خرج بعض الطلبة الذين اعتقلتهم الشرطة أثناء فض اعتصام بحرم جامعي في دنفر بولاية كولورادو الأميركية من الحجز، واستقبلهم زملاؤهم من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين بالهتاف والتهليل، ولوح عدد منهم بأوراق صفراء تحمل أوامر استدعاء، معتبرين إياها رايات نصر صغيرة وحثوهم على الحفاظ على زخم الاحتجاج.
والسؤال الأساسي الآن بالنسبة للمحتجين، وإدارات الجامعات والشرطة، هو مدى استمرار قوة وزخم التظاهرات التي نظمها طلاب بسبب الحرب على قطاع غزة، بعد انتهاء مراسم وحفلات التخرج واقتراب العطلة الصيفية، وتفكيك أغلب مخيمات الاعتصام والاحتجاج في دنفر وعشرات الجامعات بأنحاء الولايات المتحدة.
ويقول طلاب مشاركون في الاحتجاجات بكل حماس: إنهم سيستمرون في تحركهم لحين تلبية إدارات جامعاتهم لمطالبهم، التي تشمل وقف إطلاق النار الدائم في قطاع غزة وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة والشركات الأخرى المستفيدة من الحرب، وأيضاً العفو عن الطلاب وأعضاء هيئات التدريس الذين اتخذت بحقهم إجراءات تأديبية أو فصلوا بسبب الاحتجاج.
ويقول أكاديميون معنيون بدراسة حركات الاحتجاج وتاريخ العصيان المدني: إنه من الصعب الحفاظ على طاقة وجود الطلبة في الحرم الجامعي إذا لم يعد هناك ما يستدعي حضورهم.
لكنهم أشاروا أيضاً إلى أن التظاهرات الجامعية هي أسلوب واحد في الحركة الأوسع المؤيدة للفلسطينيين الموجودة منذ عقود، وأن العطلة الصيفية ستوفر الكثير من الفرص لانتقال ذلك الزخم الذي بدأ في الجامعات إلى الشوارع.

إما تطور أو تلاشٍ
شاهدت دانا فيشر، وهي أستاذة في الجامعة الأميركية بواشنطن العاصمة، ألفت عدداً من الكتب تناولت التحركات الشعبية والنشطاء، بعض طلابها بين المتظاهرين في حرم الجامعة.
وأشارت إلى أن الحركة الجامعية انتشرت في جميع أنحاء البلاد؛ رداً على استدعاء الشرطة إلى داخل حرم جامعة كولومبيا في 18 نيسان، عندما اعتقلت السلطات أكثر من مئة. وتقول منظمة (ذا أبيل) الإخبارية غير الربحية: إنه منذ تلك الواقعة تم اعتقال ما لا يقل عن 2600 متظاهر في أكثر من مئة احتجاج في 39 ولاية والعاصمة واشنطن.
وقالت فيشر: "لا أرى بنية تحتية تنظيمية كافية لدعم استمرار مجموعة من الشباب المشاركين في الحركة في وقت عدم تواجدهم داخل الحرم الجامعي. إما أن تتطور الحركة تطوراً ملحوظاً أو أنها لن تتمكن من الاستمرار".
وبعد موجة الاعتقالات الأولى في كولومبيا، اعتصم الطلاب هناك في مبنى دراسي في تصعيد للاحتجاج أدى إلى المزيد من الاعتقالات. وشهدت دنفر وقائع مماثلة إذ ألقت الشرطة في 26 نيسان القبض على 45 في مخيم احتجاجي بحرم أوراريا الجامعي الذي يخدم ثلاث جامعات.
ثم في الثامن من أيار، نظم المتظاهرون في حرم أوراريا اعتصاماً لم يستمر لفترة طويلة داخل مبنى علوم الفضاء والهندسة، والذي جاء جزء من تمويل تطويره من منحة بقيمة مليون دولار من شركة لوكهيد مارتن لتصنيع الأسلحة.
ويقول طلاب في دنفر: إن انتشار حركة الاحتجاج من سواحل البلاد إلى وسطها وإلى جامعات أصغر يظهر أنها تملك قوة للاستمرار. وشهدت دول أخرى أيضاً احتجاجات مماثلة نظمها طلبة في جامعاتها.
وفي حرم أوراريا، قال طالب يدعى ستيف يبلغ من العمر 21 عاماً، رفض الكشف عن اسمه بالكامل خوفاً من التعرض لإجراءات عقابية: "سنواصل احتجاجاتنا واعتصامنا لحين تلبية مطالبنا مهما استغرق ذلك من وقت. سنكون هنا خلال العطلة الصيفية وحتى الخريف المقبل إذا لزم الأمر".
وقالت فيشر: إن تعامل الشرطة مع الاحتجاجات ساعد في تحفيز الميل للمشاركة في الفاعليات والتحركات لدى جيل جديد من الطلاب. وتعتقد أن التظاهرات الحالية في الحرم الجامعي تنبئ "بصيف طويل ساخن من الاحتجاج" حول الكثير من القضايا.
وترى فيشر أن المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في تموز، والمؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في آب، سيكونان من بين فرص سانحة لتنظيم احتجاجات حاشدة.
وأضافت فيشر: "تصاعدت المخاطر، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تعامل الشرطة بطريقة أكثر عنفاً وقمعاً مما تعاملت به في الستينيات"، في إشارة إلى احتجاجات قادها طلاب وقتها على حرب فيتنام.
وتابعت قائلة تعليقاً على أن تلك الأحداث تقع أيضاً في عام الانتخابات وما قد ينتج عن ذلك من تطورات ساخنة محتملة: "وفي وسط كل ذلك الانتخابات الرئاسية؟ إنها وصفة جنونية".

مدينة أشباح
يقول مايكل هيني، وهو محاضر سياسة أميركي بجامعة غلاسكو في أسكتلندا تركز أبحاثه وكتبه على حركات الاحتجاج الأميركية: إن التظاهرات في الجامعات مجرد أسلوب وتكتيك واحد في التحرك الأوسع لدعم الفلسطينيين، وهو جهد مستمر يعود إلى عقود مضت.
وأضاف هيني: إن انتشار فكرة إقامة مخيمات اعتصام واحتجاج داخل الجامعات على نطاق جغرافي واسع لتظهر في أماكن مثل جامعة دنفر، يشكل فرصة لإيصال رسالة الحركة الأوسع إلى مناطق لم تصل إليها من قبل.
وتابع: "الاحتجاجات بالنسبة لأي تحرك تكون على حلقات" مثل موجات عرضية واستشهد على ذلك بالمظاهر المختلفة لحركة الحقوق المدنية للأميركيين من أصل أفريقي في الولايات المتحدة، والتي تعود إلى مئتي عام. وأوضح أن انتهاء احتجاج في وقت من الأوقات لا يعني بالضرورة أن ذلك التحرك تلاشى بشكل عام.
وقال: إن ظهور احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في مدن أميركية هذا الصيف يمكن أن يتزايد إذا استمر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، وإن التحرك الجامعي واسع الانتشار سيشكل دفعة لمثل تلك التظاهرات.
وبينما تم فض اعتصام الطلبة وإخراجهم من البناية الدراسية في حرم أوراريا بجامعة دنفر، لا تزال هناك نحو 75 خيمة في ساحته العشبية، حيث يقول محتجون: إنهم يقدمون 200 وجبة يومياً في خيمة كبيرة تحولت لقاعة طعام. وقال جاكوب (22 عاماً)، وهو أحد منظمي الاحتجاج الطلابي: إنه مقتنع بأن الحقائق على الأرض في غزة هي التي ستدفع إلى بقاء واستمرار مخيم الاحتجاج.
وأضاف: "بعد التخرج ربما يصبح هذا الحرم الجامعي مدينة أشباح، لكننا سنظل هنا. لن نذهب إلى أي مكان".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف