شهدت الأشهر السبعة الماضية تزايداً ملحوظا في أعداد الشبان المهاجرين والراغبين في الهجرة من قطاع غزة إلى دول أوروبا وكندا، حيث استقبلت المكاتب التي يتم من خلالها منح تأشيرات سفر لتركيا، التي تعد أولى محطات هجرة الشبان، المزيد من الراغبين في مغادرة القطاع، بينما ينتظر الآلاف في تركيا لإكمال طريقهم لليونان.

ظاهرة مستمرة
الشاب إبراهيم عبد الله، من سكان جنوب قطاع غزة، أكد أنه يعتزم الهجرة منذ عامين، وكان أهله يمانعون ذلك خوفاً عليه، وقد حاول إرضاءهم، وبحث عن فرص عمل، ولم يجد، حتى ضاقت به السبل، وأقنع عائلته بضرورة الهجرة، والالتحاق بستة عشر شاباً من رفاقه، وجيرانه، ومعارفه، سبقوه خلال العامين الماضيين.
وبين أنه تقدم للحصول على تأشيرة، حيث ينوي الوصول الى تركيا، ومن هناك سيخطط إلى أين يتجه إما إلى أوروبا، أو الى كندا، المهم أن يصل دولة يحظى فيها بفرص عمل وحياة، حتى يستطيع تكوين نفسه، وبناء مستقبله، الذي أضاع سبع سنوات منه في غزة، دون جدوى.
ولفت إلى أنه قلق إلى حد ما بسبب المخاطر التي قد تواجهه في رحلة الهجرة، خاصة خلال وصوله إلى اليونان، لذلك ينوي التريث، والبحث عن أكثر الطرق أمناً، واختيار طقس ملائم للإبحار فيه، حال اضطر لركوب البحر بواسطة المراكب غير الشرعية.
في حين يقول الشاب فادي مصباح، ويقيم في محافظة خان يونس، إن الأخيرة تعتبر من أكثر المحافظات التي هاجر منها الشبان على مستوى القطاع، لدرجة أن بعض الشوارع في بلجيكا أصبحت تسمى بأسماء عائلات غزية، جراء كثرة من يسكنها من سكان خان يونس.

عدوى الهجرة
وبيّن أنه بات يشعر بأن الهجرة عدوى، فهجرة المجموعات الأولى من الشبان ما بين الأعوام 2010-2014، شجعت العديد لخوض غمار التجربة، والعملية مستمرة حتى الآن، وأعداد الراغبين بالهجرة في تزايد.
ولفت إلى أنه فكر جدياً بالأمر، لكن عائلته ترفض بشدة، كونه الابن الأكبر، وخلال المرحلة المقبلة سيبقى في القطاع، ولربما تسمح الظروف مستقبلاً له بالهجرة.
ورغم أنه بات أقل قلقاً بعد وصول نجله اليونان، في أعقاب ست محاولات متتالية، إلا أن المواطن يوسف عيد، أكد أن نجله يتواجد حالياً في معسكر في جزيرة باليونان، بانتظار الحصول على إقامة، تمكنه من التحرك، ووضعه هناك صعب، كونه يقيم في معسكر مع عدد كبير من المهاجرين، ويحتاج إلى أموال يرسلها له بين الفينة والأخرى.
ولفت إلى أنه يتمنى أن يحالف الحظ ابنه في الوصول الى بلجيكا، حيث يقيم العشرات من اقربائه وجيرانه هناك منذ سنوات، وأن يحصل على إقامة وعمل، وفرص حياة أفضل، وهو يفكر بإرسال ابنه الثاني ليهاجر برفقة شقيقه، حال استقرت أوضاع الأول هناك، فهو يتمنى لأبنائه الخير، ويرى أن المستقبل قاتم في غزة، وفرص العمل شحيحة، والله أمر الناس بالسعي في مناكب الأرض.
وتواصلت "الأيام"، مع العديد من الشبان ممن غادروا القطاع بالفعل، بعضهم وصل اليونان، وآخرون ينتظرون الفرصة المناسبة للتحرك من تركيا، لكن ثمة قلقاً من الخطورة المترتبة على ركوب البحر في الفترة المقبلة، خاصة وأن فصلي الخريف والشتاء من كل عام، يشهدان ارتفاعا في أمواج البحر، وقوة التيارات البحرية، التي تتسبب في غرق القوارب، حيث شهد نهاية العام الماضي أسوأ موجة غرق قوارب، تسببت بوفاة وفقدان أكثر من 35 مواطناً من القطاع.

معالجة الأسباب
من جهته، أكد الباحث في الشأن الاقتصادي محمد ابو جياب، أن ظاهرة هجرة الشباب من قطاع غزة شهدت تزايداً غير مسبوق خلال العقد الاخير، وثمة أعداد كبيرة من الشبان غادروا غزة بالفعل وهناك آخرون يسعون لذلك.
وأشار إلى أنه ورغم مخاطر الطريق، وعدم وضوح المستقبل في بلاد الهجرة، إلا أن الشبان يصرون على الخروج من القطاع، بحثاً عن فرص أفضل لم يجدوها في غزة، فارتفاع معدلات البطالة، وندرة فرص العمل، وتقليد الشباب لبعضهم كلها عوامل تؤدي لزيادة الهجرة.
وأوضح أبو جياب لـ"الأيام"، أنه في حال أرادت جهات الاختصاص محاربة هذه الظاهرة، والحد من هجرة الشباب عليها معالجة المسببات، بخلق فرص عمل، وجعل هناك أملا في المستقبل، فيجب تبني خطط واستراتيجيات تعالج مشاكل الشباب، وتضع حلولاً منطقية لتكدس الخريجين.
ولفت إلى أنه في حال كان ثمة شح في الوظائف يجب العمل على إنشاء مشروعات كبيرة، إضافة لتمويل مشروعات صغيرة تسهم في تعزيز الاقتصاد، وتعمل على إيجاد فرص عمل للشباب، فأغلب المهاجرين إن لم يكن جميعهم لو وجدوا فرصة تضمن لهم مستقبل وكرامة في غزة، لما خرجوا منها.

أوروبا تتغير
من جهتها، أكدت المواطنة شيرين عوض، وتقيم في السويد منذ أكثر من عقدين، إن واقع أوروبا في الوقت الحالي تغير كثيراً، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وفرص الحصول على إقامات للمهاجرين الجدد، خاصة العرب باتت أصعب بكثير من السابق.
ووفق عوض فإن المهاجر يحتاج ما بين عامين الى ثلاثة للحصول على الإقامة، حال كان محظوظاً، وكثير من الدول غيّرت قوانين الهجرة، وباتت الدول الأوروبية لا تقتنع بأسباب اللجوء التي يقدمها الوافدون، وترفض الكثير من الطلبات المقدمة، وفي حال حصل المهاجر على إقامة، فهو يحتاج لعدة سنوات حتى يستطيع جلب عائلته.
أما بخصوص فرص العمل، أكدت عوض لـ"الأيام"، أنها تراجعت في أوروبا، وباتت أغلب الدول تفضل تشغيل من ولدوا في نفس البلد، مع إعطاء فرص للأوكرانيين الذين هاجروا إلى أوروبا فراراً من الحرب، وهذا كله تزامن مع انخفاض ملحوظ في الأجور، وارتفاع كبير على الأسعار، خاصة الكهرباء، والوقود، ومعظم السلع.
وأكدت أن أي شخص يفكر بالمجيء إلى أوروبا يجب أن يضع في حسبانه أن حصوله على الإقامة والاستقرار في بلد أوروبي يحتاج لوقت طويل، إضافة للبحث عن أسباب هجرة مقنعة، فدوائر الهجرة تعلم الكثير من تفاصيل دول الشرق الأوسط، ولا تتجاوب مع الطلبات بسهولة، ولم تعد الكثير من المبررات السابقة مقنعة لديها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف