- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2024-08-14
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم الـ312 على التوالي، وتتصاعد حدة المجازر والجرائم، مع تكثيف محاولات إجبار المواطنين على النزوح، واستمرار الضغط على سكان شمال قطاع غزة لتفريغه، بينما يتواصل الحصار بصورة غير مسبوقة، مخلفاً أزمات كبيرة في القطاع.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان وتبعاته، منها مشهد يوثق ذهاب الوالد محمد أبو القمصان لاستخراج شهادتي ميلاد لطفليه حديثي الولادة، فعاد ووجدهما أشلاء برفقة والدتهما، ومشهد آخر يرصد رفض سكان شمال قطاع غزة النزوح رغم المجاعة والتهديد، ومشهد ثالث تحت عنوان: "أطفال ولدوا وعاشوا في الخيام".
التوأمان أسيل وأيسر
لم تدم حياة الطفلين التوأمين أسيل وأيسر أبو القمصان سوى 90 ساعة فقط، إذ قتلهما جيش الاحتلال برفقة والدتهما ريم، التي لم تتعافَ بعد من متاعب وآلام الولادة.
الأم ريم كانت برفقة طفليها تُقدم لهما الرعاية والاهتمام، في شقة داخل أبراج القسطل، بمدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، حين تناول الوالد محمد أبو القمصان النازح من شمال القطاع طعام الإفطار، وتوجه إلى أحد مكاتب إصدار الأوراق الثبوتية، لإصدار شهادتي ميلاد لهما، وهو فرح بقدومهما بعد انتظار طويل.
لم يدم غياب الوالد كثيراً، وحين عاد فوجئ باستهداف مباشر للشقة التي كان يقيم فيها، وتحوّل زوجته وطفليه، ومعهم جدتهم "أم والدتهم"، إلى أشلاء.
محمد بدت علامات الصدمة واضحة على وجهه، يُمسك بشهادتي ميلاد طفليه، ويرفعهما في الهواء، بينما كان يسير في جنازة طفليه ووالدتهم.
وقال الوالد المكلوم، إن ما حدث كان جريمة غير مبررة، فلم يكن في الشقة سوى زوجته ووالدتها، وطفليه حديثي الولادة، ورغم ذلك جرى استهدافها بصاروخ، قتلهم جميعا، متمنياً لو بقي في الشقة ولم يغادرها، ليستشهد معهم، ولا يبقى وحيداً يعاني الحسرة والحزن.
وأكد محمد أنه يكاد لا يصدق ما حدث، فبعد حمل صعب لزوجته استمر 9 أشهر، تخللها أكثر من رحلة نزوح، ومعاناة كبيرة، فرح بولادتها، وبدء تعافيها، وبرؤية طفليه، وفجأة ودون سابق إنذار ذهبوا جميعاً دون أن يعرف لماذا، وكيف؟.
وأوضح أبو القمصان أنه فقد كل شيء، بيته في شمال القطاع، وعائلته، والشقة التي كان يقيم فيها في مدينة دير البلح، وأصبح وحيداً بلا مأوى يواجه الحزن، ومرارة الفقد، ومعاناة النزوح.
وحاول أقرباء محمد تهدئته، ومواساته، لكنه كان في حالة حزن كبير، خاصة حين احتضن جثماني طفليه.
ولم يكن طفلا المواطن أبو القمصان الوحيدين اللذين جرى قتلهما وهما حديثا الولادة، فمئات الأطفال قضوا وهم في سن صغيرة، بينهم أطفال بذل ذووهم جهوداً كبيرة، وخاضوا رحلات علاج طويلة، من أجل إنجابهم، وراحوا في غمضة عين، ومن بينهم أطفال عائلة أبو عنزة في رفح وغيرهم.
سكان شمال القطاع يرفضون النزوح
رغم الضغوط الشديدة التي مارسها جيش الاحتلال على سكان مناطق شمال قطاع غزة، خاصة أحياء بيت حانون، والمنشية، والشيخ زايد، ومن قبلها الشجاعية، والزيتون، والرمال، والطلب منهم صراحة بالتوجه إلى مناطق وسط القطاع، وتحديداً مدينة دير البلح، وبلدة الزوايدة، عبر شارع صلاح الدين، إلا أن الأيام الماضية لم تشهد ولو حالة نزوح واحدة باتجاه جنوب القطاع، إذ عبّر من تبقى من سكان في مدينة غزة وشمال القطاع، عن رفضهم القاطع لأوامر النزوح.
وترافقت أوامر النزوح المذكورة مع ضغوط شديدة مازال جيش الاحتلال يمارسها ضد سكان تلك المناطق، منها تكثيف القصف الجوي والمدفعي، وتعميق المجاعة، عبر منع دخول المواد الغذائية إلى شمال القطاع.
وأكدت المواطنة دعاء أحمد، في منشور على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أنها اتخذت وعائلتها قراراً حاسماً، بأنهم لن يغادروا شمال القطاع، مهما بلغت الضغوط، حتى لو وصل بهم الأمر للموت في منازلهم.
وأشارت أحمد إلى أنها وباقي المواطنين في مناطق شمال قطاع غزة، تحملوا أكثر من 10 شهور من الضغط والتجويع، والقتل، والنزوح، وهم ماضون في صمودهم، ولن يخلوا بيوتهم، لأن كل مَن فعل ذلك، ونزح باتجاه جنوب ووسط القطاع، وعجز عن العودة إلى بيته، ندم على ذلك ندماً شديداً.
في حين قال المواطن عبد الله المصري، الذي يقيم حالياً في خيمة غرب خان يونس، إنه نادم على قرار مغادرة شمال القطاع باتجاه الجنوب، فقد استشهد ابنه وشقيقته في جنوب القطاع، ونزحوا أكثر من مرة، وقد ناشد أشقاءه الذين بقوا هناك برفض النزوح مهما حدث.
وبيّن أن شقيقه الأكبر أخبره بأن سكان بيت حانون ومحيطها رفضوا أوامر النزوح الأخيرة، وفي حال شعروا بخطر شديد سينزحون داخل شمال القطاع، لكنهم لن يجتازوا وادي غزة باتجاه الجنوب، لأن من يغادر باتجاه الجنوب قد لا يعود إلى منزله ثانية.
ولفت إلى أن المواطنين في شمال القطاع صامدون، ويواصلون مجابهة كل ضغوط الاحتلال، وجميعهم واثقون بأنهم سينتصرون على إرادة المحتل الذي يسعى لإقامة واقع جديد في مناطق شمال القطاع، ويسعى إلى جعلها مناطق خالية من الفلسطينيين، من أجل إعادة الاستيطان فيه.
وكان جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، أكد أن الاحتلال يخدع المواطنين بادعاء أن شارع صلاح الدين منطقة آمنة، وأكثر من مرة يستهدف قناصته نازحين على جسر وادي غزة، ويعتقل الجنود العشرات منهم، ويعدمون بعضهم.
وُلودوا وعاشوا في الخيام
مازالت مئات الآلاف من العائلات في قطاع غزة تعيش حياة النزوح القاسية، وأغلبهم يعيشون داخل خيام، في ظل درجات حرارة عالية، ونقص حاد في المياه وفي أغلب الخدمات.
ومن أكثر الأمور التي أثرت في المواطنين، أن أبناءهم ولدوا داخل خيام، وعاشوا فيها عدة أشهر، وبعضهم شارف على المشي ومازال وعائلته داخل الخيمة.
وقال المواطن عبد الرحمن ياسين، إن زوجته وضعت مولدها في شهر كانون الأول من العام الماضي، ومنذ الأسابيع الأولى من حمل زوجته سارع لشراء سرير من خشب الزان، وجهز ملابس، وألعاباً، وحاجيات كثيرة، وكان يخطط أن يجعل حياة طفله هادئة وجميلة، خالية من المتاعب، كما حرص على توفير كل ما يلزم لزوجته، لكنه ترك كل هذا وفر للنجاة بحياته وحياة زوجته وجنينها.
وأشار إلى أنه منذ الشهر الأول للعدوان بدأت رحلة النزوح من مدينة غزة، وتنقلوا من مكان إلى آخر، ومن بيت إلى بيت، حتى استقروا في خيمة مطلع شهر كانون الأول، ووضعت زوجته مولدها في الخيمة، وكبر الطفل، وبدأ يحبو على الرمال، بدلاً من أن يحبو على السجاد الذي فرش به منزله، وأصبح يلهو في الرمل وأصداف البحر، بدلاً من أن يلهو بألعابه التي اشتراها له، وتركها في منزلهم، الذي تعرض للتدمير.
وأكد أنه من الصعب عليه أن يرى ابنه وُلد وكبر وهو داخل الخيمة، ولم يعش طفولته كما يجب، وحياته مهددة، ومستقبله غامض بعد هدم منزلهم.
من جهته، قال المواطن أيمن سليمان، إن ابنيه رزقا بمولودين خلال الحرب، ومن أصعب الأمور الاعتناء بالأطفال وتربيتهم في ظل هذه الحياة القاسية، وتكرار النزوح، فالطفل في أشهر عمره الأولى بحاجة إلى رعاية خاصة، وتوفر الحليب بانتظام، وعدم تغيير نوعية الحفاضات، وغذاء جيد للأم، وأن يعيش في بيئة غير ملوثة، ممتلئة بالفيروسات والأمراض، وغيرها من الأمور الضرورية، لكن للأسف كل هذا بات مفقوداً في ظل الحياة القاسية، والطفل ينام في خيمة على رمال ملوثة، والأم مرهقة، عدا التنقل كل يوم، وهذه الحياة القاسية وغير الآمنة لن تنتج أطفالاً أصحاء، لا نفسياً ولا جسدياً.