- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2024-04-04
مازال قطاع غزة المحاصر يرزح تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتصاعد لليوم الـ180 على التوالي، بينما تتواصل المعاناة، وينتشر الموت والمرض في كل شارع وزقاق، ويعاني النازحون، خاصة الأطفال، من ويلات الحرب.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة من قلب العدوان، خاصة من مناطق جنوب ووسط قطاع غزة، منها مشهد يوثق تعرض مئات الأطفال لبتر أطرافهم، ومشهد آخر تحت عنوان: "بورصة السلع في زمن الحرب"، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان: "مدينة الأسرى.. أبراج شاهقة سُويت بالأرض"، ومشهد رابع يرصد ما تسبب به الاكتظاظ الهائل في رفح من تضاعف المعاناة، وقلة الخدمات.
أطفال بلا أطراف
خلّف العدوان الإسرائيلي المتصاعد على قطاع غزة، عدداً كبيراً من المعاقين، معظمهم من الأطفال، الذين فقدوا أحد أطرافهم أو أكثر، بسبب إصاباتهم جراء الغارات والهجمات الإسرائيلية.
فالمستشفيات التي مازالت تعمل بإمكانات متواضعة، تغص بعدد كبير من الأطفال الذين فقدوا أطرافهم، بينما غادر المئات منهم إلى المنازل، ليعيشوا رحلة عذاب سترافقهم طوال حياتهم، وآخرون سُمح لهم بالسفر لاستكمال العلاج والتأهيل في الخارج.
المواطن محمود ياسين، كان ينقل طفلاً من عائلته من أحد مستشفيات جنوب القطاع، عائداً إلى منزله، بعد أن اصطحبه إلى المستشفى لإجراء غيار على طرفيه المبتورتين، إذ كان الطفل المحمول بين أحضان قريبه يتألم ويصرخ.
وقال ياسين إن الطفل فقدَ والديه وعدداً من أشقائه، وبترت كلتا قدميه، وظل يعاني وضعاً صحياً حرجاً لفترة طويلة، حتى بدأ يتعافى، لكنه لا يزال يتألم، ويعاني في كل تفاصيل حياته.
وطلب الطفل يوسف الحطاب (13 عاماً)، من الأطباء الذين يعالجونه في مستشفى شهداء الأقصى، وسط القطاع، أن يزرعوا له رجلاً جديدة تمكنه من المشي مجدداً.
وأكد الطفل الحطاب، الذي فقد ساقه اليسرى وما زال يتلقى العلاج في المستشفى بعد قصف منزله، أنه يريد أن يمشي، ويعيش كما في السابق، ولا يرغب بالبقاء في السرير.
من جهته، أشار الطبيب محمد شاهين، الذي يعمل في مستشفى شهداء الأقصى بغزة، إلى أن الأطفال بحاجة لإعادة تأهيل ما بعد البتر، وترميم الجروح والأطراف، مبيناً أن العلاج أبسط حقوق الطفل المصاب، ويجب تأهيلهم ما بعد البتر كي يستطيعوا تركيب أطراف صناعية، ودمجهم في المجتمع وإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية.
وأوضح شاهين أن نحو 50% من الإصابات من الأطفال، ومعظمها بليغة ومنها بتر الأطراف العلوية والسفلية.
بدوره، ذكر المدير الإقليمي للإعلام في منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" عمار عمار، أن 1000 طفل في غزة بترت أطرافهم، مشيراً إلى أن المنظمة التقت بالعديد من هؤلاء الأطفال الذين عاشوا أوضاعاً مروّعة فيما يتعلق بالقصف الذي طال منازلهم، وفقدانهم عائلاتهم، وكذلك طرفاً من أطرافهم، وتعرضهم للنزوح عدة مرات للوصول إلى أماكن أكثر آمناً.
وقالت رئيسة لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة آن سكيلتون: "يفقد أكثر من 10 أطفال في المتوسط إحدى ساقيهم، أو كلتيهما يومياً في غزة، منذ بداية الحرب، وفق منظمة إنقاذ الطفولة.
بورصة السلع في زمن الحرب!
خلق التباين في وفرة السلع من يوم لآخر، فارقاً كبيراً في الأسعار من يوم يوم، ومن تاجر لتاجر. فأحياناً تجد سلعة ما متوفرة بكثرة، وأسعارها منخفضة إلى حد ما، ثم تعود بعد يوم واحد فتجد نفس السلعة شحيحة، وأسعارها مرتفعة، وهكذا.
وقال المواطن أحمد خضر إن الأسعار في أسواق رفح باتت أشبه بالبورصة تتغير كل ساعة، فعلى مدار أسبوع واحد انخفض سعر كيلو السكر من 75 شيكلاً إلى 8 شواكل، وهوت أسعار الدجاج من 80 شيكل للدجاجة الواحدة، إلى 22، ثم صعدت إلى 35 شيكل مرة أخرى.
وأوضح خضر أن ما يحدث في أسواق رفح يعد سلوكاً تجارياً غريباً وغير معهود، والمواطنون لا يعرفون متى يشترون، فمثلاً اشترى كمية من السكر عندما أصبح سعر الكيلو 20 شيكلاً، ظناً أنه سيرتفع مرة أخرى، فوصل الكيلو إلى 8 شواكل.
ولفت خضر إلى أنه سمع المواطنين يرددون مصطلح "بورصة"، على الكثير من أسعار البضائع التي يتذبذب سعرها من يوم لآخر.
وأرجع باعة وتجار حالة التذبذب الحاصلة في الأسواق إلى عدم استقرار عمل المعابر، وقلة شاحنات البضائع التي تصل، فالعرض والطلب بات متحكماً في الأسعار على نحو غير مسبوق، إضافة إلى قيام كبار التجار بإخفاء بعض السلع عمداً، عندما يعلمون أن الكميات التي ستصل منها محدودة.
وبيّن البائع عبد الله شراب، أنه خسر آلاف الشواكل بسبب هذا التذبذب، فاشترى السكر وزيت الطعام، عندما بدأت الأسعار بالانخفاض، ظناً أنها ستستقر أو تعود للارتفاع، لكن ما حدث كان عكس ذلك، إذ استمر الانخفاض.
وأوضح أنه باع جزءاً من بضاعته، وقرر الاحتفاظ بالباقي، بانتظار ارتفاع السعر مرة أخرى، دون أن يعلم إن كان هذا سيحدث مستقبلاً أو لا.
أبراج شاهقة سُويت بالأرض
لم يترك الاحتلال منذ بدء عدوانه الواسع على قطاع غزة مدينة أو قرية إلا أحدث بها دماراً وخراباً كبيراً، مع تركيزه بشكل كبير على المدن الحديثة، والواجهات الحضرية للمحافظات، مثل مدينة حمد، وأبراج الكرامة، ومنطقة الرمال، ومناطق أخرى.
وعلى مدار الأيام الماضية تعرضت مدينة الأسرى، شمال مخيم النصيرات، وسط القطاع، ذات الأبراج المرتفعة والجميلة، لعمليات تدمير واسعة، من خلال شن غارات جوية عنيفة، وتفجيرات تحت السيطرة تنفذها فرق هندسية بجيش الاحتلال.
ووفق مصادر متطابقة فقد دمّر الاحتلال 21 برجاً من أصل 24، بينما لحقت أضرار كبيرة بباقي الأبراج، ثم عادت ودمرت بقيتها.
وقال المواطن أحمد عوض الذي نزح من منطقة شمال مخيم النصيرات قبل عدة أيام، مع تصاعد القصف والغارات الجوية، ويقيم حالياً عند أحد الأقارب في مدينة رفح، إنه كان يشاهد أبراج الأسرى تتهاوى واحداً تلو الآخر، وتتحول إلى أكوام من الركام.
وأضاف: الأمر كان محزناً جداً، فتلك المدينة التي كانت تعد واجهة حضارية لشمال القطاع، ومعظم قاطنيها أسرى محررون، بعضهم ممن تم إطلاق سراحهم خلال "صفقة شاليت"، باتت أثراً بعد عين.
ونوّه عوض إلى أن الاحتلال استخدم مئات الأطنان من المتفجرات حتى يدمر تلك المدينة، فكانت الطائرات تسقط عليها قنابل كبيرة، تؤدي إلى انهيارها.
بينما قال المواطن تيسير عامر، إن تدمير الأبراج والمدن الحديثة تحول إلى سياسة إسرائيلية، فبعد أن كانت عمليات التدمير محدودة في الحروب السابقة، أصبحت الآن شبه شاملة، فعشرات الأبراج دُمرت في مدينة غزة والشمال، وأجمل المدن الحديثة جرى مسحها عن الخارطة، ولا أحد يعلم ما ستحمله الأيام المقبلة من دمار جديد.
الاكتظاظ في رفح يزيد معاناة النازحين
شكّل الاكتظاظ السكاني الهائل في محافظة رفح، ضغطاً كبيراً على الخدمات الشحيحة، وتسبب في معاناة المواطنين والنازحين، وخلق الكثير من المشكلات.
فإضافة إلى صعوبة الحصول على المياه الشحيحة، وندرة الخضراوات، هناك شح شديد في المواصلات، وازدحام في الأسواق، وضوضاء صاخبة في المدينة، إضافة إلى سلوكيات سلبية أرّقت المواطنين.
وقال المواطن أنس ربيع، وهو نازح من مدينة غزة، ويقيم في منطقة "الطيارة"، غرب رفح، إن الأخيرة مازالت تغص بمئات الآلاف من النازحين للشهر الخامس على التوالي، وكأن المُشاهد يشعر بأن كل قطاع غزة أصبح في رفح.
وذكر ربيع أن التنقل من مكان إلى آخر صعب جداً بسبب الازدحام، فإما أن يستقل الشخص مركبة عمومية توصله، وهذا صعب، أو يسير على أقدامه، لافتاً إلى أن المركبة تصل الى هدفها بعد وقت طويل من شدة الازدحام.
ولفت إلى أن الزحام الشديد في المنطقة التي يقطن فيها سرّع من انتشار الأوبئة والأمراض، خاصة مع شح المياه، وامتلاء الخيام بالنازحين، وغياب واضح للرعاية الصحية.
من جهته، قال المواطن إبراهيم عاشور، إن أكبر مشكلتين نجمتا عن الاكتظاظ المستمر في رفح، هما تكدس النفايات الصلبة بصورة غير مسبوقة، وانسياب مياه الصرف الصحي، وتشكّل برك المجاري في الشوارع.
وأوضح عاشور أن هذا الاكتظاظ بحاجة إلى مضاعفة الخدمات، وزيادة عدد عمال النظافة، وتوفير مأوى جيد للنازحين، لا تركهم، والإبقاء على نفس الخدمات التي كانت تقدم لـ250 ألف نسمة في السابق، ليتم تقديمها حالياً لنحو 1.4 مليون شخص.
وتساءل عاشور وغيره من المواطنين عن خطط الإجلاء التي يروّج لها قادة الاحتلال مع بدء عملية برية محتملة في رفح، موضحاً أن هذا العدد الرهيب من الناس لا يمكن نقله إلى منطقة أخرى في غزة، فمحافظة خان يونس مدمّرة، والمحافظة الوسطى مكتظة، والشمال ممنوع العودة إليه، معتقداً أن أي عدوان بري على رفح سيؤدي إلى مجزرة كبيرة، وشهداء بعشرات الآلاف.