بعد مرور 212 يوماً على العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع، يواصل الاحتلال تكثيف وتعميق هجماته الجوية، ويُمعن في مفاقمة معاناة المواطنين، مستخدماً أساليب حربية ونفسية متنوعة.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة من العدوان، منها مشهد يرصد متابعة النازحين مفاوضات الصفقة ووقف إطلاق النار، وسط تفاؤل حذر، ومشهد آخر يوثق عودة بعض المزارعين إلى تخضير أراضيهم تحت فوهات المدافع، ومشهد ثالث تحت عنوان: "البحث عن مكان صالح للسكن في المنزل"، ومشهد رابع حمل عنوان: "مبادرات شبابية لتنظيف الأحياء التي انسحب منها الاحتلال".

نازحون يترقبون مفاوضات الصفقة
يتابع المواطنون والنازحون الأخبار والتفاصيل المتعلقة بمفاوضات التهدئة، وسط حالة من الترقب التي يتخللها تفاؤل حذر، مع تصاعد المخاوف باجتياح رفح.
وأكد نازحون لـ"الأيام" أنهم لا يعولون كثيراً على مفاوضات الصفقة الحالية، ويعتقدون أنها حتى لو تقدمت سيقوم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بعرقلتها وتخريبها حتى في آخر لحظة، كما حدث في السابق.
وأشار المواطن أيمن صالح، وهو نازح من مدينة غزة، ويقيم في محافظة رفح، إلى أنه ورغم شعوره بأن هناك جدية عالية في المفاوضات، التي تديرها مصر والولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه يعتقد بأن نتنياهو سيغلب مصالحه الشخصية وخوفه من انهيار حكومته على أي شيء آخر، لذلك لا يستبعد انهيار المفاوضات، خاصة أنه أعلن بوضوح أنه عازم على اجتياح رفح، وهدف ذلك طبعاً تخريب الصفقة.
وقال، إن الإصرار الإسرائيلي على فرض هدنة مؤقتة يتضمن مخاطر باستمرار الحرب أشهراً طويلة، لذلك يجب رفض هذا الطرح، فإسرائيل بحاجة إلى هذه الهدنة لتخفيف الضغط المحلي والعالمي، ويجب عدم منحها هذه الفرصة.
من جهته، قال المواطن يوسف الخطيب، إنه يتوق لليوم الذي يعود فيه إلى بيته شمال قطاع غزة، وينتهي هذا الكابوس، ويتابع باستمرار كل ما يتعلق بمفاوضات وقف إطلاق النار، وشعر بتفاؤل بعد أن علم أن مصر وأميركا تقودان المفاوضات هذه المرة، لكنه يعتقد أن نتنياهو يقف وسيقف سداً منيعاً أمام نجاح المفاوضات.
وذكر أن نتنياهو بات يحوّل اجتياح رفح إلى ورقة ضغط، فكلما اقتربت المفاوضات من مرحلة الحسم هدد بدخول المدينة، مشيراً إلى أنه يعلم بأن دخول رفح سيكلفه كثيراً على المستوى الدولي، وسيقلب العالم عليه، لذلك من الصعب التكهن بتصرف شخص بات على مفترق طرق خطير.
ودعا الخطيب المواطنين إلى عدم الإفراط في التفاؤل، تجنباً لخيبات متوقعة، كما حدث في جولات التفاوض الماضية.

الزراعة تحت فوهات المدافع
أجبر العدوان الطويل، وحياة الفقر التي عانى منها المزارعون، بعضهم على التخلي عن خوفهم وحذرهم، وعادوا لاستصلاح وزراعة أراضيهم أو جزء منها، رغم وقوع بعض الأراضي في مناطق خطرة، أو خطورة تعرضهم لنيران الطائرات المُسيّرة، التي لا تغادر الأجواء.
فقد عادت بعض البقع الخضراء تظهر من جديد في مناطق شرق محافظتي رفح ووسط القطاع، وفي محيط منطقة المواصي، وغيرها من المناطق.
وبيّن مزارعون أن قرار العودة لاستصلاح أراضيهم وزراعتها، من أخطر وأصعب القرارات، لكن لا يمكنهم البقاء في البيوت دون عمل، وقد نهشهم الفقر وعائلاتهم.
وقال المزارع أحمد جراد، إنه ورغم عدم مواءمة الظروف للزراعة، ووجود عشرات العقبات والصعوبات، منها ندرة البذور والأسمدة، وصعوبة الحصول على المياه لري المزروعات، وخطورة الوضع، إلا أنه لم يجد بداً من العودة إلى زراعة أرضه من جديد، التي تبعد نحو كيلومتر واحد عن خط التحديد، وقد فعل منذ نحو الشهر، وكل مرة يتوجه إلى الأرض يودع عائلته، خشية ألا يعود إليهم حياً.
ولفت إلى أنه يواصل رعاية محصوله "البندورة"، على أمل أن يتمكن من جنيه وبيعه في السوق، وهو لا يعرف إذا كان سيتمكن من ذلك فعلاً أم أن الأمور ستتدهور ويضطر لترك المحصول قبل جنيه.
وأوضح جراد أن أسعار الخضراوات المرتفعة حفزت بعض المزارعين على العودة لاستصلاح أراضيهم رغم الخطر والصعوبات، لافتاً إلى أن عشرات المزارعين قضوا بقذائف الدبابات ونيران الطائرات المُسيّرة، خلال تواجدهم فيها، رغم ذلك يحاول آخرون ولا يستسلمون، خاصة مع طول مدة العدوان.
ووفق تجار وباعة في الأسواق، فإن إنتاج قطاع غزة من الخضراوات حالياً لا يزيد على 7% مما كان قبل العدوان، وهناك اعتماد شبه كلي على استيراد الخضراوات من مصر، والأسعار تتذبذب حسب الكميات التي تتوفر في الأسواق.

البحث عن مكان صالح للسكن في المنزل
شعر الكثير من المواطنين بسعادة كبيرة وارتياح بعد أن وجدوا منازلهم التي نزحوا عنها مكرهين بسبب العدوان لا تزال قائمة، وأنها نجت مع قلة أخرى من البيوت من حملة التدمير الأوسع.
لكن رغم الفرحة، إلا أن غالبية المنازل الناجية إن لم تكن جميعها، أصيبت بأضرار بالغة، وباتت غير صالحة للسكن. لكن رغم ذلك، يحاول مواطنون، خاصة من سكان محافظة خان يونس، البحث عن أقل المناطق تضرراً وإعادة تأهيل ولو غرفة واحدة في المنزل تصلح لإقامة العائلة.
وقال المواطن يوسف نعيم، إنه نزح عن منزله في محافظة خان يونس في كانون الأول الماضي، وقد شعر بارتياح وفرحة حين عاد إلى المنطقة التي قطن فيها، ووجد المنزل ما زال قائماً كبناء، رغم الضرر الكبير الذي لحق به.
وأوضح أنه يعمل في البيت منذ نحو أسبوع، يزيل الركام، ويُصلح الأبواب المدمرة، ويحاول ترميم بعض الجدران، ووضع النايلون مكان النوافذ المدمرة.
وبيّن أنه بعد عمل مستمر، استطاع تجهيز غرفة حتى تقيم فيها العائلة، موضحاً أن الإقامة في غرفة مسقوفة بالخرسانة، ولها جدران، أفضل بألف مرة من البقاء في خيمة.
وأشار إلى أنه ورغم تجهيز الغرفة، إلا أنه من المبكر العودة للإقامة في محافظة خان يونس، بسبب تدمير كل مقومات الحياة هناك، وعدم وجود مياه، ولا خطوط صرف صحي.
بينما قال المواطن أحمد موسى، إن مَن يجد منزله ما زال قائماً يعد نفسه من المحظوظين، بسبب كم الدمار الهائل في محافظة خان يونس، لافتاً إلى أن بيت عائلته ما زال قائماً، رغم الضرر الكبير جداً الذي حل به، هو وأشقاؤه يحاولون ترميم ما استطاعوا، وإيجاد مكان صالح للإقامة، متمنياً أن تقف الأمور عند هذا الحد، ولا يعود الاحتلال إلى محافظة خان يونس، لتدمير ما تبقى فيها من منازل.

مبادرات شبابية لتنظيف الأحياء
إضافة إلى الدمار الكبير في المساكن والبنية التحتية، خلّف الاحتلال بعد انسحابه من الأحياء التي اجتاحها كميات كبيرة من الركام، أدت إلى إغلاق الشوارع، ومنعت عودة من بقيت مساكنهم قائمة إليها، كما حالت دون إصلاح الأضرار في خطوط المياه والصرف الصحي.
شبان وفتية في حي الشجاعية في مدينة غزة أطلقوا واحدة من أكبر مبادراتهم، إذ انطلق المشاركون في المبادرة، وعملوا على تنظيف الشوارع، وإعادة فتحها، وإزالة الركام، كما عملوا على فتح مداخل البيوت التي ما زالت قائمة، وهيؤوا مساحات خالية بجوار المنازل المدمرة، لإتاحة المجال لسكانها إقامة خيام، أو أكشاك فيها.
وذكر مشاركون في المبادرة أن الأخيرة تمثل جانبين؛ الأول مساعدة الناس في العودة للحي المدمر، والثاني رسالة تحدّ للاحتلال، أنه مهما دمر وخرّب فسكان غزة باقون في أحيائهم وبيوتهم، وسيعيدون بناءها أجمل مما كانت.
وانطلقت مبادرات مماثلة في مناطق أخرى من قطاع غزة، منها محافظة خان يونس، التي بادر شبان بتنظيف الشوارع، وإعادة فتحها، في حين حاول آخرون تنظيف مسارات خطوط المياه المدمرة، في محاولة لإعادة إصلاحها من جديد.
وقال المواطن محمد بربخ، من سكان المحافظة، إن المواطنين هناك ورغم الدمار، لديهم رغبة كبيرة في العودة إلى بيوتهم، حتى وإن كانت مدمرة، لذلك تعاونوا وتكاثفوا لتهيئة الظروف للعودة، ونظفوا الشوارع، وأزالوا الركام بأيديهم، والعمل متواصل هناك على قدم وساق.
وأكد أنه لمس روح تعاون جميلة بين الناس، فالعدوان ورغم قسوته، أعاد للواجهة ظواهر جميلة كانت شبه اختفت، وقوّى أواصر الترابط الاجتماعي، وأحيا مفاهيم العمل التطوعي، وجعل الناس كلهم يداً واحدة، من أجل استعادة حياتهم التي يحاول الاحتلال تدميرها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف