يتواصل العدوان البري الواسع على مناطق وسط قطاع غزة، لليوم الثالث على التوالي، إذ احتلت دبابات وآليات عسكرية إسرائيلية المناطق ابتداءً من شرق بلدة القرارة، مروراً بالمناطق الشرقية لمخيم المغازي، شرق مدينة دير البلح، وقرية المصدر، ومخيم البريج، مع قطع الطريق الواصل بين وسط وجنوب قطاع غزة "شارع صلاح الدين" بعد سيطرة الدبابات عليه.
وارتكبت قوات الاحتلال في تلك المناطق سلسلة من المجازر الكبيرة، إذ قصفت منازل على رؤوس ساكنيها، ولاحقت الطائرات المُسيّرة النازحين، وأطلقت النار باتجاههم، كما تسببت بنزوح عشرات الآلاف من السكان.
"الأيام" خصصت مشاهد اليوم لنقل صورة الأوضاع في مناطق وسط قطاع غزة، وما سبّبه العدوان الجديد من مآسٍ وفظائع، وما رافقه من مجازر مروّعة، إذ نقلت مشهداً يرصد حال النازحين الفارين من الموت والقصف، وآخر يرصد شهادات حيّة لما حدث داخل تلك المناطق من مجازر وجرائم، إضافة إلى مشهد يوثق حال مستشفى شهداء الأقصى المنهك، في ظل استقباله مئات الشهداء والجرحى على مدار الساعة، ومشهد رابع مخصص لقطع الاحتلال الطريق الواصل بين وسط وجنوب القطاع "صلاح الدين"، ومخاطر مرور المارة والمركبات من هذا الطريق.

نازحون فروا من الموت
فوجئ سكان المخيمات والبلدات الواقعة في المناطق الشرقية من محافظة وسط قطاع غزة، بوصول أرتال من الدبابات إلى وسط المناطق السكنية، بالتزامن مع قصف عنيف، وأحزمة نارية كثيفة من الطائرات، ما أجبر عشرات الآلاف على النزوح عن منازلهم باتجاه الغرب.
وقال النازح يحيى مصطفى إن الاحتلال لم ينذرهم، أو يطلب منهم إخلاء المنطقة، فقد فوجئوا بالدبابات تقطع الطرق، وتسيطر على المحاور الرئيسة، في ظل كثافة نارية غير مسبوقة.
وأكد أن المواطنين لم يكن أمامهم خيار سوى الفرار، فتركوا كل شيء واتجهوا غرباً للنجاة من الموت، موضحاً أن رحلة النزوح كانت خطيرة، قائلاً: "كانت القذائف تتساقط كالمطر، وطائرات كواد كابتر تطلق النار باتجاه النازحين، والشهداء والجرحى كانوا في الطرقات".
من جهته، قال المواطن إسماعيل عمران، إنه لثاني مرة ينزح عن مخيم المغازي وسط قطاع غزة، في ظل حالة من الخوف والهلع، وفي المرة الأولى فقد ابنه، والمرة الثانية نجا وأفراد عائلته من الموت مرتين.
وأكد عمران أن قذيفة سقطت على منزل كانوا بجواره، وفروا فلاحقتهم طائرة "كواد كابتر"، وأطلقت النار باتجاههم، وعناية الله حالت دون تعرضهم للإصابة، واضطروا للسير مسافة زادت على 8 كيلو مترات، معظمها كانت جرياً، حتى وصلوا إلى غرب مدينة دير البلح، وهم يجلسون لليوم الثاني في العراء، دون مأوى ولا حتى خيمة.

مجازر وقصف بيوت على رؤوس ساكنيها
منذ اللحظة الأولى للعدوان البري وسط القطاع، سارعت قوات الاحتلال بتعميق جرائمها ومجازرها بحق المدنيين الآمنين، خاصة في مخيمي البريج والمغازي، وشرق مدينة دير البلح.
وحسب إحصاءات محلية، فقد قصفت مدفعية وطائرات الاحتلال أكثر من 50 منزلاً، منها 25 مأهولة على الأقل، وجرى قتل عشرات المواطنين داخل منازلهم.
ووفق شهادات حيّة حصلت عليها "الأيام" من نازحين، فإن ما جرى انتشاله من شهداء من داخل المخيمات والبلدات المذكورة، هو قليل مقارنة بعدد الشهداء المتبقين هناك.
وأشار المواطن خالد ياسين، إلى أن المنطقة التي يقطن فيها بمخيم البريج تعرضت لغارات وأحزمة نارية، وشاهد عشرات البيوت قُصفت، من بينها بيوت لجيرانه، لم تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إليها لإجلاء الشهداء والجرحى منها.
وبيّن أنه شاهد شهداء في الشوارع، سقطوا جراء استهدافهم بشكل متعمد من طائرات الاحتلال المُسيّرة، والوضع في مخيمات وسط القطاع كان كارثياً، واصفاً العدوان الجديد بالأوسع والأكثر دموية من العدوان السابق، الذي جرى شنه في شهري كانون الأول وكانون الثاني الماضيين.
أما المواطن عبد الكريم ماضي، فقال إن ما حدث كان مجازر مروعة، فالاحتلال بدأ عدوانه بقصف مباغت للبيوت الأكثر اكتظاظاً، خاصة العمارات السكنية، والأبراج المرتفعة، والشهداء سقطوا في منازلهم ولم يتم إجلاء معظمهم.
وذكر ماضي أن المرحلة الثانية من العدوان كانت عبارة عن تقدّم بري وقصف مدفعي عنيف، وهي لا تقل خطورة عمّا سبقها، فقد تسببت بسقوط شهداء في الشوارع والمنازل، وروعت المواطنين، وحاصرت عدداً كبيراً من المواطنين في منازلهم، وسط حالة من الخوف والرعب.

مستشفى شهداء الأقصى مكتظ بالشهداء والجرحى
في الوقت الذي تمر فيه مستشفيات قطاع غزة بأزمات كبيرة، وتعاني من وضع صحي حرج، يواصل الاحتلال ارتكاب المجازر، ويضاعف سقوط عدد الشهداء والجرحى، على غرار ما حدث في محافظتي رفح ووسط القطاع، ما يزيد الضغط على المستشفيات شبه المنهارة.
فقد فوجئ العاملون في مستشفى شهداء الأقصى، وهو الوحيد المتواجد حالياً في محافظة وسط القطاع، بتوافد عشرات الشهداء ومئات الجرحى بصورة متسارعة، ما خلق حالة ضغط وإرباك في المستشفى، وتسبب بزيادة حالة الاكتظاظ الموجودة منذ مدة.
وأكد أطباء يعملون في المستشفى، أنهم تلقوا خلال الساعات الـ24 الأولى من العدوان نحو 100 شهيد، وما يزيد على 300 مصاب، وبعض الإصابات كانت حرجة، وبحاجة إلى تدخلات طبية معمقة، وعمليات جراحية معقدة، وهذا تسبب بتكدس غرف العمليات، وغرف العناية الفائقة، واضطر المستشفى لنقل بعض الإصابات إلى مستشفيات جنوب القطاع، رغم اكتظاظها هي الأخرى بالجرحى والمرضى.
وأوضح الأطباء أن المستشفى ما زال يتلقى جرحى ومرضى على مدار الساعة، ورغم ضعف الإمكانات، يحاول الطاقم الطبي مساعدة المصابين، وتقديم الرعاية الطبية الممكنة لهم.
وأشار المواطن محمد نوح، إلى أنه بالكاد استطاع إخلاء شقيقه الجريح من أحد شوارع مخيم البريج، بعد أن أصيب بطلقين ناريين أحدهما في البطن والآخر في القدم، موضحاً أنه وصل إلى المستشفى وكانت حالته الصحية حرجة، وعمل الأطباء على إنقاذه، وخضع لعملية جراحية، وما زال في حال الخطر.
وبيّن أن وضع المستشفى مزرٍ، فالجرحى في الممرات، وجثامين الشهداء موجودة في الساحات، والدماء تملأ قسم الاستقبال، وأن الأطباء والممرضين مثل خلية النحل لا يتوقفون عن العمل والحركة.
وأعلن مستشفى شهداء الأقصى خروج أحد المولدين عن العمل ما ينذر بوقوع كارثة إنسانية، قد يروح ضحيتها عشرات الجرحى والمرضى والأطفال الخدج، المنومين في غرف العناية الفائقة، وتحت أجهزة التنفس الاصطناعي، التي تعمل بوساطة التيار الكهربائي.

قطع شارع صلاح الدين
وكان شارع صلاح الدين، الذي يوصف بأنه العمود الفقري لقطاع غزة، هدفاً لقوات الاحتلال، التي سارعت بقطعه فور وصول الدبابات إلى مخيمات وسط القطاع.
ووفق شهود عيان فقد تمركزت الدبابات في منطقة "المطاحن"، وقبالة مخيم المغازي، وحلّقت الطائرات المُسيّرة بكثافة فوق الشارع المذكور، وأطلقت النار باتجاه كل هدف مُتحرك في تلك المنطقة.
وأكد مواطنون أن الاحتلال نصب كمائن للنازحين على شارع صلاح الدين، وأوقف العائلات، وتفحص هوياتهم، واعتقل عدداً كبيراً منهم، بينهم نساء، إذ جرى إخلاء سبيل ثلاثة أطفال، كانوا شبه عراة، وأفادوا بتعرضهم للتفتيش والتنكيل من قبل جنود الاحتلال، واعتقال عدد من ذويهم.
ولفت المواطن علاء منصور، الذي يعمل سائق مركبة أجرة، إلى أن الاحتلال أغلق شارع صلاح الدين، وحوّله إلى منطقة قتل، ومنع المركبات من المرور، وقتل وأصاب واعتقل من حاولوا المرور من هذا الشارع.
ونوّه إلى أن الاحتلال أعاد الأمور منذ بداية شهر أيار الماضي إلى الأسابيع الأولى من العدوان، من حيث تكثيف الغارات الجوية، وتعميق العدوان البري، وإغلاق الطرق، وحصار المخيمات، وهذا نتاج ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنه سيزيد الضغط العسكري على سكان قطاع غزة، لكن للأسف فإن ضحايا هذا الضغط هم المدنيون، الذين جرى قتلهم وترويعهم، وإجبارهم على النزوح من جديد، وسط ظروف إنسانية قاسية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف