد يبقى من هذه الكلمات اذا تم الحكم على عضوة في البرلمان الفلسطيني من قبل المحكمة العسكرية الاسرائيلية بالسجن الفعلي بسبب نشاطها السياسي – والمجتمع الاسرائيلي اليهودي يراقب بلامبالاة. أنا أشك أنه سمع عن ذلك. فلا أحد يصرخ، لا رجل ولا امرأة ولا صدّيق في سدوم.


الابعاد والاعتقال والمحاكمة واصدار الحكم لخالدة جرار هي بشاعة الاحتلال، هناك بشاعة أكبر، لكن هذا الموضوع كان يجب أن يثير الضجة في اسرائيل، على الأقل مثلما حدثت ضجة في العالم بسبب طابعه: شخصية منتخبة تناضل من اجل حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية، مؤيدة لحقوق المرأة وتعارض الاحتلال بالطبع، وحُكم عليها بالسجن فقط بسبب نشاطها السياسي. كان يجب أن يوقظ هذا الامر أحدا ما أو شيئا ما. لكننا نتزعزع فقط من اعتقال اونغ سان سو في بورما، حيث يوجد هناك نظام قمعي عسكري.


تاريخ البشاعة باختصار: أمر ابعاد من المدينة التي تسكن فيها؛ اعتقال اداري؛ لائحة اتهام مفبركة وُجدت كرد على الانتقادات الدولية بسبب اعتقالها، وفيها اتهامات مضحكة، حتى النيابة العسكرية لم تتجرأ على تقديمها في أي وقت من الاوقات، تهديدات النيابة للمحكمة، انها اذا تجرأت وأطلقت سراحها فسوف تُعتقل بدون محاكمة، وحكم 15 شهرا بالسجن الفعلي. شخصيات الاحتلال مُقنعين بأقنعة المُدعين والقضاة العسكريين، قاموا بأداء دورهم باخلاص. هذا بالضبط ما هو مطلوب من موظفين مطيعين وهم يلبسون الزي العسكري وبعضهم يضع القبعة.


المهمة نُفذت وتم تحييد جرار، وستبقى في السجن مدة سبعة أشهر اخرى على الأقل. زوجها غسان، صانع صغير للالعاب، اعتقل 14 مرة، والمكان الأبعد الذي سمحت له اسرائيل بالوصول اليه خلال 55 سنة من حياته هو سجن كتسيعوت في النقب. إبنتيهما يافا وسهى تدرسان لشهادة الدكتوراة في كندا وهما تستمران في ذرف الدموع مثلما فعلتا اثناء جلسات المحكمة.


لم يحاول أحد وقف هذه المهزلة باستثناء القاضي حاييم بليلتي، الذي أمر باطلاق سراح جرار. لكن تهديدات المدعي العام العسكري، موريس هيرش، بأن جرار ستُعتقل في جميع الاحوال، بغض النظر عن قرار المحكمة، ردعت القاضي رونين عتسمون في محكمة الاستئنافات، وهو ايضا نفذ المطلوب منه.


هكذا تحاول اسرائيل أن تعلم من هم تحت الاحتلال. الدرس الوحيد الذي تريد تعليمهم إياه هو أنه محظور عليكم مقاومة الاحتلال بأي طريقة وبأي شكل، لا بالعنف ولا بالسياسة، لا بالبنادق ولا بالكلام. فقط طأطئوا رؤوسكم وأطيعوا، ارفعوا أيديكم واستسلموا، واذا لم تفعلوا ذلك فستتم معاقبتكم. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي من الحركات المتطورة واللافتة، ولها ايضا ذراع عسكري. ولم تكن لجرار أي صلة بها. والجبهة هي حركة غير قانونية في نظر نظام القمع التسلط الاسرائيلي. زيارة جرار لمعرض الكتاب الفلسطيني هي مخالفة يجب أن تُعاقب عليها.


عضوة برلمان مُبعدة، مُعتقلة وتتم محاكمتها بدون سبب – واسرائيل تصمت، والمشرعون يصمتون. اعضاء الكنيست وعضوات الكنيست الذين يتحدثون عن سمو "الديمقراطية اليهودية"، باستثناء عايدة توما التي زارت جرار في السجن، لا يوجد أي شكل من الاحتجاج والتضامن، أين اعضاء الكنيست ولا سيما النساء منهم؟ ميراف ميخائيلي، ستاف شبير؟ ميرتس؟ صمت الخراف. وبالذات الاناث منها، المنظمات النسائية المناصرة للمرأة صامتة، ويصمت المختصون بالشؤون القانونية، وايضا وسائل الاعلام التي لم تكلف نفسها عناء تغطية الامر باستثناء "هآرتس". لماذا، ما الذي حدث؟ "مخربة" حُكمت بالسجن، ماذا اذن؟


لكن القصة كبيرة ويجب أن تقلق الكثير من الاسرائيليين، ايضا اولئك الذين لا صلة بينهم وبين مصير الفلسطينيين: الأمر لن يتوقف عند جرار. هذا لن يتوقف أبدا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف