- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2024-08-16
تواصل "الأيام" نقل مشاهد جديدة من قلب العدوان المستمر على قطاع غزة لليوم الـ314 على التوالي، مع التركيز على نقل المعاناة، وتسليط الضوء على المجازر الإسرائيلية، وجرى رصد مشهد يوثق تدمير القطاع الزراعي بشكل كامل في قطاع غزة، وتناقص المساحات المزروعة بنسبة فاقت الـ98%، ومشهد آخر تحت عنوان: "رفح.. الداخل إليها مفقود"، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان "النزوح المتكرر يخلق واقعاً ديمغرافياً جديداً في القطاع".
2 % فقط من الأراضي الزراعية مُستغلة
يواصل الاحتلال استهداف القطاع الزراعي في غزة بشكل غير مسبوق، إذ جرف ودمر عشرات الآلاف من الدونمات الزراعية، وخرّب آلاف الدفيئات، واقتلعت جرافاته معظم الأشجار المزروعة داخل غزة.
وبالتزامن مع ذلك، يفرض الاحتلال حصاراً على المستلزمات الزراعية، ويمنع وبشكل كامل إدخال البذور والأسمدة، وكل المعدات والمواد التي تدخل في مجال الزراعة.
وتسبب هذا الوضع الكارثي في تحويل قطاع غزة من مُصدّر للخضراوات، إلى مُستورد لها، وخلق شحاً كبيراً وغير مسبوق في جميع الأصناف، ورفع أسعارها على نحو كبير وصل إلى 500%، وأحياناً أكثر من ذلك.
وقال المزارع إبراهيم النجار، من سكان شرق خان يونس، جنوب قطاع غزة، إن أجود الأراضي الزراعية جرى تجريفها، وتدميرها، وأسقطت طائرات الاحتلال آلاف الأطنان من المتفجرات فيها، وتسببت بتصحرها، وقد توقفت الزراعة في تلك المناطق بشكل كامل.
وأشار إلى أنه قبل العدوان الأخير على شرق خان يونس، غامر واستصلح أرضه، وفق الإمكانات المتاحة، ووفر بذوراً زراعية بشق الأنفس، واشترى المياه بأضعاف ثمنها، وبعد أن نبتت المزروعات، ووصلت إلى طول 10 سنتيمترات، جاء الإخلاء الأخير، وترك كل شيء وراءه، ومن المؤكد أن النباتات جفت وماتت، بسبب عدم ريها في ظل الحر الشديد.
وبيّن النجار أن الوضع في مناطق شرق وشمال خان يونس، التي كانت تعد سلة الخضراوات الرئيسة للمواطنين، بات كارثياً، لافتاً إلى أن المزارعين توقفوا عن الزراعة.
وإلى جانب الضرر الكبير الناجم عن تجريف الأراضي الزراعية وتخريبها، توقف نحو 50 ألف مزارع وعامل في مجال الزراعة ومهن مساندة عن العمل، كما يعاني المواطنون من شح الخضراوات وارتفاع ثمنها، ما خلّق مشاكل صحية وسوء تغذية خاصة لدى الأطفال، على اعتبار أن الخضراوات والفواكه مهمة لتوفير العناصر الغذائية للمواطنين.
وذكرت وزارة الزراعة في قطاع غزة، أن الأراضي المزروعة حالياً لا تتجاوز مساحتها 500 دونم، أي 2% مما كان سابقاً، وأن الاحتلال يُجرف الأراضي الزراعية، ويمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، مبينة أن نقص مساحة الأراضي الزراعية يسبب تداعيات كارثية، ويسهم في تفاقم المجاعة بقطاع غزة، خاصة في المناطق الشمالية.
رفح .. الداخل إليها مفقود
تُعد محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، من أخطر مناطق القطاع، حتى وإن لم يكن الاحتلال موجوداً في بعض أحيائها.
فمنذ بداية شهر آب الجاري، سقط أكثر من 100 شهيد، معظمهم من المواطنين العُزل، ممن يحاولون العودة إلى بيوتهم بهدف تفقدها.
وتفرض قوات الاحتلال حالة من الإطباق الجوي الكامل على المحافظة، وتُطلق عشرات الطائرات المُسيّرة، تحلّق باستمرار فوق جميع الأحياء فيها، وتستهدف بشكل مباشر كل مواطن يحاول الدخول إليها.
ويومياً يُعلن عن استشهاد ما بين 8 و10 مواطنين، أغلبهم يحاولون العودة إلى بيوتهم، بينما تغص مواقع التواصل الاجتماعي بالمناشدات، من أجل المساعدة في العثور على مواطنين دخلوا أحياء رفح ثم فقدت آثارهم، وانقطع الاتصال معهم.
وقال المواطن محمود أبو جزر إن أكثر من 15 من أفراد حامولته، سقطوا شهداء في أحياء رفح منذ بداية العدوان، بعضهم قضوا خلال محاولتهم الوصول إلى منازلهم، وآخرون سقطوا وهم يحاولون الوصول إلى جثامينهم لإخلائها.
وأكد أبو جزر أنه نجا من موت محقق، بعد أن وصل إلى شمال مخيم الشابورة، وأن أغلب المناطق التي سقط فيها الشهداء كانت خالية من الدبابات، وهذا شجّع الضحايا على التقدم، قبل أن يتم قصفهم من الطائرات المُسيّرة، مبيناً أنه تعرّض لإطلاق نار من طائرة "كواد كابتر"، وتمكّن من الهرب والنجاة، فيما استشهد عدد من المواطنين كانوا بجواره.
من جهته، قال المواطن أيمن سالم، إن عدداً من أقربائه وصلوا إلى منطقة قرب "مول العرب"، عند أطراف حي الجنينة، شرق رفح، وكان أحدهم يتحدث إلى أقاربه عبر الهاتف، ويصف لهم مشهد الدمار، وفجأة سمع صوت صفير وانقطع الاتصال، ومنذ أسبوعين لا يُعرف مصيرهم، ولا ما حلّ بهم، ولم يستطع أي شخص الوصول إلى تلك المنطقة، والاعتقاد السائد أنهم استشهدوا، ولم يتم انتشال جثامينهم حتى الآن.
وذكر المواطن عز الدين شقفة، أنه وصل إلى حي تل السلطان وجلب حاجيات ضرورية من منزله ثم عاد مسرعاً، وعدّ نفسه من المحظوظين بأنه خرج حيّاً من الحي، الذي أكد أن الاحتلال حوّله إلى مقبرة كبيرة، فقد شاهد عشرات الجثامين في الشوارع، وعلى الأرصفة، ومعظمها متحللة، لشبان وفتية ومواطنين حاولوا الوصول إلى بيوتهم.
وبيّن أنه وبعد هذا المشهد قرر ألاّ يعود إلى الحي، بل نصح الجميع بعدم الدخول إلى رفح مطلقاً، طالما بقيت العملية العسكرية مُستمرة، ويعتقد أن من يدخل إلى رفح سيكون مفقوداً.
وحذرت المديرية العامة للدفاع المدني في قطاع غزة، المواطنين من التوجه إلى المناطق الخطرة في محافظة رفح، خاصة مناطق شرق، ووسط، وشمال رفح، وذلك بعد رصد حالات استهداف إسرائيلية لكل مَن وصل إلى تلك المناطق، وكثير منهم أصبحوا في عداد المفقودين.
واقع ديموغرافي جديد
تسبّب النزوح المتكرر من المدن والبلدات في قطاع غزة، في خلق واقع ديموغرافي جديد داخل القطاع، لم يكن معروفاً قبل العدوان.
ولجأ الاحتلال إلى تكرار إصدار أوامر إخلاء من القطاع، فبعد إخلاء محافظة رفح بالكامل من سكانها، جرى إخلاء معظم مناطق شرق ووسط وشمال خان يونس، وإجبار قاطنيها على الانتقال إلى مناطق أخرى.
وبات أكثر من 70% من مساحة جنوب القطاع ووسطه، بما في ذلك محافظتا رفح وخان يونس، خالية من السكان، بينما جرى زج النازحين في مستطيل ضيّق يمتد على طول الساحل من مدينة دير البلح شمالاً، وحتى مواصي خان يونس جنوباً، وسط اكتظاظ كبير، واضطرار المواطنين للعيش في خيام صغيرة.
وقال المواطن إبراهيم ياسين، إنه ترك منزلاً من أربعة طوابق، أمامه حديقة، وبجانبه قطعة أرض كبيرة، بمساحة إجمالية تتجاوز 750 متراً مربعاً، وجاء إلى مواصي خان يونس ليعيش مع 7 من أفراد أسرته داخل خيمة لا تتجاوز مساحتها 20 متراً مربعاً.
ونوّه إلى أن منطقة المواصي التي أجبر الاحتلال المواطنين على اللجوء إليها هي منطقة مكتظة، سيئة الخدمات، غير متوفر فيها المياه، تربتها رملية زراعية، لا تصلح للسكن، مليئة بالحشرات، والرطوبة فيها عالية جداً، وهذا كله مع غياب الأمان، واستمرار شن الغارات والهجمات على الخيام فيها.
وأكد أنه كلما تأمل الواقع شعر بالحزن والحسرة، فالمواطنون تركوا بيوتهم وأراضيهم، ويعيشون في كرب شديد في خيام، وسط زحام غير مسبوق.
بينما قال المواطن مراد عبد اللطيف، إن الاحتلال تعمّد تغيير كل شيء في قطاع غزة، فبعد أن خلق واقعاً عمرانياً جديداً، ودمر المنازل والبنية التحتية والشوارع، يعمل حالياً على خلق واقع ديموغرافي مختلف، يتمثل في إخلاء مساحات كبيرة من قطاع غزة، وتركها خالية من السكان، وإجبار المواطنين على الإقامة في مناطق ضيّقة.
وأوضح أن هذا الواقع تعدى مناطق جنوب ووسط القطاع، فمحافظتا غزة والشمال كان يقطنهما في السابق أكثر من 1.2 مليون شخص، والآن عدد سكانهما لا يتجاوز 300 ألف، وهناك أحياء خالية، وأخرى عدد سكانها قليل.
وأعرب مواطنون عن خشيتهم من أن تكون هذه الخطوة مقدمة لتهجير المواطنين خارج القطاع، حيث يجري حشر الناس في شريط ضيّق يبعد عدة كيلو مترات عن الحدود مع مصر، وفي حال حدث ضغط عسكري عليهم، قد يُجبرون على اجتياز الحدود من على الشاطئ، خاصة بعد ورود معلومات بأن الاحتلال خلق ما يشبه الطريق لتسهيل هذه العملية.
في حين أكدت وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، أن النزوح داخل غزة لا ينتهي، وتم وضع حوالى 84% من قطاع غزة، أي ما يعادل 305 كيلومترات مربعة، تحت أوامر الإخلاء الإسرائيلية، والناس أصبحوا مُرهقين.