- تصنيف المقال : اراء حرة
- تاريخ المقال : 2015-12-12
وضعت الهبة الشعبية القيادة الفلسطينية أمام أربعة خيارات. فأين سيرسو قرارها وقد بات كل شيء مدمراً في الحالة الفلسطينية؟!
■ في آذار (مارس) 2005، توافقت الفصائل الفلسطينية، في مؤتمر القاهرة، على وقف لإطلاق النار، ووقف العمليات المسلحة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، في الضفة الفلسطينية وفي قطاع غزة.
الاتفاق، جاء في بيان صدر بعد يومين حافلين بالنقاشات والحوار الجاد، شاركت فيه، إلى جانب الفصائل، القاهرة، والتي لعبت دوراً مهماً في بلورة النتائج التي توصل لها الفلسطينيون. يومها، كان محمود عباس قد انتخب حديثاً رئيساً للسلطة خلفاً للراحل ياسر عرفات، وأعلن عباس يومها أنه ورث عن عرفات كل شيء مدمراً. وأن الحاجة الوطنية تتطلب وقف الانتفاضة، ووقف المقاومة المسلحة والاستدارة نحو إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، عبر سن قانون جديد للانتخابات، وإعادة انتخاب مجلس تشريعي جديد، وتجديد المجلس الوطني بالانتخابات في الداخل والخارج وفق التمثيل النسبي الكامل، وكذلك انتخاب مجالس بلدية ومحلية، تعنى بالقضايا اليومية للناس وتعزز صمودهم في وجه الاحتلال والاستيطان. كما جرى التوافق على ضرورة تبني برنامج سياسي وطني موحَّد وموحِّد، يقوم على التمسك بالحقوق الوطنية المشروعة في الاستقلال والسيادة والعودة، كما نص الاتفاق على ضرورة وقف الاستيطان باعتباره عاملاً من عوامل إعادة تفجير الأوضاع مع الاحتلال.
في آذار (مارس) 2005 كانت الحالة الفلسطينية تعيش نهاية مرحلة من مراحل الانتفاضة الثانية، توصل فيها شارون وحكومته إلى ضرورة إعادة انتشار جيشه في قطاع غزة، وإخلاء القطاع من المستوطنين. وبغض النظر عن نوايا شارون من هذه الخطوة، إلا أنها اعتبرت مكسباً من مكاسب المقاومة والصمود، كما اعتبر إخلاء القطاع من المستوطنين، سابقة، يمكن تكرارها في الضفة، بالمزيد من الصمود والثبات، والتمسك بالحقوق الوطنية بالمزيد من التوافق الوطني ورص الصفوف، وحل الخلافات بالحوار.
رزمة كبيرة من الأهداف/البدائل، شكلت سبباً وجيهاً، في ظروف ذلك الوقت، لوقف العمليات القتالية ضد الاحتلال، لفترة تمتد حتى نهاية العام، تكون كافية لتحقيق ما اتفق عليه، بما في ذلك إعادة بناء المؤسسة المدمرة.
* * *
في إطار المقارنة، ولو افترضنا أن الرئيس عباس أراد أن يقدم للحالة الشعبية وللفصائل الفلسطينية رزمة مشابهة، تشكل سبباً وجيهاً ومقنعاً، إلى حد ما، لوقف الهبة الشعبية، فماذا بإمكانه أن يقدم؟
• وقف الاستيطان، تبين أنه لم يعد عنصراً في معادلة استئناف المفاوضات، فلا إسرائيل ترضح لهذا الشرط، ولا الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً كافية لإرغامها على الالتزام به، ولا قوة الضغط الفلسطيني، في ظل الحالة المتردية، تستطيع فعل ذلك.
• أما المفاوضات، والتي جرب الرئيس عباس دروبها، منذ العام 2005 (وما قبله) فإنها تنتج شيئاً، بل وصلت إلى الطريق المسدود، وكلما دخل المفاوض الفلسطيني جولة كلما هبط سقف العملية التفاوضية، حتى وصل إلى معادلة نتنياهو الأخيرة «المفاوضات بدون شروط مسبقة». أما الجانب الأميركي فقد رفع بديه الفارغتين، مستسلماً لعناد نتنياهو، مؤكداّ أنه لا يملك أية مبادرة، أو أية أفكار لاستئناف المفاوضات، حتى نهاية العام القادم، أي نهاية ولاية أوباما.
• على الصعيد الوطني، يبدو أن الأمور وصلت مع الرئيس عباس، إلى المستوى الذي كان قد وصف فيه الوضع الموروث من عرفات: «كل شيء مدمراً».
* فالانقسام أطاح بوحدة الحالة الفلسطينية وحول مناطق السلطة إلى إقليمين، وسلطتها إلى سلطتين، تتنازعان النفوذ وتتصارعان خارج ميدان المصالح الوطنية، وتتنافسان على المصالح الفئوية، والمكاسب الحزبية الضيقة، في ظل حالة سياسية تفترض العكس تماماً.
* والمجلس التشريعي مشلول، وعاجز عن العمل. فلا صيغة الاجتماعات المفبركة لجماعة حماس في القطاع شكلت بديلاً، بل عمقت الشلل، ولا صيغة «اجتماعات الكتل البرلمانية» في رام الله شكلت هي الأخرى بديلاً. لذلك انقضى عمر المجلس التشريعي، واعتبر مجلساً ممدداً له بقوة القانون، حتى بدون أن يجتمع ليصدر قانوناً بذلك. ولا ندري، في ظل الحالة الراهنة، متى سوف يعاد انتخاب مجلس تشريعي جديد.
* والأمر نفسه يقال عن المجلس الوطني، الذي تضخم عدده، بطريقة عشوائية، ومازال معطلاً، لا يستطيع أن يلتئم، لا في الداخل ولا في الخارج، وأصبح مؤسسة مشلولة كباقي المؤسسات التشريعية في م.ت.ف. أما المجلس المركزي، وإن كان يعقد اجتماعات موسمية، ولا يلتزم نظام الاجتماعات الدورية، فإن قراراته تبقى معلقة حبراً على ورق، منها، على سبيل المثال، قرارات دورته الأخيرة في آذار (مارس) من هذا العام.
* رئيس السلطة نفسه انتهت ولايته، ومازال، بقوة القرار العربي (!) وبتفسير للقوانين الفلسطينية لا يزال موضع اختلاف، يمارس صلاحيته كرئيس ممدد له، لأن المؤسسة عاجزة عن الدعوة لانتخاب رئيس جديد. وهو ما يضعف موقع الرئاسة، خاصة في ظل احتدام الأزمات السياسية الداخلية حين يلجأ خصوم الرئيس عباس، كحماس مثلاً، إلى التشكيك في شرعيته، بعد أن انتهت ولايته القانونية كرئيس منتخب.
* والحكومة، لا يبدو أن وضعها أفضل من سواها، فهي عاجزة عن ممارسة صلاحيتها في القطاع، في ظل الانقسام، والأزمة الاقتصادية في ذروتها، وهي تقف من الهبة الشعبية موقف المتفرج، وكأن الأمر لا يعنيها، أما قضايا القطاع، خاصة إعادة الأعمار، وفك الحصار، وغيرها، فتبدو أنها باتت أكبر بكثير من أن تعالجها حكومة عاجزة كحكومة السلطة الحالية.
• وحدها اللجنة التنفيذية مازالت تتنفس، في غرفة الأوكسجين، وقد تحولت إلى هيئة استشارية، لا يؤخذ حتى برأيها الاستشاري، تجتمع حين الطلب، وتغيّب حين تدعو مصالح القيادة الرسمية. تتخذ قرارات، ولا يؤخذ بها، كقرارها مطلع شهر 11/2015، في وقف التنسيق الأمني، الذي مازال يعيش في حالة هناء وسرور، وكأن لا هبة ولا شهداء في الضفة والقدس، وكأن لا عربدة على يد المستوطنين وجلادي الاحتلال.
* * *
ماذا بإمكان الرئيس عباس أن يقدم إذن؟
• بإمكانه أن يتعايش مع الواقع، وأن يعيش سياسة انتظارية، حتى يرحل الرئيس الأميركي الحالي، ويأتي رئيس جديد، لن يلتفت إلى القضية الفلسطينية، إلا بعد أن يرتب صفوف إدارته الجديدة ويرتب أولويات اهتماماتها.
هذا تبسيط للأمر، لأن الحركة السياسية لن تعرف الجمود، وما من ضمان أن يستمر الانتظار، دون مفاجآت إلى أن يتفرغ الأميركيون للاهتمام بالقضية الفلسطينية.
• بإمكانه أن يخضع للضغوط، وأن يقمع الهبة الشعبية، مقابل وعود هزيلة يلوح بها نتنياهو. هذا معناه الفتنة الفلسطينية، والذهاب نحو الانتحار.
• بإمكانه أن يقدم استقالته وأن يعتزل السياسية، تاركاً للجنة التنفيذية أن تتدبر شؤونها برئاسة أمين سرها الجديد. هذا معناه مغادرة الساحة وكل شيء فيها مدمر، بما في ذلك أوضاع فتح الداخلية، التي تعجز عن عقد مؤتمرها العام الدوري.
• بإمكانه أن يدعو إلى حوار وطني شامل، من خلال الإطار القيادي المؤقت، للاتفاق على برنامج وطني موحَّد وموحِّد، رسمت قرارات المجلس المركزي ووثيقة الوفاق الوطني، وورقة 4/5/2011، وبيان آذار (مارس) 2005، عناوينه واتجاهاته، وبما يستجيب لنداءات الهبة، المكتوبة بالدم. ولعل هذا الخيار، هو أسهل الخيارات، بالمنطق الوطني، وأسهل الخيارات، للوصول إلى الخلاص الوطني.
الطريق مفتوح أمام القيادة الفلسطينية، وعلى هذه القيادة حسم موقفها.
التردد لا يفيد
الانتظار مضر
فلتحسم القيادة أمرها كما حسم الشارع أمره ■