في ظلّ المُعاناة التي يعيشها سكّان قطاع غزّة نتيجة إغلاق معبر رفح البرّي، المنفذ الوحيد لقرابة مليوني نسمة على العالم الخارجي، واشتراط الجهات الرسميّة ضرورة وجود «الحرس الرئاسي» التابع للسلطة الفلسطينيّة في رام الله على المعبر لإعادة فتحه بشكل طبيعي، ومُنتظم، أطلق ناشطون فلسطينيّون على مواقع التواصل الاجتماعي وسماً بعنوان «سلّموا المعبر»، يُطالبون فيه حركة «حماس» تسليم معبر رفح لحكومة الوفاق الوطني، أو وكالة «الأونروا»، وإنهاء معاناة سفر الغزّيين.

الوسم الذي أطلقه فلسطينيّون غاضبون من الممارسات التي تمّت على معبر رفح خلال فتحه الأسبوع الماضي، بعد أكثر من مئة يوم من الإغلاق، راح يتداوله مئات الآلاف حول العالم، مُطالبين «حماس» التي تُدير المعبر، تسليمه لحكومة الوفاق الوطني في رام الله، والابتعاد عن المُناكفات السياسيّة في ما يتعلّق بالمعبر، خصوصاً أنّه موضوع إنساني، فضلاً عن أنَّ استمرار إغلاقه في وجه المُسافرين يُهدّد مستقبل الكثير منهم.

كما جاء الوسم بعد نشر وسائل إعلام ومواقع إخبارية واجتماعية صوراً لآلاف المسافرين العالقين على بوابة معبر رفح. وتحدّث الناشطون عن عمليات فساد ورشى وحصص لأصحاب المناصب العليا وقادة الأمن وأبناء المسؤولين، منوّهين إلى أنَّ بعض الرشى بلغت قيمتها سبعة آلاف دولار من أجل الحصول على تنسيق لدى الجانب المصري، أو العبور من بوابة الجانب الفلسطيني.

الناشط الاجتماعي الفلسطيني رائد العطل، تساءل: «من لديه الشجاعة ليتحدّث عن «كوتة» السفر الخاصة بقادة الأجهزة الأمنية في حماس، الذين تتمّ مغادرة أحبابهم خارج الكشوفات عبر تنسيق مكتب وزير الداخلية؟ حيث يسمح لكل «كوتة» بعدد محدد من الجوازات، غالباً تذهب للأهل والأحباب الموصى بهم».

وأضاف: «من لديه الشجاعة ليتحدث عن الذين يتمّ إدخالهم إلى صالة المعبر الداخلي بسيارات خاصة بتوصية من رؤساء الجامعات الكبرى وقيادات التنظيم ومكتب الوزير من دون انتظار في الصالة الخارجية والتسجيل و«المرمطة».. مَن يتحدث عن مكاتب التنسيق التي تعمل على عينك يا تاجر في غزة وأصبحت تتقاضى من المواطن «الغلبان» مبالغ تصل إلى 6000 دولار للشخص الواحد من أجل السفر؟».

كما دعا الناشط طارق الفرا، حركة «حماس»، لوضع مصلحة المواطن قبل أيّ سياسة خاصة بها، مضيفاً: «إنْ أصبح المعبر مفتوحاً بعد تسلّم السلطة، ستكسب حماس أنّها خدمت الشعب، وإن لم يفتح المعبر، فيمكن للعقل المحرّض داخل حماس أن يعود ليسيطر على المعبر بكل سهولة».

وانتقدت الناشطة صبا الجعفراوي، «آلية الفساد» التي يتم من خلالها العمل بمعبر رفح، قائلة: «ينتقدون مواطنين يدفعون ستة آلاف دولار للمصريين لإدراج أسمائهم في كشف التنسيقيات، ولكنّهم لا يتحدّثون عن أنّ أيّ شخص يريد السفر ولا يجد اسمه في تلك الكشوفات، يقوم بدفع ألفي دولار ليتمكن من الصعود إلى الحافلة الأولى، وذلك على حساب مواطن آخر ينتظر السفر منذ شهور».

واقترح الناشطون حلولاً بديلة عدّة على حركة «حماس» لإنهاء أزمة معبر رفح، منها تسليمه لحكومة الوفاق، أو لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، أو تحويله لأيّ شركة عربيّة خاصة تعمل على إدارته، أو مُشاركة إدارته بين موظّفي «حماس» وحكومة الوفاق الوطني، وكلّها حلول عمليّة، بيد أنّ الحركة ترفض رفضاً قاطعاً إقصاء موظّفيها من المعبر.

وفي أول الردود من قيادات «حماس» في قطاع غزّة على الوسم الذي استفزّ الحركة، رفضت «حماس» بشكل رسمي تسليم معبر رفح البري. وقال القيادي في الحركة صلاح البردويل، إن «حماس» لن تسلّم المعابر، خصوصاً معبر رفح إلى أيدٍ «خانت شعبها».

وبحسب البردويل: «ينبغي أن تُدار المعابر وفق ما تمّ التوقيع عليه في اتفاقَيْ القاهرة والشاطئ بشكل وطني». وأضاف أنَّ حركته مستعدة لتطبيق الاتفاق بإدارة المعابر على أسس وطنية وقانونية وأخلاقية، بحيث تضمن المساواة والعدالة.

وشدّد على أنَّ الحركة لن تسلّم المعبر إلى «الأيدي القذرة التي خانت شعبها»، مضيفاً «إنْ كان المقصود بتسليم المعابر أن تعاد مجدداً إلى هذه الأيدي؛ فحماس لا يمكنها أن تبيع شعبها لها مهما كان الثمن».

وصرّح أنَّ أعداداً كبيرة من المسافرين يتمّ إرسال أسمائهم عبر كشوفات خاصة ترسلها السلطة في رام الله إلى الجانب المصري بعد دفع رشى كبيرة جداً من هؤلاء المضطرين للسفر، معتبراً أنّ هذه الطريقة «مدخل لفساد كبير يراد به من السلطة أن تكون ظاهرة عامة».

وقد شهد معبر رفح آخر فتحة له الأسبوع الماضي، بعد إغلاق استمر مئة يوم، جاءت بعد أنباء عن وجود اتفاق فلسطيني ـ مصري، لم يعلن عن تفاصيله، وذلك خلال زيارة الرئيس محمود عباس إلى القاهرة قبل نحو شهر. لكن «حماس» رفضته بحجة أنَّها لم تكن طرفاً في الاتفاق، إذ أشار الجانب الفلسطيني، إلى أنَّ القاهرة تصرّ على التعامل مع الجهة الفلسطينية الرسمية، وتشترط وجود السلطة الرسمية على الجانب الفلسطيني من المعبر، ممثلة بالرئاسة وحكومة التوافق بالطبع.

وهناك خلافات كبيرة بين «حماس» والسلطة الفلسطينية في رام الله بشأن تسليم معابر غزّة للسلطة، إذ تشترط الحركة التي تُدير المعابر حاليّاً أن يكون موظّفوها ضمن تشكيلة الموظّفين الجُدد الذين سيديرون المعابر تحت إشراف حكومة التوافق، وألّا يتمّ إقصاؤهم من أماكن عملهم في الهيكليّة الجديدة، على اعتبار أنّهم أمضوا سنوات عدّة في العمل على معابر غزّة، وأنّهم موظّفون في السلطة الفلسطينيّة، بيد أنّهم لا يتلقّون أي رواتب من رام الله، ولكن السلطة ترفض هذا الأمر.

عن السفير اللبنانية

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف