حذر مركز دراسات أميركي من خطر جسيم يخيّم على حياة سكان قطاع غزة، حتى بعد انتهاء حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة للشهر العاشر على التوالي، بسبب مخاطر وجود آلاف القنابل غير المنفجرة.
وقال "المركز العربي في واشنطن" إن مصطلح "مخلفات الحرب المتفجرة" يشير إلى الذخائر التي تفشل في الانفجار عند استخدامها أو تُترك وراءها إما مكشوفة وهو الأخطر، أو مخبأة تحت الأنقاض أو تحت الأرض بعد انتهاء الحرب.
وتشمل مخلفات الحرب المتفجرة مخزونات الذخيرة (التي يمكن أن تنفجر عن طريق الخطأ) وكذلك الذخائر العنقودية والألغام الأرضية (وكلاهما محظور على نطاق واسع بسبب طبيعتها العشوائية، ومع ذلك تظل كمخلفات للحروب في العديد من البلدان).
كما تشمل مخلفات الحرب المتفجرة أيضاً الذخائر غير المنفجرة (UXO)، وهي القنابل والصواريخ وقذائف الهاون والقنابل اليدوية والذخائر الأخرى التي فشلت في الانفجار؛ والذخائر المتروكة (AXO)، التي تركها أو ألقاها أحد الأطراف المتحاربة. ويكاد يكون من المستحيل معرفة ليس فقط مكان مخلفات الحرب المتفجرة، ولكن أيضاً مقدار ما تبقى منها في منطقة الصراع، ما يجعل جهود التنظيف صعبة للغاية.
في غزة، التي عانت من أربع حملات عسكرية إسرائيلية ضخمة منذ العام 2007، تسببت مخلفات الحرب القابلة للانفجار في تعطيل كبير للحياة اليومية. منذ العام 2014 فقط، تمت إزالة وتدمير ما يقرب من 8700 قطعة من مخلفات الحرب القابلة للانفجار.
لكن الهجوم الإسرائيلي الحالي، الذي اعتبرته محكمة العدل الدولية والعديد من الخبراء العالميين إبادة جماعية محتملة، كان الأكثر تدميراً، حيث استشهد 40 ألف شخص حتى الآن (من المرجح أن يكون هذا أقل بكثير من العدد الحقيقي، وفقاً لدراسة نُشرت مؤخراً في المجلة الطبية الموثوقة The Lancet) وجرح عشرات الآلاف.
وألحقت الحرب الإسرائيلية الضرر أو دمرت ما يقرب من ثلثي المنازل في غزة، إلى جانب 84 في المائة من المرافق الصحية. وفي المجمل، خلف الدمار ما يقدر بـ26 مليون طن من الحطام والركام. وتشير التقييمات إلى أن الأضرار حتى الآن تبلغ 18.5 مليار دولار على الأقل.
وعندما يتم التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم ويمكن أن تبدأ عملية إعادة بناء غزة، أكد المركز أنه يجب على المجتمع الدولي أن يعطي الأولوية لإزالة الأنقاض لضمان سلامة عامة السكان والعمال المكلفين بإعادة الإعمار.
إزالة أكوام الأنقاض أمر مختلف تماماً، وهي عملية شاقة تستغرق سنوات ولكنها ليست مميتة عادةً.
إن تحديد وإزالة وتدمير الآلاف من مخلفات الحرب القابلة للانفجار مشكلة مختلفة تماماً ليست صعبة فحسب، بل خطيرة للغاية. قد يتم دفن القنابل غير المنفجرة تحت الأرض أو تحت أكوام الأنقاض وقد تنفجر عن غير قصد أثناء التطهير أو إعادة الإعمار.
وفقاً لبروتوكول 2003 بشأن مخلفات الحرب القابلة للانفجار، يتعين على كل "طرف في نزاع مسلح أن يضع علامات على مخلفات الحرب القابلة للانفجار في الأراضي المتضررة الخاضعة لسيطرته ويزيلها أو يدمرها".
ومع ذلك، في حين أن دولة فلسطين من الدول الموقعة على البروتوكول، فإن إسرائيل ليست من الدول الموقعة عليه.
وأبرز المركز أن نهج إسرائيل تجاه مخلفات الحرب القابلة للانفجار يشكل جزءاً لا يتجزأ من نهجها الشامل تجاه الفلسطينيين، أي أن إسرائيل ترى أنها لا تتحمل أي التزامات تجاههم.
ووفقاً للخبراء فإن حجم القصف في غزة غير مسبوق. فإسرائيل تمتلك على ما يبدو إمدادات لا نهاية لها من القنابل التي تزن 500 و1000 و2000 رطل (والتي قدمتها لها الولايات المتحدة) والقنابل غير الموجهة المعروفة باسم "الغبية" والقنابل المثيرة للجدل التي تخترق المخابئ والتي لا يقصد نشرها في المناطق الحضرية المأهولة بالسكان.
وتعرضت إسرائيل لانتقادات شديدة بسبب استخدامها لهذه المتفجرات القوية. والواقع أن كثيرين من الخبراء يؤكدون أن استخدام مثل هذه الأسلحة في المناطق المدنية يشكل جريمة حرب بسبب طبيعتها العشوائية.
ولا ينتهي خطر هذه القنابل بمجرد انفجارها، ففي الأشهر الثلاثة الأولى فقط من حرب غزة الحالية، تشير التقديرات إلى أن إسرائيل ألقت ما لا يقل عن 45 ألف قنبلة على القطاع، وقد فشل ما بين 9 و14% منها في الانفجار.
وهذا يشير إلى وجود آلاف القنابل غير المنفجرة على الأقل في مختلف أنحاء غزة، وقد خمّن أحد الخبراء أن العدد يصل إلى "عشرات الآلاف". وهذا الرقم المروع لا يشمل حتى القنابل اليدوية أو غيرها من الذخائر التي تركها جنود الاحتلال أثناء احتلالهم للمنازل والمدارس والبنية الأساسية الفلسطينية بعد إجبار المدنيين على الإخلاء.
وبينما خطر الانفجار هو الأكثر حدة، ولكن الذخائر المتفجرة تشكل العديد من التهديدات البيئية حتى لو لم يتم تفجيرها.
وعادة ما تكون القذائف مصنوعة من المعادن الثقيلة التي يمكن أن تلوث التربة والمياه والهواء، ما يؤدي إلى اضطرابات مثل فقر الدم والسرطان وإلحاق الضرر بالحيوانات والنباتات.
ويمكن أن تسبب بقايا المتفجرات أيضاً تلوثاً يمكن أن يستمر لسنوات، ما يعني أن الأشخاص الذين لم يتأثروا بالقصف الأولي يمكن أن يعانوا بعد سنوات لأنهم أكلوا أو شربوا من مصادر ملوثة. يمكن أن يؤدي هذا إلى جعل مساحات كبيرة من الأرض غير صالحة للاستخدام لفترة طويلة بعد توقف القصف وقد يترك العديد من أجزاء غزة غير قادرة على زراعة المحاصيل أو تربية الماشية، ما يشكل عائقاً كبيراً أمام السيادة الغذائية وكذلك جهود التنمية الاقتصادية.
ويمكن أن تكون التأثيرات البحرية للذخائر غير المنفجرة كبيرة أيضاً: كمنطقة ساحلية، تعتمد غزة بشكل كبير على صيد الأسماك كمصدر للغذاء والدخل.
في أوائل أيار الماضي، قدرت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام أن الأمر سيستغرق 14 عاماً على الأقل لتطهير غزة من مخلفات الحرب القابلة للانفجار.
كان هذا قبل الهجوم الإسرائيلي الحالي على رفح، التي كانت في السابق واحدة من أقل المناطق تعرضاً للقصف في غزة والتي كان مئات الآلاف من الناس يحتمون بها.
كيف يمكن لمنطقة محاصرة، موطن لأكثر من 2 مليون شخص نزحوا وأصيبوا وتعرضوا للصدمة وتضوروا جوعاً وحرموا من الظروف اللازمة للعيش، أن تتعامل مع المهمة الهائلة المتمثلة في تطهير آلاف الذخائر غير المنفجرة؟ والأسوأ من ذلك، على النقيض من العديد من مناطق الحرب حيث تظل بعض المناطق آمنة للسكن بينما يتم تطهير مناطق أخرى، لا يوجد جزء من غزة غير متأثر.
في الماضي، كانت فرق التخلص من القنابل التابعة لوزارة الداخلية في غزة تنتشر في مواقع القنابل غير المنفجرة. وقد عملت هذه الفرق، التي تلقت تدريبها في الأصل من الولايات المتحدة، وبدعم من دائرة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام منذ العام 2009، في غزة منذ العام 1996.
وعلى النقيض من نظيراتها في أماكن أخرى، حرمها الحصار الإسرائيلي من معدات الحماية الكافية أو المعدات المتقدمة، ولم يُسمح لأي من الفنيين المحليين في غزة بمغادرة القطاع للتدريب.
ولا تسمح إسرائيل بدخول الموارد اللازمة لإزالة الذخائر من خلال الحرق المتحكم فيه أو التفجيرات وتنظيف التربة وغيرها من الملوثات البيئية إلى غزة.
وتقدر دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام أن الأمر قد يستغرق 30 مقاولاً لمدة شهر واحد للعثور على قنبلة واحدة وتفكيكها في غزة، بتكلفة 40 ألف دولار.
وتعمل دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام حالياً بميزانية قدرها 5 ملايين دولار لغزة، ولكن بدء عملية التطهير سيتطلب ما لا يقل عن 40 مليون دولار إضافية. ومع ذلك، أصبحت الأموال اللازمة لمثل هذه الجهود محدودة على نحو متزايد.
وفي الوقت الحاضر، تنطوي معظم جهود التطهير فقط على سحب القنابل غير المنفجرة بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان بأي أدوات محلية متاحة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف