يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بصورة مكثفة لليوم الـ307 على التوالي، وتتصاعد المجازر وعمليات القتل في جميع أنحاء القطاع، بينما يتواصل النزوح القسري، وتداعياته القاسية.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد من قلب العدوان والمأساة، منها مشهد يرصد دفن مئات الشهداء بعيداً عن المناطق التي وُلدوا وعاشوا فيها، ومشهد آخر تحت عنوان: "سكان قطاع غزة يراقبون تطورات الحرب على مختلف الجبهات"، ومشهد ثالث يُوثق كيف اكتسبت النساء مهارات جديدة في النزوح.

مواراة الشهداء بعيداً عن مسقط رأسهم
أجبر العدوان الإسرائيلي المُستمر على قطاع غزة، المئات من ذوي الشهداء على دفن أحبتهم وأقاربهم في مناطق بعيدة عن مسقط رأسهم، وهذا الأمر لم يكن سائداً قبل العدوان، إذ عادة ما يتم دفن الموتى والشهداء في مقابر المحافظات التي ولدوا وعاشوا فيها.
فمئات الشهداء من سكان مدينة غزة وشمال القطاع، ممن كانوا سقطوا في مناطق الجنوب والوسط بعد نزوحهم، دفنوا في مقابر بعيدة عن مسقط رأسهم، بينما تم دفن عدد كبير من شهداء محافظة خان يونس في رفح، وحالياً يجري دفن شهداء تم انتشالهم من رفح في مقابر محافظة خان يونس.
وقال المواطن أحمد طه، إن اثنين من أقاربه استشهدوا خلال محاولتهم العودة إلى مناطق غرب محافظة رفح، وبعد جهد كبير جرى انتشالهما، باتجاه مجمع ناصر الطبي في خان يونس، واضطرت العائلة لدفنهما في مقابر خان يونس.
وأكد طه أنها المرة الأولى التي يتم دفن موتى من العائلة خارج محافظة رفح، والعائلة تنوي نقل الجثامين إلى مقابر رفح بعد انتهاء العدوان.
وأشار إلى أن العائلات تفضل دفن موتاها متجاورين في مقبرة واحدة، والجميع أبدوا حالة سخط وعدم رضا بعد دفن الشهداء بعيداً عن مسقط رأسهم.
من جهته، قال المواطن محمد بربخ إن العائلة التي قضى عدد كبير من أبنائها خلال اجتياح محافظة خان يونس، نهاية العام الماضي واستمر حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، اضطرت لدفن معظم الشهداء في مدينة رفح، وأحياناً في مناطق شرق خان يونس.
وبيّن أنه بعد انسحاب الدبابات جرى نقل رفات عدد من الشهداء وإعادة دفنها في مقابر خان يونس، وأخرى بقيت في رفح، بانتظار التوقف الكامل للعدوان، ليتم نقل باقي الجثامين.
وأوضح بربخ أن معظم العائلات تفضل أن تكون قبور أبنائها في المنطقة التي ولدوا وعاشوا فيها، وهذا يسهّل زيارة المقابر بين الفينة والأخرى، ويبقي الأموات الأقارب بجوار بعضهم، وهو أمر له أثر نفسي جيد على العائلات المكلومة.
ونقلت عائلات جثامين أبنائها الشهداء من داخل مستشفيات ومؤسسات استشهدوا فيها، بعد حصارها، ودفنوا في حدائقها، إلى مقابر وجرى إعادة دفنهم.

مراقبة تطورات الحرب
رغم القصف والدمار اليومي، وحياة النزوح، والمعاناة الكبيرة، إلا أن سكان قطاع غزة انشغلوا في الآونة الأخيرة بمتابعة تطورات الحرب على مختلف الجبهات، خاصة جبهة شمال فلسطين المحتلة مع لبنان.
ويومياً يُشاهد مواطنون يتجمعون في "كافيهات"، ومقاهٍ يتمكن ملاكها من تشغيل التلفاز على محطات إخبارية، لمتابعة تفاصيل ما يحدث على الجبهات، خاصة بعد الاستنفار في المنطقة بأسرها خشية حدوث حرب وشيكة.
كما يتابع مواطنون تطورات الأحداث عبر متابعة مواقع إخبارية على شبكة المعلومات الإلكترونية "انترنت"، أو من خلال مجموعات إخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما أضحى جهاز الراديو، أحد أهم وسائل المواطنين لمتابعة الأحداث، خاصة أن الهواتف النقالة يمكنها تشغيل المذياع، عبر تطبيقات حديثة.
وذكر المواطن غسان جبريل، أنه يتابع عن كثب تطورات مختلف الجبهات، والتهديدات المتبادلة، ما ينبئ بتوسيع الحرب في أي وقت.
ولفت جبريل إلى أنه رغم ما يحل بغزة من دمار وخراب، إلا أن متابعة ما يحدث على باقي الجبهات أمر مهم، فكل الجبهات مرتبطة ببعضها، ولولا الحرب على غزة لما كان لها أن تشتعل، لذلك يعتقد أن أي تطور على أي جبهة سينعكس بشكل أو بآخر على ما يحدث في قطاع غزة.
وأوضح أنه دائماً ما يردد المثل السوري الشهير القائل "إذا ما كبرت ما رح تصغر"، وهذا يعني أن أكذوبة المفاوضات، وألاعيب نتنياهو لن تفضي مطلقاً إلى نهاية الحرب، فحتى تنتهي يجب أن تتسع وتتطور، حينها قد يتم فرض حل شامل، تكون غزة جزءاً منه، دون ذلك لن تقف الحرب على غزة أبداً.
بينما قال سمير قاسم، إنه بات يشعر بأن اتساع الحرب مسألة وقت، وأن إسرائيل تريد توجيه ضربة للبنان، سواء رد حزب الله على اغتيال القيادي فيه، أم لم يرد، ومن هذا المنطلق يقضي وقتاً طويلاً في متابعة الأخبار، ويشتري بطاقات لشراء خدمة انترنت الشوارع، أو يتوجه إلى كافيه لمشاهدة نشرات الأخبار، وطوال الليل يشغل المذياع ويتابع تفاصيل كل الأحداث، ولا ينام إلا عند الفجر، ويعتقد أن اندلاع حرب على جبهة لبنان وربما إيران بات وشيكاً.

نساء يكتسبن مهارات في النزوح
رغم مآسي النزوح، وما ينجم عنه من معاناة كبيرة، خاصة للنساء، إلا أن الأخيرات تعلمن مهارات جديدة، واكتسبن خبرات لم يعرفنها من قبل.
فقد أصبحت النساء، خاصة الفتيات، بارعات في إشعال النار والطهي عليها، وإعداد الخبز بواسطة فرن الطين، واستخدام الرمل في جلي الأواني، وغيرها من المهارات.
وقالت المواطنة منة الله مصطفى، إنها تزوجت قبل العدوان الإسرائيلي بعدة أشهر، وكانت تسمع عن فرن الطين، وغسل الملابس يدوياً، واستخدام النار للطهي، لكنها لم تجرب كل هذه الأمور في حياتها، إلى أن جاء النزوح، وعاشت مرارته، واضطرت لفعل كل ما ذُكر.
وأكدت مصطفى أنها تعلمت كيف تنظف الأواني باستخدام قطعة ليمون صغيرة مع الرمل، في ظل غياب الصابون، وأيضاً تعلمت غسل الملابس يدوياً ودون مسحوق غسيل، وأصبحت بارعة في الخبز على فرن الطين، وتجيد إشعال النار، مع تقليص استخدام الحطب لأقصى درجة ممكنة.
وبينت أنها تعلمت أن تختزل كل البيت أو الخيمة في حقيبة واحدة، يتواجد فيها أهم ما يلزم الأسرة، وفي حال حدث طارئ يمكن أخذ الحقيبة بسرعة وإخلاء الخيمة.
أما الفتاة أسماء موسى، وهي أيضاً حديثة الزواج، فقالت إن جيلها وأمثالها من الفتيات تعرضن للتنمر والانتقاد بدعوى أنهن من الجيل المرفه، الذي ولد في فمه ملعقة من ذهب، يغسلن الغسيل على غسالات "فل أوتوماتيك"، ويشترين الخبز الجاهز، ويستخدمن التكنولوجيا في مختلف أعمال المنزل، حتى جاءت الحرب، وقلبت كل الموازين، وأثبتت هي وأمثالها من الفتيات أن لديهن قدرة أعلى من أمهاتهن وجداتهن في تعلم كل المهارات، فأصبحن يفعلن ما لم يتوقعنه، فالسيدة أو الفتاة تستيقظ مبكراً، وتُشعل النار، وتُنضج الخبز، وتغسل الملابس، وتحضر الطعام، وتبقى في حالة عمل مستمرة حتى مغيب الشمس.
وبينت موسى أن العدوان طحن النساء، وفاقم معاناتهن، حتى أن بعضهن أصبن بأمراض من كثرة التعب، مثل الانزلاقات الغضروفية، وأمراض جلدية، وآلام مزمنة في الحوض والمفاصل، ومن المؤكد أن من تنجو منهن ستعاني طوال عمرها من تلك التبعات والآثار.
وأشارت إلى أن ما تعيشه وأمثالها من النساء سيبقى قصصاً تروى للأجيال المقبلة، ليعلموا كيف حوّل الاحتلال الظالم حياة النساء في غزة إلى جملة من المعاناة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف