مضى 221 يوماً على العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وما زالت آلة الحرب الإسرائيلية تعيث دماراً وقتلاً في جميع مناطق القطاع، والحصار يفتك بالسكان، ويتزايد عدد النازحين بشكل يومي.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من العدوان المستمر، منها مشهد يرصد أزمة مركبات النقل وارتفاع كلفة نقل النازحين من رفح، ما اضطر البعض إلى الفرار مشياً على الأقدام، ومشهد آخر تحت عنوان: "الخوف على المنزل والممتلكات، شعور يتملك النازحين من رفح"، ومشهد ثالث يوثق توقف توزيع المساعدات، ومخاوف المواطنين والنازحين من أزمة غذاء، ومشهد رابع بعنوان "لقمة عيش مغمسة بالدم".

أزمة في مركبات النقل
مع تواصل النزوح من محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، وخروج آلاف العائلات يومياً محمّلة بالأثاث والحاجيات، وشح الوقود الخاص بالمركبات، باتت هناك أزمة خانقة في المركبات بمختلف أنواعها، وأصبح الراغبون في النزوح لا يجدون شاحنة أو مركبة، أو حتى دراجة "توك توك"، لنقلهم إلى محافظة خان يونس، أو مدينة دير البلح.
وقال المواطن محمد بشير، وهو نازح من محافظة رفح، ووصل إلى مدينة خان يونس برفقة عائلته مشياً على الأقدام، إنه بقي في منزله على مدار يومين كاملين، تحت وابل القذائف وعمليات القصف، ولم يستطع النزوح بسبب عدم وجود شاحنات أو مركبات لنقله.
وبيّن أن أقل مركبة تحتاج بين 1000 و1500 شيكل لنقل عائلته من رفح إلى خان يونس، وهذا مبلغ كبير جداً، يفوق إمكاناته في ظل الوضع الحالي.
وأشار إلى أنه وأمام الوضع الصعب، لم يكن أمامه خيار سوى النزوح، أو الموت في المنزل، لذلك جلب وعائلته أهم الحاجيات، ووضعوها في حقائب، وحملوها على ظهورهم، وغادروا مشياً على الأقدام من شرق رفح الى الشريط الساحلي غرباً، ثم اتجهوا إلى مناطق غرب محافظة خان يونس، وهم لا يعرفون أين يذهبون، وماذا سيفعلون.
وذكر أنهم باتوا ليلتين في الشارع وسط العراء، وما زالوا يحاولون توفير خيمةـ، أو أي مكان يقيمون فيه.
وأكدت الناشطة ابتهال عبد الله، أنها اتفقت مع مجموعة من النشطاء على تبني حملة لمساعدة الراغبين في النزوح، إما بتوفير مبلغ مالي كأجرة مركبة تقلهم، أو توفير مركبات ودراجات لنقلهم إلى حيث يريدون بشكل مجاني.
وأوضحت عبد الله أنها تعلم جيداً صعوبة الوضع، وحال الناس، فالبعض قد يبقون في منازلهم ويكونون عرضة للموت فيها، بسبب عدم امتلاكهم أجرة النقل، أو لعدم قدرتهم على توفير وسيلة مواصلات تقلهم إلى خان يونس، داعية الجميع إلى التكاثف والتلاحم في ظل الظروف القاهرة التي يعيشها المواطنون في الوقت الحالي.

الخوف على المنازل والممتلكات
رغم تمكّن مئات آلاف المواطنين من النزوح عن مساكنهم في محافظة رفح، والوصول الى خان يونس، غير أنهم مازالوا يحملون مشاعر الخوف والقلق على مصير بيوتهم، وممتلكاتهم التي تركوها خلفهم.
وتسببت مشاهد الدمار الواسعة في خان يونس، في زيادة مشاعر الخوف والقلق لدى النازحين من رفح، خشية أن تواجه الأخيرة نفس مصير جارتها من الدمار.
وقال المواطن أحمد الزاملي، إنه نزح عن منزله الكائن شرق رفح، وأخذ معه القليل من الأمتعة والاحتياجات الطارئة، التي قد يستخدمونها في رحلة النزوح، وترك خلفه المنزل، والأثاث، ومحلاً تجارياً، وممتلكات أخرى.
وأشار إلى أنه كلما سمع أصوات الانفجارات القادمة من رفح، وشاهد من مكان نزوحه أعمدة الدخان تتصاعد، شعر بالخوف والقلق، فجسده في خان يونس، وقلبه وعقله في رفح.
وبيّن أن المنزل ليس مجرد جدران، فهو يحمل تفاصيل وذكريات عائلته، وهو المكان الذي يمثل عالم عائلته الخاص، وفي حال تعرض للتدمير فإنهم سيواجهون مصيراً قاسياً وصعباً.
وأوضح أن الشعور نفسه يتملك غالبية المواطنين النازحين إلى خان يونس، والبعض يجرون اتصالات لعلهم يحصلون على معلومات لما يحدث في محيط مساكنهم، التي تتواجد في قلب مناطق يسيطر عليها جيش الاحتلال، خاصة مع توارد أنباء عن قصف عشرات المنازل، وتفجير مربعات سكنية.
من جهته، قال المواطن رائد زكريا، إن الخوف الأكبر من أن يتم مسح مربعات سكنية في رفح كما حدث في خان يونس، والانفجارات التي يسمعونها على مدار الساعة، وسحب الدخان المتصاعدة من رفح لا تبشر بخير.
وأكد زكريا أن النازحين قلقون على مصير منازلهم، بعد أن أُجبر الجميع على تركها عنوة، على وقع القصف والغارات المتواصلة، مع خوفهم من أن تطول مدة العدوان على رفح، وبالتالي طول فترة النزوح والمعاناة.

توقف توزيع المساعدات
مر نحو 10 أيام على الإغلاق الشامل لمعبري رفح وكرم أبو سالم، ومنع الاحتلال دخول المساعدات والمواد الغذائية لقطاع غزة، بل حصار مئات الأطنان من المساعدات المتواجدة في مخازن تابعة لعدة مؤسسات شرق مدينة رفح، وتعذر الوصول إليها أو نقلها، بسبب تواجد الآليات بالقرب منها.
وجراء هذا الوضع، توقفت عمليات توزيع المساعدات على المواطنين بشكل كلي، سواء من وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، أو مؤسسات أخرى، كما بدأت الكثير من أصناف المواد الغذائية تتناقص من الأسواق، وأسعارها ترتفع بشكل ملحوظ.
ولفت المواطن إبراهيم الكرد، وهو نازح من محافظة رفح، ويقيم في خيمة شمال غربي خان يونس، إلى أن توقف توزيع المساعدات جاء في أكثر الأوقات صعوبة وحساسية، فالنازحون خرجوا من بيوتهم لا يحملون سوى القليل من المواد الغذائية والأمتعة، وهم بأمسّ الحادة للطعام والفراش والأغطية والخيام، وكل شيء.
وأشار الكرد إلى أنه اضطر لشراء بعض المواد الغذائية الأساسية بأسعار عالية، وبدأ يومياً يلاحظ تناقصاً في الكميات المعروضة، ومزيداً من الارتفاع على الأسعار، معرباً عن خشيته من أن يتطور الأمر بصورة سلبية، وصولاً إلى أزمة غذاء تعصف بقطاع غزة.
أما النازح عمر موسى، فقال إن تأثيرات الحصار بدت واضحة على أسواق القطاع، وعلى النازحين سواء الجدد أو القدامى، فمعسكرات بأكملها كانت تعتمد على المساعدات الغذائية و"تكايا" الطعام، لكن الآن الوضع تغيّر، وتراجعت عمليات التوزيع، وبدأت "التكايا" بالتوقف، وهناك أزمة غاز، وأزمة مواصلات، والأمور عادت إلى نفس مربع الحصار الأول مع بداية العدوان.

لقمة مغمّسة بالدم
دفعت الظروف المعيشية الصعبة، وحالة الفقر المدقع التي يعيشها سكان قطاع غزة، بعض الفئات للعودة إلى مهنهم وأعمالهم، رغم الخطورة الشديدة على أرواحهم.
فقد عاد صيادون إلى ممارسة عملهم في بحر القطاع، الممتلئ بالزوارق والقطع الحربية الإسرائيلية، ويدخلون البحر بصورة شبه يومية، محاولين الحصول على رزقهم، رغم أن العشرات استشهدوا وأصيبوا جراء استهدافهم وهم يعملون في البحر.
وقال الصياد خليل النجار، إن نحو 7 أشهر من الجلوس في المنازل، حولت الصيادين إلى فقراء، وهذا دفع الكثير منهم للمغامرة بحياتهم، والبحث عن قوتهم، حتى لو كان وسط الخطر والموت.
وأكد النجار أن أسعار الأسماك حالياً عالية جداً، وتتراوح بين 80 و120 شيكلاً لكل كيلوغرام، وهذا يدفع الصيادين للمخاطرة والمغامرة.
وأوضح أن الصيادين يحاولون تحيّن الفرص المناسبة لدخول البحر، وينتظرون تراجع الزوارق وتحركها، لكن رغم ذلك لا يكاد يمر يوم دون حادثة أو أكثر يتعرض لها الصيادون، جراء إطلاق قوات الاحتلال النار عليهم، فيستشهد بعضهم ويصاب آخرون بجروح.
بدوره، أشار المواطن عبد الله السطري، إلى أنه عاد إلى العمل في مهنة الزراعة مكرهاً، رغم الخوف والموت الذي يتربصه في كل لحظة.
وذكر أن بعض ملاك الأراضي عادوا لاستصلاح أراضيهم بشكل جزئي، في محاولة لتوفير قوت أبنائهم، وهم بحاجة إلى عمال للعمل فيها وهو من بينهم، مؤكداً أنه وباقي العمال في هذا المجال يتعرضون لإطلاق نار من الآليات الاحتلال المتمركزة شرق خان يونس ووسط القطاع، كما يتهددهم خطر الموت من السماء، فمن الممكن في أية لحظة أن تستهدفهم مُسيّرات الاحتلال التي لا تتوقف عن التحليق.
ونوّه السطري إلى أنه ورغم ذلك يواصل العمل، فلا يمتلك خياراً آخر، فأبناؤه يعانون الجوع والعوز، ولم يعد يخشى الموت الذي قد يطاله حتى وهو وسط منزله.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف