- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2024-08-02
ما زال قطاع غزة المُحاصر يرزح تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتصاعد لليوم الـ300 على التوالي، بينما تتواصل المجازر، وتتعمق المعاناة، وينتشر الموت والمرض في كل شارع وخيمة، ويتواصل التدمير في محافظة رفح.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة من قلب العدوان الإسرائيلي، خاصة من مناطق جنوب ووسط قطاع غزة، منها مشهد يُوثق عودة سكان شرق خان يونس إلى منازلهم، وسط حالة من الخوف والحذر، ومشهد آخر تحت عنوان: "الاحتلال ينتهك حرمات الموتى في مقابر شرق خان يونس"، ومشهد ثالث يرصد تحويل الاحتلال "الروبوتات" إلى أخطر سلاح نسف وتدمير في رفح.
عودة حذرة للمنازل
عاد عشرات الآلاف من سكان مناطق شرق محافظة خان يونس إلى بيوتهم و"أكشاكهم"، وكذلك خيامهم في اليومين الماضيين، بعد إعلان الاحتلال إنهاء الفرقة 98 الإسرائيلية عملياتها شرق المحافظة.
وشوهد مواطنون ونازحون يتحركون بشكل عكسي "من الغرب باتجاه الشرق"، إذ شهدت بلدات شرق محافظة خان يونس حركة نشطة، وشُوهدت الشوارع تكتظ بالمواطنين، وسط محاولاتهم ترميم بيوتهم، وتنظيف الركام من محيطها، وإصلاح الأبواب.
لكن عودة المواطنين إلى مناطق شرق خان يونس بدت حذرة، فالجميع يخشون عدواناً جديداً قد يُشن على تلك المناطق في أي لحظة، خاصة مع تكرار تعرضها للهجمات، إضافة إلى القصف المدفعي الذي عادة ما يندلع بصورة مفاجئة.
وقال المواطن أيمن صالح، إنه نزح عن منزله شرق خان يونس في اللحظات الأولى من العدوان، وأقام في خيمة شقيقه بمنطقة مواصي خان يونس لمدة 8 أيام، وبمجرد أن علم بانسحاب قوات الاحتلال من مناطق شرق خان يونس عاد إلى بيته، وأصلح بعض الأضرار فيه، وعاد للإقامة وعائلته، برفقة عائلة نازحة من أقاربه كانت تقيم عندهم، ونزحت معهم.
وبيّن صالح أنه ما زال قلقاً، وقد أبقى بعض الحاجيات غير الضرورية في خيمة شقيقه بمنطقة المواصي، وبقيت معظم الحاجيات في أكياس وحقائب، بما يساعده على سرعة التحرك عند الضرورة.
وأشار إلى أنه وفر أسطوانة غاز طهي صغيرة، بعدما قام بتحويل دراجة "توك توك"، يمتلكها لتعمل على الغاز بدل البنزين، وأبقاها في بيته للاحتياط، فهي وسيلته الوحيدة للتحرك، والفرار عند حدوث عدوان.
وأكد صالح أن أكثر ما يخشاه هو الخروج من المنزل ومغادرة المنطقة بعد الإنذارات الإسرائيلية بالإخلاء، فهذه الفترة من أخطر الفترات، إذ يتم استهداف النازحين، وإطلاق الصواريخ والرصاص عليهم خلال محاولتهم النزوح.
من جهته، قال المواطن محمود رشيد، إنه منذ عاد إلى منزله الثلاثاء الماضي وهو لا يشعر بالاستقرار، ويعتقد أن جيش الاحتلال سيعاود دخول المنطقة مرة أخرى، لذلك يتأهب للنزوح من جديد، وأبقى خيمته في منطقة المواصي قائمة، وأوصى جاراً له بالمحافظة عليها، واستغلالها، حيث ترك فيها بعض الحاجيات.
وأوضح أنه أعد خطة للنزوح برفقة أفراد عائلته، بحيث يأخذ كل شخص حقيبة على ظهره فقط، كي تكون عملية مغادرة المنزل سريعة، فكل تأخير في الخروج يحمل خطورة أكبر.
انتهاك حرمات الموتى
ما زالت قوات الاحتلال تنتهك بشكل متعمد حرمات الموتى في جميع أنحاء قطاع غزة، عبر تعمّد نبش القبور وتجريف المقابر، وتخريبها.
وتعرضت مقبرة بلدة بني سهيلا شرق محافظة خان يونس لتجريف وإخراج رفات الموتى من القبور، إذ صُدم المواطنون من سكان البلدة، بما أحدثه الاحتلال من دمار كبير في المقبرة، وخروج العظام ورفات الموتى إلى السطح، وسارعوا بإعادة دفنها.
وقال المواطن جمال مسعود، إن قوات الاحتلال لم تترك مقبرة في خان يونس إلا ونبشتها وجرفتها، وبعض المقابر جرى تجريفها مرتين في غضون أشهر قليلة، لافتاً إلى أن الخراب الكبير الذي خلفه الاحتلال في مقبرة بني سهيلا يؤكد أنه ينتهك حرمات الموتى.
ولفت إلى أنه توجه للمقبرة، ولم يجد معالم لقبر والدته التي توفيت منذ أكثر من عشر سنوات، لكنه قام بتجميع الرفات حول قبرها، وأحدث حفرة، وقام بدفنها، ولا يعرف لمن تعود هذه الرفات، معتبراً أن ما حدث عمل شنيع، يعارض القوانين الأرضية والسماوية، وينتهك حرمات الموتى.
ودعا نشطاء المواطنين إلى التوجه للمقبرة والاطمئنان على قبور ذويهم، مؤكدين أن دبابات الاحتلال داست وجرفت المقبرة، وأخرجت رفات الموتى.
وسبق وأكد المرصد "الأورومتوسطي"، لحقوق الإنسان أن الاحتلال يتعمد تجريف المقابر في قطاع غزة، وقد دمرت قواته وجرافته عشرات المقابر، وانتهكت حرمات الموتى، وهذا يعد انتهاكاً جسيماً لقواعد القانون الدولي، الذي ينص على وجوب احترام الموتى وعدم المساس بهم، وكذلك تجنب التعرض للقبور.
بينما قال المواطن عمر ياسين، إنه شاهد قبوراً نُبشت وتُركت خالية من الجثامين أو الرفات، وهذا يدل على أن الاحتلال سرق جثامين ورفات موتى من مقبرة بني سهيلا، كما فعل سابقاً في مقابر أخرى.
وأوضح أنه لا يعرف عدد الجثامين التي تمت سرقتها، ولا أين وضعت، ولا حتى كيفية تصرف الاحتلال معها.
وتتذرع قوات الاحتلال بأنها تبحث عن قبور لأسرى إسرائيليين دفنوا في المقابر بعد مقتلهم في هجمات سابقة، ما لم يثبت صحته، خاصة بعد أن أخذت إسرائيل عدداً من الجثث وتم فحصها في الداخل وتأكد أنها لا تعود لأسرى.
"الروبوتات" سلاح نسف وتدمير
اختلفت تكتيكات وأساليب الاحتلال في تدمير محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، عن غيرها من المناطق الأخرى، وبات جيش الاحتلال يعتمد على أسلحة الذكاء الاصطناعي، التي طورها لتصبح أشد فتكاً وتدميراً.
ومن بين هذه الأسلحة تطوير "ربوت" صغير، على شكل مجنزرة، يمتاز بمحرك ذي قوة كبيرة، ويسير بوساطة جنازير، ولديه قدرة على التحرك على أي سطح، سواء رملي، أو معبد، أو حتى حجارة وركام.
وبات هذا "الروبوت" من أسوأ أساليب الاحتلال في التدمير وأكثرها شيوعاً، إذ صمم الجيش عربة خاصة له، يتم ملؤها بالمتفجرات، بحمولة قد تصل إلى أكثر من 2 طن، ليقوم "الروبوت" بسحبها والسير فيها مسافات طويلة، ويتم تحريكه والتحكم فيه عن بُعد، ويستعين مشغلوه بكاميرات مثبته عليه، وطائرات مسيّرة تقوم على توجيههم لإيصال "الروبوت" لأي نقطة يريد الجيش، وهناك ينفصل "الروبوت" عن العربة، ويغادر المنطقة، وتختفي الطائرات المُسيّرة من نوع "كواد كابتر" من المنطقة، ويتم تفجير الشحنة المذكورة بوساطة التحكم عن بُعد، فتحدث دماراً يتعدى قصف الطائرات، وتفخيخ المربعات السكنية بأضعاف.
ووفق المصادر المتطابقة فإن هذه الطريقة جنبت جيش الاحتلال، خاصة الفرق الهندسية، العمل في البيوت التي يريدون نسفها، وما كانوا يواجهونه من كمائن من قبل عناصر مقاومة، وباتت هذه الآليات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أداة جيش الاحتلال لتحقيق التدمير.
وذكر المواطن نبيل حمدان، أنه عاد إلى حي تل السلطان غرب رفح، قبل عدة أيام لتفقد منزله رغم الخطر، وفوجئ بحجم دمار كبير أصابه بالذهول، مبيناً أن شوارع بما فيها من منازل دمرت عن بكرة أبيها، وعشرات العمارات الكبيرة تضررت على نحو حوّلها إلى بنايات غير صالحة للسكن.
وبيّن أنه يقيم في محيط منطقة "فش فرش"، الواقعة بين مواصي رفح وخان يونس، وكان في كل يوم يسمع دوي انفجارات كبيرة، ويشاهد سحب الدخان تتصاعد، وظن في البداية أنها عمليات نسف، حتى علم أنها "روبوتات" تنقل شحنات كبيرة من المتفجرات لقلب المناطق السكنية.
وأكد أن هذه الطريقة أحدثت أضعافاً مضاعفة من الدمار الذي وقع في محافظة خان يونس وغيرها من المناطق، وتسببت بمحو أحياء سكنية بشكل كامل عن الخارطة، خاصة مناطق جنوب رفح، وحي تل السلطان، والحي السعودي.
وحوّل الاحتلال محور صلاح الدين الحدودي "فيلادلفيا"، إلى نقطة ارتكاز ومحور لانطلاق عملياته، بما في ذلك تجهيز "الروبوتات"، وتحريكها باتجاه أحياء المحافظة.