ما زال قطاع غزة المحاصر يرزح تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتصاعد لليوم الـ208 على التوالي، بينما تتواصل المجازر، وتتعمق المعاناة، وينتشر الموت والمرض في كل شارع وخيمة، ويعاني النازحون، خاصة الأطفال، من ويلات الحرب.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة من قلب العدوان، خاصة من مناطق جنوب ووسط القطاع، منها مشهد يوثق موقف أهالي رفح المهددة بالاجتياح، والقاضي برفض النزوح عنها، ومشهد آخر تحت عنوان: "في كل خيمة حكاية وقصة ألم!"، ومشهد ثالث يرصد حالة القلق الواسعة، جراء الانتشار الكثيف لقذائف غير منفجرة في خان يونس، ومشهد رابع يوثق استيلاء الاحتلال على مبانٍ مدنية ومدارس ويحولها إلى ثكنات عسكرية.

رفح ترفض النزوح

مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية بقرب تنفيذ عملية برية في محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، تداعت العائلات في المحافظة، وأصدرت بياناً تؤكد فيه أن جميع القاطنين في رفح وحدوا موقفهم، بعدم مغادرتها أو النزوح عن منازلهم، حتى لو حاول الاحتلال إخلاءها قبل اجتياحها، وهم يفضلون الموت في بيوتهم وخيامهم، على النزوح لأي منطقة أخرى.
وأشار أهالي رفح في بيانهم، إلى أن المحافظة المكتظة ستشهد إبادة غير مسبوقة لمئات الآلاف من سكانها، في حال أقدمت قوات الاحتلال على الدخول إليها، مناشدين العالم الوقوف أمام مسؤولياته، لحماية المدنيين في أكثر مدن العالم ازدحاماً واكتظاظاً.
من جهته، أكد المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، أن مئات آلاف الفلسطينيين الذين نزحوا إلى رفح أقصى جنوب قطاع غزة، لا يجدون مكاناً آخر يلجؤون إليه، هرباً من هجوم عسكري إسرائيلي وشيك على المدينة.
وذكرت مسؤولة التطوير والاستراتيجيات في المرصد مها الحسيني، أن التهديدات الإسرائيلية المتواصلة باجتياح رفح، تمثل "إبادة ومذبحة أخرى" يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين هناك.
وأضافت الحسيني، إنّه لا يوجد أي مكانٍ آخر خارج مدينة رفح يُمكن تصنيفه بأنه "آمن" ليلجأ الناس إليه، كما تروّج سلطات الاحتلال، فكل الأماكن التي صُنفت مسبقاً "آمنة" تم استهدافها بشكلٍ مباشر، وأقرب مثال على ذلك منطقة المواصي، التي تضم عشرات الآلاف من النازحين.
ولفت نازحون يقيمون في محافظة رفح لـ"الأيام"، إلى أن الاحتلال يتعامل معهم مثل حجارة الشطرنج، ينقلهم بين مكان وآخر، وحين استقروا في محافظة رفح، يهددون الآن باجتياحها، ولا يوجد أي مكان يمكن أن يتوجه المواطنون إليه.

في كل خيمة حكاية
لم تكن الخيام المنتشرة في جميع أنحاء جنوب ووسط قطاع غزة، مجرد أماكن لإيواء النازحين، فقد تحولت تلك الخيام إلى رمز للمعاناة والألم، وفي كل خيمة هناك قصة ألم ومعاناة، وحلم بالعودة إلى المنزل.
وتكاد تكون قصص الخيام في العام 2024، مشابهة تماماً لحكايات الخيمة بعد العام 1948، فالحنين للأرض والبيت حاضر في المناسبتين، وكذلك الألم والحزن تكرر بصورة مشابهة بعد نحو 76 عاماً.
المواطن أسامة هاشم (56 عاماً)، كان يجلس أمام خيمته التي أقامها غرب رفح، وعلامات الحزن بادية على وجهه، ينظر تارة إلى أبنائه وأحفاده الجالسين حوله، وتارة إلى السماء، وقال، إنه أُجبر على النزوح عن منزله الكائن غرب مدينة غزة في تشرين الثاني الماضي، ومنذ ذلك الوقت وهو يحلم بالعودة إلى بيته، أو على الأقل إلى المدينة التي ولد وعاش فيها عقوداً.
وبيّن أنه خرج من غزة يحمل الألم والقهر، فقد استشهد أحد أبنائه هناك، وهُدم جزء من بيته، كما دُمرت منازل جيرانه وأصدقائه، وشاهد مدينة غزة وهو خارج منها تتعرض للتدمير، وما زال يسمع أخباراً مفجعة وصادمة كل يوم.
بينما قال المواطن أحمد سلطان، إنه كلما يستيقظ في الصباح وينظر إلى الأعلى ويجد قماش الخيمة يشعر بالحزن والقهر على ما وصل إليه حاله، وحال المواطنين في قطاع غزة.
ونوّه إلى أنه جاء للخيمة بعد أن فقد كل شيء في شمال القطاع، المنزل، والمال، والولد، وها هو يقيم فيها منذ نحو خمسة أشهر، ولا يعلم إن كان سيبقى في خيمته، أم سيهجر كما هجر أجداده.
وأكد أن سكان الخيام يعيشون في قهر وحزن كبيرين، وكلما استمرت الحرب أكثر زاد همهم، وتراجعت معنوياتهم، والجميع يتوقون لليوم الذي يُعلن فيه عن نهاية الحرب، ويُفتح الباب أمام عودتهم إلى مناطق سكناهم من جديد.

قذائف غير منفجرة
خلّف جيش الاحتلال بعد انسحابه من محافظة خان يونس جنوب القطاع، مستوى عالياً جداً من الدمار والخراب، كما ترك خلفه مئات القنابل والقذائف غير المنفجرة، التي ملأت شوارع وأحياء وأزقة المحافظة.
"الأيام" رصدت الانتشار الواسع لتلك القذائف والقنابل، والتي وصل وزن بعضها إلى أكثر من طن، وأخرى كانت عبارة عن قذائف دبابات، وقذائف هاون، وصواريخ، وأعيرة نارية من عيارات مختلفة، إضافة إلى ألغام وقنابل يدوية.
وأكد مواطنون حاولوا العودة إلى منازلهم في خان يونس، أن الوضع هناك مرعب، فلا يكاد يخلو شارع أو حي من تلك القذائف، التي باتت تشكل أكبر خطر يتهدد المواطنين العائدين إلى بيوتهم.
وقال المواطن ياسر عوض الله، إنه تراجع كلياً عن فكرة العودة إلى منزله في خان يونس، رغم أنه ما زال قائماً، ويمكن إصلاح أضراره، بسبب وجود قنبلة كبيرة تحت المنزل، أُسقطت من طائرة حربية ولم تنفجر.
وأشار إلى أن المواطنين مرعوبون من تلك القذائف، وبعضها داخل المنازل، ولا أحد يستطيع فعل شيء، وهناك غياب للجهات المعنية، من أجل رفعها أو نقلها.
من جهته، قال المواطن يوسف عوض، إن ما يحدث ليس صدقة، بل هو أمر مقصود من قبل الاحتلال، والدليل على ذلك وجود مقذوفات وألغام، لم يتم إطلاقها، وتركت عمداً داخل البيوت وفي الشوارع، وهي تشكل خطراً كبيراً على حياة المواطنين، وربما تكون كمائن، تهدف إلى قتل المواطنين لاحقاً.


"المطبخ العالمي المركزي"


وزعت منظمة "المطبخ العالمي المركزي" الخيرية الدولية، أمس، وجبات طعام على العائلات النازحة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
ومطلع نيسان المنصرم، استهدف جيش الاحتلال قافلة "المطبخ العالمي" بمدينة دير البلح، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص يحملون جنسيات أستراليا وبولندا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا وفلسطين.
بعد ذلك أعلنت المنظمة تعليق عملياتها لنقل المساعدات الإنسانية في غزة، معربة عن شعورها "بالصدمة" لمقتل 7 من أعضاء فريقها في غارة للجيش الإسرائيلي على غزة.
والأحد الماضي، أعلنت "المطبخ العالمي" استئناف عملياتها بقطاع غزة رغم "الحزن" على مقتل 7 من موظفيها أخيرا في هجوم إسرائيلي.
وقال النازح أشرف السلطان: "منظمة المطبخ العالمي تقدم لنا المساعدات الجيدة، لكن الفترة الماضية توقفت وهذا أثر سلبا علينا".
وأضاف: "نشكر جهود تلك المنظمة للعودة إلى تقديم المساعدات للنازحين في قطاع غزة الذين يعيشون أوضاعا صعبة".
واعتبر السلطان أن استهداف إسرائيل كوادر المنظمة العاملة في قطاع غزة يضر بالنازحين ويوقف تقديم العون والمساعدة لهم.
وبعد استئناف عملها في غزة، شددت المنظمة الدولية في بيان الأحد، على أن "الوضع الإنساني في غزة لا يزال مأساويا، وبالتالي فإنها تستأنف عملياتها بالتركيز على إطعام أكبر عدد ممكن من الأشخاص".

عيادات وصيدليات مجانية


تفاقمت أوضاع النازحين الطبية بشكل كبير بالتزامن مع صعوبة الوصول إلى المستشفيات، لا سيما بمناطق النزوح في مواصي رفح وخان يونس.
وتنتشر عشرات الآلاف من الخيام في تلك المنطقة، التي تؤوي مئات آلاف النازحين، غالبيتهم من الأطفال الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية، في ظل انتشار الأوبئة والأمراض.
وقال أطباء، إنهم ارتأوا إقامة عيادات لتلبية احتياجات النازحين، لا سيما أن هذه العيادات مقامة وسط الخيام وليست بعيدة عن أماكن النزوح.
وأشار الطبيب ماهر حمدان إلى أنه سعيد بتنفيذ فكرة إقامة عيادة تساعده فيها ممرضة نازحة، وذلك لتقديم الكشف الطبي ووصف العلاج.
ولفت إلى أن الكثير من المواطنين يحتاجون إلى تلقي خدمة الكشف الطبي، ويصعب عليهم التوجه إلى المستشفيات، خاصة أن أماكن نزوحهم تبعد أكثر من 15 كيلومتراً عن أقرب مستشفى، مشيراً إلى أن فكرة إقامة العيادة كانت صائبة وتشهد إقبالاً.
يشار إلى أن غالبية المؤسسات الصحية الأهلية تقيم نقاطاً طبية في أماكن محددة بمناطق النزوح.
أما الطبيب خالد الريس، الذي كان يمتلك عيادة خاصة في مدينة غزة، فقال، إنه يدير عيادة مقامة في مواصي خان يونس على مساحة 20 متراً مربعاً، واستطاع شراء معدات طبية متواضعة لكي يقدم خدمات طبية للنازحين في المنطقة.
وبيّن أنه بذلك يسهم في تقديم خدمة مجانية للمواطنين المحتاجين، مؤكداً أنه لا يتلقى أي عوائد مادية.
ويقدّم غالبية الأطباء خدماتهم بشكل مجاني وآخرون يتلقون عوائد مالية رمزية لتغطية النفقات فقط.
ولا تقتصر إقامة العيادات وسط مراكز النزوح، بل يحاول أطباء إقامتها وفق تخصصاتهم المختلفة، ففي منطقة خان يونس التي تكتظ بالنازحين، يقيم أحد الأطباء عيادة للعيون وفحص النظر، وآخر لتقديم خدمات محدودة في طب الأسنان، كما يقيم مختصون بمجال العلاج الطبيعي عيادات لتقديم الخدمات بشكل يدوي فقط، ودون استخدام الأجهزة المتعلقة بالعلاج الطبيعي. ويتعاون هؤلاء غالباً مع أطباء عظام في تقديم مثل هذه الخدمات.
كما يقيم صيادلة نقاطاً لبيع الأدوية عبر إقامة خيام كتب عليها صيدلية. وقال بعضهم لـ"الأيام"، إنهم يحاولون توفير الأدوية بأسعار مخفضة، غير تلك المتوفرة في النقاط الطبية التي توزع مجاناً.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف