مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة في يومه الـ306 على التوالي، ورصدت أبرز القصص التي توثق المعاناة الإنسانية، وتظهر مآسي النازحين، ومخاوفهم من انتشار المجاعة.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد يرصد قلق ومخاوف المواطنين من انتقال المجاعة إلى جنوب ووسط قطاع غزة بعد إغلاق المعابر، ومشهد آخر تحت عنوان "مياه الآبار الزراعية تفتك بالنازحين"، ومشهد ثالث يرصد رفض المواطنين أوامر جيش الاحتلال بالنزوح.

مخاوف من انتقال المجاعة

تسود مخاوف لدى المواطنين في مناطق جنوب ووسط قطاع غزة، من احتمال امتداد المجاعة المستمرة في شمال القطاع، وانتشارها إلى مناطق جنوب ووسط غزة، بعد إعلان الاحتلال إغلاق معبر كرم أبو سالم، الذي كان يدخل من خلاله القليل من السلع الغذائية.
وسارع الاحتلال، ظهر أول من أمس، بالإعلان عن إغلاق معبر كرم أبو سالم، بزعم إطلاق قذيفة تجاه قوة إسرائيلية شرق رفح، الأمر الذي اعتبره مواطنون مجرد تبرير للتضييق على سكان قطاع غزة.
وقال المواطن أسعد عايش: إن ما حدث في معبر كرم أبو سالم ترجمة لما قاله وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بوجوب تجويع 2 مليون فلسطيني، ويبدو أن إسرائيل بدأت تنفيذ الشق الآخر من خطتها التجويعية، بنقل المجاعة من شمال قطاع غزة باتجاه وسطه وجنوبه.
وأكد عايش أن تقبل العالم للمجاعة في شمال قطاع غزة، واعتياد العالم على مشاهد موت الفلسطينيين جوعاً، وانخفاض الأصوات المطالبة بفك الحصار عن تلك المناطق، دفع إسرائيل إلى توسيع رقعة التجويع.
وأشار إلى أن الواقع في جنوب ووسط القطاع في حال استمر تشديد الحصار سيكون كارثياً، فهناك يقيم أكثر من 1.8 مليون شخص، يتكدس معظمهم في أقل من 20% من مساحة القطاع، وهؤلاء بحاجة إلى كميات كبيرة من المواد الغذائية، والسلع الاستهلاكية، والأدوية، وغيرها، وإذا حدثت المجاعة بشكل مشابه لشمال القطاع، ستكون كارثة غير مسبوقة.
بينما قال المواطن أكرم نصار: إنه توجه إلى السوق واشترى بعض السلع الأساسية خشية فقدها، فالإعلان عن إغلاق معبر كرم أبو سالم سيكون له ما بعده، ويبدو أن سكان وسط وجنوب قطاع غزة سيكونون أمام واقع جديد أكثر سوءاً.
ولفت نصار إلى أن جيش الاحتلال يحتل معبر كرم أبو سالم وكامل مدينة رفح، والمواجهات المسلحة مستمرة كل يوم "فلماذا اليوم يتم الإعلان عن إغلاق المعبر بذريعة إطلاق قذيفة صاروخية، وهذا يأتي بعد تصريحات مسؤولين إسرائيليين بضرورة تجويع الفلسطينيين"، معتقداً أن هذا يأتي ضمن حلقات الضغط التي يمارسها الاحتلال على المدنيين، بغرض انتزاع تنازلات في المفاوضات، وهذا السلوك ليس غريباً على إسرائيل، التي استخدمت التجويع والإمراض سلاحاً في محاربة الفلسطينيين، وسط صمت دولي، وغطاء أميركي لا ينقطع.

مياه الآبار الزراعية تفتك بالنازحين

على مدى عقود كانت المياه التي يتم استخراجها من الخزان الجوفي لقطاع غزة تنقسم إلى قسمين: الأول تستخرجه البلديات ومصلحة مياه الساحل، وهو مخصص للمنازل، ويتم فحصه وإخضاعه للتعقيم باستخدام مواد خاصة، وجزء منه يذهب إلى محطات التحلية، التي تنتج مياهاً عذبة يتم توزيعها على المواطنين بغرض الشرب.
أما الجزء الآخر الذي يتم استخراجه من قبل المزارعين، عبر آبار ارتوازية جرى حفرها في مناطق زراعية، فإنه مخصص فقط للري ولأغراض الزراعة، ولا يصلح للاستعمال الآدمي، نظراً لأن مياهه غير مُتابعة، ولم يتم فحصها أو تعقيمها.
غير أن النازحين ممن أُجبروا على الإقامة في مناطق زراعية خالية، كانت في السابق قليلة السكان، وفي ظل أزمة المياه الخانقة، اضطروا إلى الاعتماد على مياه الآبار في تلبية معظم احتياجاتهم، سواء للشرب، أو للأعمال المنزلية.
ويقوم ملاك الآبار الزراعية، وبعضهم يمتلكون منظومات طاقة شمسية تنتج كميات من الكهرباء، باستخراج المياه، وبعضهم يوزعونها بالمجان على النازحين، وآخرون يبيعونها مقابل مبالغ مالية متفاوتة.
وذكر المواطن أحمد البيوك أنه اضطر للنزوح إلى منطقة مواصي خان يونس، وفوجئ بعدم وجود خدمات بلدية مطلقاً، ولا تصل إلى تلك المناطق أي مياه صحية، وهو مجبر على الاعتماد على مياه الآبار الزراعية.
وبيّن أنه يشتري كل 500 لتر من المياه مقابل 20 شيكلاً، حيث يقوم أحد ملاك الآبار بتمديد أنابيب وتعبئة خزانات المياه للنازحين في خيامهم، لافتاً إلى أن المياه مالحة ولا تصلح للشرب، وهي فقط للاستخدام المنزلي.
أما مياه الشرب، حسب البيوك، فيحصلون عليها من خلال بئر أخرى، مياهها أكثر عذوبة، ويقوم يومياً بتعبئة "جالونين"، يستخدمونها في الشرب والطبخ، وصنع الشاي، وإذا ما كانوا محظوظين، يتمكنون في بعض الأيام من تعبئة "جالون" أو أكثر من شاحنة مياه عذبة تصل إلى المخيم، وتوزع حمولتها مجاناً، ولا يعرفون مصدرها.
وأكد البيوك أن أبناءه مصابون بنزلات معوية ومغص وإسهال على مدار الوقت، ولا يكاد ينتهي "كورس علاج"، حتى تعود نفس الأعراض، وأخبره أطباء بأنهم يعانون من طفيليات معوية، بسبب شرب مياه مُلوثة.
الأمر ذاته اشتكى منه النازح عبد الرحمن الفرا، موضحاً أن شرب مياه الآبار الزراعية تسبب لأبنائه بأمراض معوية، وانخفاض في أوزانهم، واعتلال في صحتهم، حتى بات يطلب من زوجته غلي المياه قبل شربها، في محاولة لتقليل مخاطرها، في ظل عدم وجود بدائل آمنة.

رفض أوامر الإخلاء

تسببت أوامر الإخلاء الإسرائيلية المتتابعة بحالة إرهاق كبيرة للمواطنين، وبدأت تخلق حالة من العصيان والرفض التام لأوامر الاحتلال، تمثلت بإصرار آلاف المواطنين على البقاء في منازلهم، ورفض تكرار النزوح.
وما زالت أحياء معن، وجورة اللوت، وقيزان رشوان، وقيزان النجار، والسلام، والمنارة، والحشاش، والشيخ ناصر، تعج بالحياة ويتواجد فيها معظم سكانها، رغم صدور أوامر إخلاء مرتين متتاليتين خلال الأسبوع الجاري، وتكرار تعرضها للقصف والغارات.
وقال المواطن حازم مصباح: إنه نزح عن منزله في مناطق شرق خان يونس 6 مرات منذ بدء العدوان، تارة يتوجه إلى رفح، وتارة إلى مدينة دير البلح، ومرات إلى منطقة المواصي، وقد عاد إلى بيته قبل نحو شهر، ومنذ عودته قرر عدم النزوح مرة أخرى، ويشعر بأن الموت في البيت أفضل من أن يتحول هو وغيره من المواطنين إلى كرة يقذفها ضابط إسرائيلي أينما شاء، عبر منشور، أو رسالة نصية يصدرها وفق مزاجه.
ولفت إلى أنه في آخر عملية عسكرية بخان يونس كان في بيته وحوله جيرانه، واستشهد وأصيب الكثير منهم، ولم يفكر لحظة بالنزوح رغم أن القذائف كانت تتساقط حول منزله.
وأوضح أن بعد أكثر من 10 أشهر من العدوان والنزوح والموت والمعاناة، تساوت الحياة والموت عند سكان قطاع غزة، ولم يعد الأمر مخيفاً، ولم تعد أوامر الإخلاء ترعبهم كما في السابق.
وأكد أن إصرار المواطنين على البقاء في منازلهم، وعدم النزوح عنها مهما حصل، هو السبيل الوحيد لإفشال خطط الاحتلال بتكرار النزوح، وتكثيف معاناة المواطنين، داعياً جميع سكان خان يونس النازحين إلى العودة لبيوتهم، والتوكل على الله.
أما المواطن علاء جراد، فقال: إن الاحتلال يسعى لإرباك المواطنين وتعميق معاناتهم، وفي آخر ثلاث بلاغات إخلاء لم تصل الدبابات إلى معظم المناطق التي جرى إنذارها، وهذا دليل على أن الهدف هو التهجير بغرض تعميق المعاناة، وليس تنفيذ عمليات عسكرية.
وأشار إلى أن المواطنين سئموا من كثرة النزوح، وعلى عكس المرات السابقة، فإن المناطق التي شهدت أوامر نزوح ما زالت عامرة بأهلها، والحياة فيها شبه طبيعية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف