تنطلق اليوم الخميس، جلسات استماع للنظر في قضية رفعتها جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في الحرب على غزة، وتطالب بوقفها بشكل عاجل. وتعتبر دعوى "الإبادة" التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل تاريخية، حيث أرسلت جنوب إفريقيا عددا من أبرز محاميها إلى لاهاي من أجل مواجهة قانونية في محكمة العدل الدولية، لإجبار إسرائيل على وقف هجومها الدامي على قطاع غزة، والذي خلف نحو 30 الف قتيل ومفقود ومئات آلاف الجرحى والمشردين.

وقالت استاذة القانون الدولي في جامعة كيب تاون "إنه أفضل فريق.. يضم أشخاصا يملكون خبرة في القانون الدولي مع آخرين يُعرفون بمهارتهم خصوصا في الترافع أمام المحاكم". والدعوى التي ترفعها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية مدفوعة بأسباب تاريخية، إذ يرى حزب "المؤتمر الوطني الإفريقي" الحاكم والداعم للقضية الفلسطينية أن هناك رابطا بينها وبين كفاحه ضد حكومة الأقلية البيضاء التي كانت تقيم علاقات تعاون مع إسرائيل.

وعُرف عن رمز الكفاح ضد الفصل العنصري نيلسون مانديلا قوله إن حرية جنوب إفريقيا "لن تكون مكتملة من دون حرية الشعب الفلسطيني".

وقال الرئيس سيريل رامابوزا مخاطبا أنصار حزب المؤتمر الوطني الإفريقي هذا الأسبوع إن تعاليم مانديلا ألهمت التحرّك القضائي الأخير، معتبرا الأمر "قضية مبدأ".

وأضاف "يتعرّض الشعب الفلسطيني اليوم للقصف والقتل.. يملي علينا الواجب الوقوف ودعم الفلسطينيين". ويضم الفريق القانوني جون دوغارد، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية والمنضوي في شركة "دوتي ستريت تشيمبرز" التي تضم أيضا أمل كلوني.

كما أن المحامي المخضرم تيمبيكا نغوكايتوبي الذي تعامل مع قضايا سياسية داخلية شائكة بما في ذلك سجن الرئيس السابق جاكوب زوما من بين أعضاء الفريق.

وفي مذكرة تقع في 84 صفحة، حض المحامون القضاة على إصدار أمر لإسرائيل بـ"تعليق عملياتها العسكرية فورا" في غزة، مشيرين إلى أن إسرائيل "انخرطت وتنخرط وتواجه خطر الانخراط أكثر في أعمال إبادة".

أشار معلّقون متخصصون في القضاء إلى أن الدعوى مُحكمة في صياغتها وتستند إلى مراجع دقيقة.

وتبدأ جلسات الاستماع في محكمة العدل الخميس ويتوقع صدور قرار في غضون أسابيع.

وبينما تعد قراراتها ملزمة، لا تملك محكمة العدل طريقة لفرضها فيما يتم تجاهلها تماما في بعض الأحيان. الإجراء الأول متعلق بطلب جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية إصدار "إجراءات موقتة" وهي أوامر قضائية عاجلة، تطبق فيما تنظر في جوهر القضية الذي قد يستغرق سنوات.

وطلبت جنوب إفريقيا من المحكمة إصدار أوامر عدة منها أن "تعلق إسرائيل فورا" هجومها في قطاع غزة ووضع حد للتهجير والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والمحافظة على الأدلة.

وتوضح سيسيلي روز الاستاذة المساعدة في القانون الدولي في جامعة لايدن "في مرحلة التدابير الاحتياطية، لن تحدد المحكمة ما إذا كانت إبادة تجري في غزة".

وتضيف في تصريح لوكالة فرانس برس "ستكتفي المحكمة بتحديد ما إذا كان هناك خطر حصول ضرر لا يمكن تعويضه للحقوق الواردة في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ولا سيما حق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال تهدد وجودهم كمجموعة".

ويمكن لمحكمة العدل الدولية فرض التدابير التي تطالب بها بريتوريا أو رفضها أو إصدار أوامر أخرى مختلفة تماما. وقد تقرر أيضا انها ليست الجهة المختصة في هذه القضية. الإجراء الثاني متعلق بالقرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، مبرمة ولا يمكن للدول استئنافها. لكن المحكمة لا تملك أي وسيلة لتطبيقها.

ويشدد إريك دي براباندير استاذ القانون الدولي في جامعة لايدن على أنه "يجب القبول بمحدودية العدالة الدولية: فهي تعمل لكن فاعليتها تتطلب إرادة سياسية لا تكون متوافرة على الدوام".

وبعدما تقرر المحكمة ما إذا كانت ستصدر تدابير موقتة عاجلة، تنظر في جوهر القضية أي اتهام جنوب إفريقيا لإسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة.

وترى سيلين بارديه، الخبيرة في القانون الدولي وجرائم الحرب، أن أي قرار سيكون له "دلالات رمزية". وتوضح لوكالة فرانس برس أن "هذا سيذكّر العالم بأن الدول مسؤولة أيضا وهذا مهم" مضيفة "قد يسمح ذلك للدول أيضا باتخاذ تدابير إثر القرار، من خلال فرض عقوبات على سبيل المثال".

ولا تتسم محكمة العدل الدولية بسرعة قراراتها إلا ان طلبات "التدابير الموقتة" لها الأولوية على كل القضايا الأخرى وقد يأتي القرار سريعا نسبيا، أي في غضون أسابيع.

في المقابل قد يحتاج القرار في جوهر القضية إلى سنوات عدة.

وبات بطء المحاكم الدولية يطرح مشاكل ولم تعد "تتماشى مع عالم اليوم" بحسب بارديه.

وكانت محكمة العدل الدولية قد قالت يوم الجمعة 29 ديسمبر 2023، إنها تلقت طلبا من جنوب إفريقيا لرفع دعوى ضد إسرائيل لانتهاكها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وجاء في الدعوى أن إسرائيل "قامت بأفعال تهدف للتطهير العرقي في غزة".

بحسب الحجج المقدمة في الملف، فإن أعمال الإبادة المذكورة تشمل قتل الفلسطينيين، والتسبب بضرر جسدي ونفسي خطير، وتعمّد خلق ظروف تهدف إلى "تحقيق تدميرهم جسديا كمجموعة"، كذلك يرد في الملف أن هناك تصريحات علنية لمسؤولين إسرائيليين تعبر عن نية الإبادة. وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط تأييد جامعة الدول العربية للدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

وقال أبو الغيط في تصريحات للصحفيين: "نؤيد بشكل كامل الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية، وخرق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.. وأتطلع الي حكم عادل يوقف هذه الحرب العدوانية ويضع حدا لنزيف الدم الفلسطيني".

وأضاف أبو الغيط "أشكر جنوب إفريقيا وحكومتها على اتخاذ هذا الموقف المبدئي الذي يضع الأخلاق والقيم الإنسانية فوق أي اعتبار.. وأؤكد على دعم الأمانة العامة للجامعة للمسعى الجنوب إفريقي بكل السُبل الممكنة". وأشادت وزارة الخارجية البوليفية بالخطوة التي اتخذتها جنوب إفريقيا بهذا الصدد بموجب التزامها باتفاقية "الإبادة الجماعية"، معتبرة إياها خطوة تاريخية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، مؤكدة ضرورة دعم هذه المبادرة من قبل المجتمع الدولي.

ولفتت الوزارة إلى أن بوليفيا بالشراكة مع جنوب إفريقيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي تقدمت في الـ 17 من نوفمبر الماضي بدعوى إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وتعتبر بوليفيا أول دولة في أمريكا اللاتينية تعلن تأييدها دعوى جنوب إفريقيا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف