يعيش سكان قطاع غزة تحت القصف والحصار المشدد لليوم الـ166 على التوالي، وتتواصل فصول المعاناة بكافة أشكالها، بينما يتعمق الجوع والأمراض، وتتصاعد الجرائم الإسرائيلية، خاصة داخل مجمع الشفاء الطبي.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من داخل القطاع، منها مشهد يوثق ما يحدث في مجمع الشفاء الطبي من جرائم بعيداً عن أعين الكاميرات، ومشهد آخر ينقل معاناة الأسرى المُفرج عنهم وهم في حالة إعياء، وينقلون للمشافي، ومشهد ثالث يرصد تصاعد استهداف ضباط الشرطة في غزة، ومشهد رابع وأخير تحت عنوان: "جلب المساعدات من البحر.. تساؤلات عن الأهداف الحقيقية".

مجمع الشفاء.. جرائم بعيداً عن أعين الكاميرات
ما زال مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، يخضع لحصار وسيطرة إسرائيلية كاملة، منذ فجر الاثنين الماضي، مع تصاعد الجرائم الإسرائيلية التي ترتكب داخل المجمع، بعيداً عن أعين الكاميرات، ووسائل الإعلام.
ووفق صحافيين أفرج عنهم بعد اعتقال استمر 12 ساعة من داخل المجمع، فإن قوات الاحتلال سارعت فور اقتحامها باحات مجمع الشفاء، بتدمير معدات للصحافيين، وسحق مركبتهم التي تحوي جهاز البث، ودمرت كاميراتهم، ثم اعتقلتهم، ونكّلت بهم، وجردتهم من ملابسهم، حيث لم يتبق في المجمع أي صحافي ينقل صورة ما يحدث داخله.
وحسب المعلومات الشحيحة التي خرجت من داخل المجمع، فإن جيش الاحتلال نفذ عمليات إعدام ميدانية واسعة داخله، إذ نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن الجيش قتل ما لا يقل على 90 فلسطينياً، واعتقل 300 آخرين، خلال عدوانه المستمر.
وأشارت مصادر مطلعة، إلى أنه ورغم خروج المئات من داخل المجمع، إلا أن هناك عدداً كبيراً من الطواقم الطبية والمواطنين والمرضى ما زالوا محاصرين داخله، ولا يُعرف مصيرهم حتى الآن، خاصة أن مبنى الجراحات الذي كان يكتظ بالنازحين تعرض لقصف مباشر، واشتعلت النيران فيه.
بينما أكد المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، أنه تلقى إفادات بتنفيذ قوات الاحتلال إعدامات ميدانية بحق مدنيين نازحين داخل مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة.
وذكر المرصد أن شهود عيان غادروا المجمع في الساعات الأخيرة أفادوا بمشاهدتهم اقتياد قوات الاحتلال من 8 إلى 10 مدنيين إلى منطقة المشرحة (ثلاجات الموتى)، ثم سمعوا أصوات إطلاق نار كثيف قبل أن تعود القوات دون هؤلاء المدنيين.
وأوضح المرصد أن فريقه الميداني جمع شهادات عن استشهاد 60 إلى 80 شخصاً برصاص قوات الاحتلال داخل مجمع الشفاء الطبي وفي محيطه، منذ إعادة اقتحامه.
وإلى جانب ما يحدث داخل المجمع، فقد ارتكبت قوات الاحتلال عشرات المجازر في محيطه، عبر قصف منازل مأهولة تقع قرب المستشفى، ما تسبب بسقوط عشرات الشهداء والجرحى، بعضهم لم يتم الوصول إليهم حتى الآن، إذ أكد الناطق باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، وصول مناشدات من بعض أصحاب المنازل المحيطة بمجمع الشفاء الطبي، والتي تم قصفها منذ بدء اجتياح المجمع، ولكن لا يوجد تنسيق لدخول طواقم الإنقاذ لتلك الأماكن، ولا يوجد ضمانات لحماية الطواقم في حال حاولت الوصول إلى الضحايا.
من جهته، قال الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، الدكتور أشرف القدرة، إن المرضى والطواقم الطبية المحتجزين بمجمع الشفاء الطبي واصلوا صيامهم لليوم الثالث على التوالي دون إفطار، لعدم توفر الماء والطعام، نتيجة حصارهم من قبل قوات الاحتلال.

أسرى مُفرج عنهم يُنقلون للمستشفيات
منذ بدء العدوان البري على قطاع غزة، اعتقلت قوات الاحتلال آلاف المواطنين من داخل قطاع غزة، إما على الحواجز التي يجري نصبها، أو بعد اقتحام ومداهمة منازل، ومراكز إيواء، ومستشفيات في القطاع.
وبعد تحقيق قاسٍ يتخلله الكثير من التعذيب والتنكيل، تُفرج قوات الاحتلال عن بعض المعتقلين من خلال معبر كرم أبو سالم، جنوب شرقي محافظة رفح، لكن بعض هؤلاء الأسرى المُفرج عنهم، يصلون في وضع صحي حرج.
وفي آخر فوج من الأسرى أفرج عنهم يوم الاثنين الماضي، نُقل أربعة أسرى إلى مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار في رفح، وهم في حالة إعياء وتعب شديدين، جراء تعرضهم للضرب المبرح، والتعذيب القاسي، وهم: إبراهيم حسن العويني، فتوح سليمان أبو عامر، شادي إيهاب حنونة، وائل أحمد السالمي.
ووفق مصادر طبية في المستشفى، فإن المفرج عنهم الأربعة كانوا يعانون من آثار التعذيب والاعتداء، والتجويع، وخضعوا لعلاج مكثف.
وأوضحت المصادر أن بعض الأسرى الآخرين خضعوا لفحوص وصور أشعة، جراء تعرضهم للضرب والاعتداء، لكنهم غادروا المستشفى.
وبيّن أطباء في مستشفى النجار، أنه ومع الإفراج عن كل دفعة من الأسرى من خلال معبر كرم أبو سالم، يُنقل العديد منهم للمستشفى لتلقي العلاج، وبعضهم تكون حالتهم الصحية صعبة.
وأكد أسرى مفرج عنهم أنهم قضوا أسابيع من التنكيل والتعذيب، وكانوا يوضعون عراة وسط البرد الشديد، ويتعرضون للضرب من قبل جنود الاحتلال، مع إخضاعهم لتحقيق قاسٍ يستمر ساعات طويلة.
وتلقى المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، شهادات صادمة من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، الذين تم إطلاق سراحهم مؤخراً، إذ أكدوا أن جيش الاحتلال استدعى مدنيين إسرائيليين، يتراوح عددهم في المجموعة الواحدة من 10 إلى 20 شخصاً، لمشاهدة عمليات التعذيب والمعاملة القاسية التي يتعرضون لها.
وأضافت الشهادات، إن الأسرى تم احتجازهم في مراكز اعتقال في منطقة "زيكيم" وسجن "النقب"، حيث تعرضوا للضرب بالهراوات المعدنية وعصي الكهرباء، وصب الماء الساخن على رؤوسهم، وذلك بحضور المدنيين الإسرائيليين الذين كانوا يصورون الجرائم على هواتفهم النقالة.

استهداف ضباط شرطة غزة
شهدت الفترة الماضية تصاعداً كبيراً في استهداف ضباط الشرطة التابعين لحركة حماس في قطاع غزة، من خلال سلسلة اغتيالات موجهة، أغلبها استهدف مركبات كانوا يستقلونها.
وتوسعت عمليات الاغتيال المذكورة، التي كانت محصورة في السابق بمدينة غزة والشمال، لتطال ضباط شرطة في جنوب ووسط القطاع، منهم رُتب عالية.
فقد شهد اليومان الماضيان اغتيال المقدم رائد البنا، مدير مباحث شمال القطاع، والعقيد بشرطة غزة محمود البيومي، مدير شرطة النصيرات، وذلك بعد ساعات قليلة من اغتيال العقيد فائق المبحوح، مسؤول العمليات في شرطة غزة، داخل مجمع الشفاء الطبي.
ولم تكن عمليات الاغتيال المذكورة هي الأولى، ففي صباح العاشر من شهر شباط الماضي، استهدفت طائرات الاحتلال مركبة يستقلها مدير مباحث رفح أحمد اليعقوبي، ونائبه أيمن الرنتيسي، وضابط ثالث يدعى إبراهيم شتات، يعمل رئيس قسم مباحث التموين، ما تسبب باستشهادهم جميعاً.
في السادس من الشهر ذاته، قصفت طائرة مُسيّرة إسرائيلية بصاروخين مركبة للشرطة كانت تسير في حي خربة العدس بمدينة رفح، ما أسفر عنه استشهاد 6 من أفراد الشرطة.
وتتركز عمليات الاستهداف على ضباط وعناصر الشرطة المكلفين تأمين وصول المساعدات، ومنع تعرضها للنهب، وهو ما أكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أنه يهدف إلى إشاعة الفوضى في القطاع، وإفساح المجال للبعض لمهاجمة الشاحنات، ومنع وصولها إلى مستحقيها.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي، فقد تزايدت الشواهد على سعي الاحتلال لإحداث فوضى عارمة في قطاع غزة، ومنع أي جهد لضبط الأوضاع الداخلية، فحتى اللجان الشعبية التي تم تشكيلها من العائلات، لحماية المساعدات من النهب، جرى استهدافها، مؤخراً، كما حدث على دوار الكويت، جنوب مدينة غزة.

أهداف المساعدات من البحر
خلّف استمرار بناء ميناء جديد على شواطئ قطاع غزة، لاستقبال المساعدات من خلاله، حالة من الخيفة، وأثار حفيظة المواطنين في قطاع غزة، الذين تساءلوا عن سبب هذه الخطوة، رغم وجود معابر برية يمكن من خلالها إغراق قطاع غزة بالمساعدات.
وأعرب مواطنون عن خشيتهم من نوايا الاحتلال جراء تلك الخطوة، التي تأتي في ظل وضع صعب، وحصار وعدوان مستمرين، إذ قال المواطن ياسر عيسى، إن أميركا التي تشارك في قتل أهل غزة وحصارهم، لا يمكن أن تنشئ ميناءً في هذا الوقت إلا إذا كان هذا الأمر يصب في مصلحة وأهداف الاحتلال من العدوان.
وأشار عيسى إلى أن هناك سبعة معابر تحيط بقطاع غزة، وهي رفح، وكرم أبو سالم، و"صوفاه"، و"كيسوفيم"، والمنطار، وبيت حانون "إيريز"، و"نحال عوز"، وهي تنتشر من محافظة رفح جنوباً، وحتى بلدة بيت حانون أقصى شمال القطاع، ويمكن للاحتلال اختيار ما شاء منها لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، لكن، هناك إصرارا على جلب المساعدات من خلال ميناء أميركي إسرائيلي، وهذا أمر يثير الخوف.
وذهب المواطن أيمن عوض بمخاوفه إلى أبعد من ذلك، معتقداً أن الميناء هو خطوة لإلغاء معبر رفح، ويمهّد لسيطرة الاحتلال بشكل كامل على محور صلاح الدين الحدودي "فيلادلفيا"، واحتلاله من قبل إسرائيل، وإغلاق معبر رفح بالكامل.
وبيّن أنه يخشى من أن يتحول الميناء الجديد إلى ممر لوصول البضائع والمساعدات، وكذلك سفر المواطنين وقدومهم بحراً، وهذا كله سيحدث من خلال الاحتلال الذي سيسيطر على حركة الميناء بالكامل، خاصة أنه يتواجد في منطقة تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية كاملة في الوقت الحالي.
بينما يعتقد مواطنون أن الهدف من هذا الميناء هو فرض سيطرة إسرائيلية دائمة على البحر، حيث تتواجد حقول الغاز التي تم اكتشافها قبالة شواطئ غزة، وهذا يمهّد للسيطرة على تلك الحقول، وسرقتها، وحرمان سكان قطاع غزة من حقوقهم في ثرواتهم الطبيعية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف