ما إن بدأت بعض وسائل الإعلام تتحدث عن انسحاب قوات الاحتلال من مخيم ومدينة جنين، عند انتصاف الليلة قبل الماضية، حتى بدأت عشرات العائلات التي نزحت بقوة السلاح من داخل المخيم، مع بداية اقتحامه "الدموي" صبيحة الثلاثاء الماضي، بالعودة إلى منازلها التي أجبرها جنود الاحتلال على إخلائها بهدف تحويلها إلى ثكنات عسكرية، وقد هالها حجم الدمار الهائل الذي حل بالمخيم خلال العدوان الذي استمر نحو 40 ساعة متواصلة.
وقالت المواطنة "أم محمود" لـ "الأيام": "بعد ساعات من بدء اقتحام المخيم، فوجئنا بالعشرات من جنود الاحتلال المدججين بالسلاح وبعضهم كانوا ملثمين يقتحمون علينا بيتنا وسط المخيم، بعد أن حطموا الباب الرئيس، وكانوا يشهرون أسلحتهم علينا ويجبروننا على الجلوس أرضا".
في تلك اللحظات، أضافت "أم محمود": "احتجزني جنود الاحتلال برفقة أفراد عائلتي، داخل المنزل، ومنعونا من الحركة بعد أن استولوا على أجهزة الهواتف الخليوية التي بحوزتنا وتفتيشها، وعندما دخل أحد الجنود إلى غرفة ابني المتزوج حديثاً، أصابني شعور بأنه سيسرق المصاغ الذهبي لزوجته".
ومضت: "لم أفكر طويلاً، وركضت صوب الجندي الذي كان يحمل ذهب زوجة ابني، فأخذت أصرخ عليه وأطلب منه إعادة الذهب، ولكنه رفض في البداية، وأمام إصراري تمكنت من استعادة المصاغ الذهبي".
وأجبرت قوات الاحتلال عشرات العائلات من عدة حارات في المخيم على إخلاء منازلها في الساعات الأولى من اقتحامها المخيم والمدينة، والذي وصفه الأهالي بالأعنف من نوعه.
ووفق رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم جنين محمد الصباغ، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية الثانية والسبعين على المخيم منذ السابع من أكتوبر الماضي، تسببت بارتقاء 12 شهيداً وإصابة واعتقال العشرات، وخلفت دماراً كبيراً بالشوارع ومرافق البنية التحتية ومنازل المواطنين.
وأشار الصباغ، إلى أن جيش الاحتلال دمر سبعة منازل داخل المخيم بشكل كامل، وألحق أضراراً كبيرة وجزئية بمئات المنازل بين قصف وتخريب وتكسير وهدم جزئي.
وأكد أن أعمال تأهيل شوارع وطرقات المخيم بدأت منذ ساعات الفجر الأولى، حيث شرعت الطواقم المختصة بإعادة التأهيل وإزالة مخلفات الدمار الذي ألحقته آلة الحرب الإسرائيلية بالشوارع ومرافق البنية التحتية وممتلكات المواطنين.
ولفت الصباغ إلى أن البنية التحتية في المخيم متهالكة، جراء استمرار تعرضه لاقتحامات عنيفة من قبل جيش الاحتلال والتي عادة ما يصاحبها تجريف الشوارع وتدمير مرافق البنية التحتية وتخريب ممتلكات المواطنين والتنكيل بهم.
وبحسب ضابط الإسعاف في جمعية الهلال الأحمر طاهر الصانوري، فإن طواقم الإسعاف واجهت معضلات كثيرة في إخلاء الشهداء والجرحى والمرضى من داخل المخيم وبعض أحياء المدينة، وتعرضت لمضايقات كثيرة من قبل قوات الاحتلال التي أطلقت الرصاص الحي على مركبات إسعاف.
وقال الصانوري لـ "الأيام": "عندما وصلنا إلى مركز الشباب الاجتماعي في المخيم، والذي حوّله جيش الاحتلال إلى ثكنة عسكرية، وجدنا أربعة شبان داخل إحدى غرف المركز لا يستطيعون التحرك، بعد أن كانوا هدفاً للضرب المبرح والتنكيل من قبل جنود الاحتلال".
ولجأت قوات الاحتلال خلال عملية الاقتحام، إلى استخدام مواطنين من بينهم نساء وأطفال دروعاً بشرية، وذلك تحت وطأة الاشتباكات المسلحة التي خاضها المقاومون مع تلك القوات التي استهدفوها بصليات كثيفة من الرصاص والعبوات الناسفة محلية الصنع، وتمكنوا من إعطاب عدة آليات عسكرية.
وروى المواطن نسيم أسود (60 عاماً) للصحافيين، بعضاً من مشاهد الاقتحام ودهم منزله داخل المخيم من قبل جنود الاحتلال.
وقال أسود: "فجر الجنود المدخل الرئيس لمنزلي، ومن ثم المدخل الداخلي، وأدخلوا طائرة مسيرة إلى المنزل، وعندما تأكدوا أننا مدنيون، ولا وجود لأي مسلح في المنزل، طلب أحدهم منا الخروج من المنزل ونحن نرفع أيدينا ونضعها على رؤوسنا، وسط تهديدات بإطلاق النار علينا إذا أبدينا أي حركة".
وتابع: "أسر الجنود ابني البكر البالغ من العمر17 عاما، واستخدموه كدرع بشري، وأجبروه على دخول عدد من المنازل في المخيم في مقدمة الجنود تحت تهديد السلاح، بشكل عرض حياته للخطر".
بدوره، قال محمد حجير، والد الشهيد الفتى أسامة (16 عاماً) وهو يطبع القبلات الأخيرة على جبين ابنه الشهيد: "قتلوا أسامة وهو يقود دراجته الكهربائية بدم بارد وبدون أي ذنب ارتكبه، فهو لم يكن مسلحاً، بل كان طفلاً مدنياً قتل بدم بارد".
ورأى حجير، أن قوات الاحتلال اقتحمت المخيم والمدينة بقصد القتل والتدمير والتنكيل بالمواطنين، فقتلت خلال أقل من نصف ساعة من بداية عدوانها ثمانية شهداء من بينهم طبيب ومعلم وتلميذ وطفل ومدني".
وروى شاهد عيان، أن جنود الاحتلال كانوا كلما يقتحمون منزلاً داخل المخيم، كانوا يلجؤون إلى تفجير أو تدمير بوابته الرئيسة، وعندما يتأكدون من وجود سكان بداخله، كانوا يوجهون لهم سؤالاً واحداً وهو "لماذا ما زلتم هنا في المخيم؟!"، و"من الأفضل لكم مغادرة هذا المكان".
ومع ساعات الفجر وبعد التأكد من انسحاب قوات وآليات الاحتلال من داخل المخيم، شرعت الطواقم الفنية وفرق المتطوعين من داخل وخارج المخيم، بتنفيذ أعمال إعادة تأهيل الشوارع.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف