يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم السابع والأربعين على التوالي، وتتواصل معه المأساة الإنسانية بصورة متصاعدة، إضافة إلى آثار صحية وبيئية كارثية يعاني منها سكان القطاع.
"الأيام" تواصل نقل مشاهد حية من قلب المعاناة، وترصد تبعات العدوان وآثاره على المواطنين.


مياه الصرف
برزت مشكلة الصرف الصحي في قطاع غزة عامة، خاصة داخل مدينة غزة وشمال القطاع، كإحدى أخطر المشكلات التي تواجه المواطنين، وما قد ينتج عنها من كوارث صحية وبيئية كبيرة.
فالمشكلة ظهرت بشكل جلي بعد انقطاع الكهرباء من مختلف مصادرها في قطاع غزة مع بداية العدوان، عندها توقفت محطات المعالجة عن العمل، وأصبحت الجهات المعنية تقوم بضخ المياه العادمة كما هي "خام"، دون معالجة للبحر، لكن الأمر تطور بشكل سلبي آخر، بعد نفاد الوقود من محطات الضخ، وتوقف عمليات الضخ بصورة كلية، إذ باتت مياه المجاري تنساب بشكل تلقائي وفق نظام "المناسيب"، وتتجمع في برك تجميع مؤقتة، أو تتوقف في المناطق المنخفضة.
وحذرت بلدية غزة من خطر فيضان بركة الشيخ رضوان، جنوب غربي مدينة غزة، التي امتلأت بالمياه العادمة ومياه الأمطار، حيث وصل منسوب المياه إلى مستوى حرج، وذلك بعد تجمع الأمطار، وتوقف ضخ المجاري بفعل انقطاع الوقود اللازم لتشغيل المضخات، وقصف عدة خطوط ناقلة.
وناشدت بلدية غزة الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمنظمات الدولية، التدخل العاجل قبل فيضان البركة، وغرق آلاف المنازل في منطقة مكتظة جداً بالمواطنين، ما يفاقم من الكارثة البيئية والصحية والإنسانية في مدينة غزة.
وإلى جانب مشكلة بركة الشيخ رضوان، يعاني أغلب مناطق تجميع مياه الصرف الصحي المشكلة ذاتها، خاصة في رفح، وخان يونس، ووسط القطاع، وشوهد تسريب كبير للمياه العادمة في الشوارع، إضافة إلى امتلاء أحواض التجميع، التي بات يصدر عنها روائح كريهة، خاصة في حي تل السلطان غرب محافظة رفح.


طوابير الطحين
توجه آلاف المواطنين إلى مراكز توزيع تابعة لوكالة الغوث الدولية "الأونروا"، من أجل الحصول على حصص من الطحين، بعد إعلان المؤسسة الأممية بدء توزيعه على جميع السكان القاطنين في محافظات رفح، وخان يونس، ووسط القطاع.
ووفق إعلان صادر عن "الأونروا"، فإنها بدأت بتوزيع الطحين على جميع الأسر (لاجئ، ومواطن) في رفح، وخان يونس، ووسط القطاع، بحيث ستسلم الأسرة التي يتراوح عدد أفرادها بين 1 و3 أشخاص، كيساً من الطحين وزن 25 كغم، بينما ستحصل الأسرة المكونة من 4 - 6 أشخاص، على كيسين من نفس الوزن، والأسرة، المكونة من 7 - 10 أشخاص، ستحصل على 3 أكياس، أما الأسرة المكونة من 11 شخصاً فما فوق، فستحصل على 4 أكياس من الطحين.
وأكد مواطنون أن توزيع الطحين على أهميته، خطوة غير كافية، فاحتياجات المواطنين أكبر بكثير جداً، فالقطاع خالٍ تماماً من جميع المواد الغذائية، وهناك نقص في كل شيء، لذلك يجب على وكالة الغوث والجهات الإغاثية الأخرى مد المواطنين باحتياجاتهم من جميع أنواع السلع الغذائية.
وقال المواطن أحمد حجازي، إنه توجه في الصباح الباكر، ووقف في طابور طويل للحصول على حصته من الطحين، حيث كان منزله خالياً تماماً من الطحين، كما هو خالٍ من الأرز، والسكر، والبقوليات، وزيت الطعام وغيرها.
وأكد حجازي أنه وبعد استلام الطحين، بات يفكر كيف سيعد الخبز، فلا يوجد أي مصدر للطاقة لإنضاجه، سواء الغاز الطهي، أو الكهرباء، أو حتى الحطب، كما أن خميرة الطعام المكون الأساسي في العجين مفقودة.
من جهته، قال المواطن عبد الله يونس، إنه وبمجرد الحصول على الطحين اتصل على أبنائه للخروج إلى الشوارع والبحث عن قطع الكرتون، والخشب، وكل ما يمكن إشعاله من أجل إعداد خبز الصاج، وهو الطريقة الوحيدة التي أصبحت متاحة حالياً.
وأوضح يونس أن الكثير من المواطنين في غزة اشتروا "طنجرة"، محولة، باستطاعتها طهي الخبز على الفحم، لكنها بحاجة للفحم، وثمن الكيلو الواحد تجاوز 8 شواكل، وهو لا يستطيع توفيره في ظل الظروف الحالية.


مصابون دون رعاية
تتكدس المستشفيات في قطاع غزة بعدد كبير جداً من الجرحى، معظمهم بحاجة إلى رعاية أكثر من طبية، يتولاها مرافق، عبر قضاء بعض الحاجيات للجريح، وجلب الطعام والشراب له، في ظل عدم قدرة المستشفيات على توفير وجبات لكل الجرحى بشكل منتظم.
ويواجه مرافقو المرضى صعوبات كبيرة في رعايتهم، خاصة جلب الطعام، نظراً لشح الأكل في القطاع، لاسيما مع ندرة الأطعمة التي قد يحتاجها المصابون، كوجبات غنية بالبروتين، لتعويضهم عن كميات الدم التي نزفوها، إضافة إلى صعوبة تحرك المرافقين من المنازل للمستشفيات وبالعكس لجلب احتياجات الجرحى، وذلك بسبب أزمة المواصلات التي نجمت عن فقد الوقود في القطاع.
وذكر المواطن عمر هاشم، أن اثنين من أشقائه مصابان في مستشفى ناصر الحكومي، وبحاجة إلى رعاية وطعام، ويومياً يتوجه للمنزل لجلب طعام لهما ثم يعود، إضافة إلى حاجتهما لأدوية في أغلب الأحيان يشتريها من الخارج.
وأشار إلى أنه يواجه مصاعب في تنقلاته اليومية، وأغلب الأوقات يضطر لركوب عربة "كارو" يجرها حيوان، وأحياناً يتوجه للمستشفى مشياً على الأقدام، ويسير أكثر من 5 كيلومترات وهو يحمل أغراضاً كثيرة.
وأوضح أن رعاية الجرحى، خاصة من لا يستطيعون الحركة، أمر مرهق في ظل هذه الظروف، لاسيما مع تكدس المستشفيات بالجرحى والنازحين.
بينما يواجه ذوو الجرحى المتواجدون في المستشفيات المحاصرة صعوبات كبيرة في التواصل معهم، أو مع مرافقيهم، إذ قال المواطن عادل صبح إن شقيقه أصيب بجروح بالغة في قصف على مدينة غزة، ويوجد منذ أكثر من أسبوع في مستشفى شمال القطاع، ومعه شقيقه الآخر كمرافق، وكانوا يتواصلون معه باستمرار، لكن منذ يومين فقد الاتصال بالمرافق، ولا يعلمون ما حدث لهم، وهم قلقون جداً على مصيره، خاصة أن أغلب العائلة نزحت إلى محافظة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة.
كما يواجه مئات الجرحى ممن وصلوا إلى مستشفيات جنوب القطاع قادمين من مستشفيات شمال قطاع غزة مشكلة لعدم وجود مرافقين معهم، كونهم تركوا أقاربهم محاصرين هناك.

أزمات قادمة
لا تقتصر أزمات العدوان على ما هو معَيش حالياً، فثمة توقعات بسلسلة كبيرة من الأزمات ستحل على قطاع غزة في الفترة المقبلة، أبرزها نقص بل انعدام متواصل في الكثير من السلع الأساسية، منها الدواجن واللحوم الحمراء، والخضراوات، والبيض، وقائمة طويلة من السلع الأخرى.
وقال أحمد جمعة، الذي عمل تاجر دواجن، إن الأيام المقبلة ستشهد توقفاً كاملاً لقطاع الدواجن، بعد بيع آخر مزارع متوفرة لدى المربين.
وتواجه سلة الخضراوات الأساسية في قطاع غزة مشكلة أكبر، مع إصابة قطاع الزراعة بحالة شلل، نتيجة العدوان، وما نجم عنه من تدمير وتخريب للأراضي، وتوقف آبار المياه، وموت محاصيل لم يتمكن ملاكها من ريها أو الوصول إليها.
ونوه المزارع محمود النجار، إلى أن الخضراوات الشحيحة التي تصل إلى الأسواق حالياً هي آخر ما تبقى في المزارع، بعد ذلك لن يجد المواطنون خضرىوات يشترونها، فالموسم الشتوي برمته توقف، ولم تزرع الكثير من الأراضي، كما أن الدفيئات الزراعية المخصصة لزراعة محاصيل صيفية في الشتاء إما دمرت، أو بقيت خالية.
وأكد ضرورة بحث خطة بديلة لتوفير الخضراوات للمواطنين خلال الفترة المقبلة، مع توقعات بشحها في الأسواق، إما من خلال الاستيراد، أو الزراعة في بعض المناطق التي تصنف على أنها أقل خطورة من غيرها.
في حين يواجه قطاع الصيد مشكلة أكبر بعد تدمير معدات الصيادين، ما يعني توقف هذا القطاع الحيوي، إضافة إلى توقف مزارع الأسماك عن تربية أفواج جديدة لشح الأعلاف وانقطاع الكهرباء، وهذا يعني أن غزة لن يكون فيها أسماك طازجة في الفترات المقبلة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف