مضى 233 يوماً على العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وما زال القتل والدمار متواصلين بصورة يومية في كافة أنحاء القطاع المحاصر، فيما يعيش النازحون، لا سيما في محافظة خان يونس، ظروفاً قاسية، خاصة في ظل استمرار العدوان على رفح، وعجزهم عن العودة إلى بيوتهم.
"الأيام" رصدت مجموعة جديدة من المشاهد من قلب العدوان، منها مشهد حول شح مياه الشرب المُحلاة، ومشهد آخر يوثق استمرار تدمير الاحتلال أحياء ومخيمات محافظة رفح، ومشهد ثالث حول إغراق أمواج البحر خيام النازحين، ومشهد رابع يوثق تعرض حياة الجرحى والمرضى للخطر، جراء النقص الحاد في أجهزة التصوير الإشعاعي التشخيصية، في المستشفيات والمراكز الصحية في غزة.

شح في مياه الشرب المحلاة
دخلت أزمة مياه الشرب المحلاة في مناطق جنوب ووسط قطاع غزة منعطفاً خطيراً، بعد إعلان شركة "إيتا"، أكبر شركات تحلية مياه الشرب، توقفها عن العمل، بسبب شح الوقود، وتوقف معامل التحلية داخل الشركة.
وأكدت الشركة أن جميع محطات التحلية التابعة لها في شمال غزة، ومحطتي جنوب غزة، التي تنتج 3.700.000 ألف لتر يومياً، ستتوقف عن العمل خلال ساعات، بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات، والارتفاع السريع في أسعار كميات الوقود المحدودة المتوفرة في السوق السوداء.
وناشدت الشركة الجهات المعنية والمؤسسات الدولية سرعة التحرك لوقف هذه الأزمة، وتمكين الشركة من الاستمرار في عملياتها، وإمداد المواطنين والنازحين بالمياه المحلاة دون توقف.
وأعرب نازحون عن خشيتهم جراء التهديد بتوقف إمدادات المياه المحلاة، مؤكدين أنه وخلال عمل الشركة كانت هناك أزمة وشح في مياه الشرب، فكيف الحال إذا ما توقفت؟.
وذكر المواطن شريف عابد، الذي يقيم في مناطق غرب خان يونس، أنه كان يعتمد في الحصول على مياه الشرب، على شاحنات تحمل صهاريج تصل إلى المنطقة التي يقيم فيها، بعضها توزع المياه بشكل مجاني، وأخرى مقابل مبالغ مالية، المهم أنه كان يحصل على المياه، لكن سائق الشاحنة أخبرهم بأنه قد لا يعود في الأيام المقبلة بسبب توقف محطات التحلية عن العمل.
وأشار عابد إلى أن المياه التي يتم استخراجها من الآبار الزراعية الخاصة غير صالحة للشرب، نظراً لارتفاع ملوحتها من جانب، وكونها لا تخضع لـ"الكلورة" والتعقيم، وغير مراقبة من جانب آخر، وإذا ما اضطر النازحون لشربها، فهذا يعني تفشي المزيد من الأمراض في صفوفهم.

تدمير أحياء ومخيمات رفح
واصل الاحتلال عمليات التدمير الواسعة والممنهجة في أحياء محافظة رفح، في سيناريو يشابه إلى حد بعيد، ما حدث في محافظة خان يونس قبل عدة أشهر.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن أحياء شرق وجنوب ووسط رفح، تتعرض لعمليات تدمير واسعة، أبرز أدواتها نسف مربعات سكنية كاملة، إذ يتم زرع متفجرات داخل المنازل، ومن ثم تفعيلها بواسطة التحكم عن بُعد، ونسفها، إضافة إلى عمليات تجريف باستخدام عشرات الجرافات العسكرية، التي تسببت بهدم مئات المنازل، مع الاستمرار في استهداف مربعات سكنية من الطائرات، عبر قصفها بشكل متعمّد.
وتُشاهد سحب كثيفة من الدخان تتصاعد من أحياء الجنينة، والبرازيل، والسلام، والشوكة، ومركز رفح بشكل يومي، تنتج عن استمرار نسف المربعات السكنية، بينما تسمع بوضوح أصوات الجرافات وهي تقوم بهدم وتجريف المنازل، وتدمير مرافق البنية التحتية، في وقت تتواصل عمليات القصف المدفعي والغارات الجوية.
وقال المواطن أحمد مبارك، من سكان حي البرازيل، إن أحد أقربائه حوصر عدة أيام في منزله، وتمكّن أخيراً من مغادرة المنزل، وقد أخبرهم بأن الحي يتعرض لتدمير واسع وكبير، فأغلب العمارات العالية جرى قصفها وتسويتها بالأرض، وأخرى جرى قصف الطوابق العلوية فيها، بينما جرى نسف مربعات سكنية كبيرة، خاصة تلك القريبة من الحدود المصرية.
وبيّن مبارك أن قريبه أبلغهم بتواجد عشرات الجرافات المصفحة في قلب الحي، إذ تقوم بتجريف المنازل وتخريب الشوارع.
كما نشر جنود الاحتلال مقاطع فيديو تُظهر نسف مدرسة، يعتقد أنها داخل بلدة الشوكة شرق رفح، كما ظهر في الفيديو دمار كبير تعرضت له المنازل في المنطقة.
من جهته، قال المواطن أدهم عبيد، إن ما يحدث في رفح مشابه تماماً لما حدث في خان يونس، متوقعاً أن يتم مسح أحياء كاملة في رفح، مع استمرار العملية البرية وتعميقها خاصة في أحياء وسط وجنوب المحافظة.

أمواج البحر تغرق خيام النازحين
فوجئ النازحون المقيمون على شاطئ البحر مباشرة، باندفاع الأمواج نحو خيامهم، وغرق معظمها، بالتزامن مع تغيّر مفاجئ في الطقس، وهبوب ريح جنوبية غربية قوية.
وأثرت الأمواج العاتية على الخيام الأكثر قرباً من الشاطئ، إذ عمد نازحون إلى تقريب خيامهم من الشاطئ، من أجل الحصول على المياه للاستخدامات المنزلية المختلفة.
وقال المواطن يوسف المصري، إنه ظن أن انتهاء فصل الشتاء، سيكون جيداً للإقامة على الشاطئ، وأن أمواج البحر لا ترتفع خلال تلك الفترة، لذلك فضل إقامة خيمته قرب الأمواج، لتسهيل الحصول على المياه، لكنه فوجئ خلال الساعات الماضية باندفاع الأمواج، وتسببها في غرق الخيام.
ولفت إلى أنه عمل على نقل حاجياته بعيداً عن الأمواج، قبل أن يفكك خيمته، ويبعدها عشرات الأمتار شرقاً، ويفكر حالياً بإقامة ساتر ترابي أمام الخيمة، لمنع وصول الأمواج إليها، مجدداً.
بدوره، قال المواطن أحمد زعرب، إنهم يعيشون معاناة كبيرة بسبب الطقس وتقلباته، فبعد تكرار غرق الخيام في الشتاء بسبب مياه الأمطار، يعانون من حرارة الجو المرتفعة، التي تحوّل الخيام إلى ما يشبه الأفران، وها هم الآن يعانون بسبب أمواج البحر، ولا أحد يعلم ما هي المعاناة الجديدة التي تنتظرهم.
ودعا زعرب وغيره من النازحين إلى العمل على تحسين أوضاع النازحين، خاصة أن كل المؤشرات تدل على أن عملية الاحتلال في رفح ربما تأخذ وقتاً طويلاً، ما يعني أن فترة النزوح قد تطول، والناس في الخيام بحاجة إلى دعم وإسناد، وترتيب لأوضاعهم، وتزويدهم بما يعينهم، ما يسهم في تخفيف المعاناة.

نقص في أجهزة التصوير الإشعاعي
مرت نحو ثمانية أشهر من الإنهاك المتعمد للقطاع الصحي في غزة من قبل الاحتلال، من خلال تدمير المستشفيات والمراكز الصحية، وحصار بعضها، وإجبار أخرى على الخروج عن الخدمة.
وتسبب هذا الاستهداف والإنهاك المستمر في انهيار شبه كلي للقطاع الصحي في غزة، سواء الحكومي أو الخاص، وقد زادت الأمور سوءاً منذ بدء اجتياح محافظة رفح، وإغلاق المعبر، وإخراج مستشفيات جديدة عن الخدمة.
ومن أبرز المشكلات الصحية التي واجهت المواطنين والأطقم الطبية في غزة، تدمير عدد كبير من أجهزة التصوير الإشعاعي، التي يعتمد عليها الأطباء بصورة كبيرة لتشخيص المرضى والجرحى، ومعرفة أماكن وجود الشظايا، وتشخيص النزيف الدموي، وغيرها من التشخيصات المهمة.
وذكر أطباء وفنيو أشعة في القطاع، أن النقص في التصوير الإشعاعي ينقسم إلى قسمين؛ الأول الصور العادية "X-RAY"، وهناك شح كبير في الأجهزة المتبقية في مستشفيات القطاع، وما تبقى منها يتعطل بشكل مستمر، ويواجه الفنيون صعوبات كبيرة في إصلاحها.
أما النوع الثاني فهو أجهزة التصوير المتطورة، مثل التصوير المقطعي "C-T"، والرنين المغناطيسي، وهي غير متوفرة في القطاع، خاصة الرنين المغناطيسي، فأي شخص يحتاج إلى مثل هذه الخدمة لن يستطيع الحصول عليها، لا في القطاع الخاص ولا في الحكومي.
وأكد أطباء أن الكثير من المرضى والجرحى فقدوا حياتهم، بسبب تعذر إجراء أنواع من الأشعة التشخيصية المهمة.
وقال المواطن أحمد ماضي، إن نجله مصاب بجروح خطيرة، وهو بحاجة ماسة لإجراء صورة تشخيصية "رنين مغناطيسي"، لكنه صدم بعدم توفرها، موضحاً أنه أبلغ الأطباء بأنه على استعداد لدفع أي مبلغ لإجرائها على نفقته الخاصة، لكن الأطباء أخبروه بعدم توفرها مطلقاً في قطاع غزة، وأن السبيل الوحيد لإجرائها هو السفر للخارج، وحتى هذا الأمر غير متوفر في الوقت الحالي بسبب إغلاق المعبر.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف