زجت حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ خمسة عشر شهراً متتالية، بطلبة المدارس والجامعات في القطاع من مقاعد الدراسة والعلم إلى الجلوس بالجملة على قارعة الطريق للعمل على بسطات صغيرة لبيع ما تيسر من احتياجات المواطنين اليومية، لعلّهم يسدون جوع عائلاتهم وأسرهم، ويوفرون مصروفهم في ظل الارتفاع الفاحش للأسعار.
فبعد أن كان في الماضي القريب قبل الحرب القليل منهم يعمل ليعيل نفسه وعائلته، أصبح اليوم وبعد الحرب الكثير منهم ينتشرون في الشوارع لعلّهم يستطيعون توفير القليل من المال ليعيشوا وعائلاتهم باليسير الذي يكسبونه نظير جلوسهم على البسطات.
فتجد هذا جالساً على بسطة لبيع المعلبات، وذاك على أخرى لبيع الخضراوات، وآخر على بسطة لبيع التوابل والبهارات، وغيره على بسطة لبيع المواد التموينية مثل السكر والملح والمعكرونة، وآخر يساعد والده في حياكة الأحذية، وغيره الكثير الكثير ممن تجدهم يسيرون في الشوارع وبين الخيام يحملون الحلوى والسكاكر المصنعة محلياً وينادون عليها لبيعها.
وقال الطفل عبد الله جاد الله، في الصف التاسع الأساسي، إنه أجبر على الوقوف على بسطة لبيع المعلبات والمعكرونة ليتمكن من توفير المال ليبتاع بعضاً من الخضراوات بدلاً منها، في ظل عدم استطاعة والده توفيرها لارتفاع أسعارها في الأسواق منذ بداية العدوان.
وأضاف جاد الله: "ليس بالضرورة أن أقوم ببيع كل ما لدي يومياً رغم أنني أبقى على البسطة لوقت ما بعد المغرب، ولكن أكون سعيداً عندما أبيع منها كي أقوم بتوفير بعض مما تحتاجه عائلتي لأدخل السعادة عليهم، وأغير روتين العشاء من المعلبات إلى خضراوات تكفي لعمل طبق من السلطة لتناولها سوياً".
من جهته، قال الطفل تامر النجار: "من المفترض أنني أدرس في الصف العاشر الأساسي بشكل منتظم ووجاهي بشكل يومي ولكن بسبب ظروف الحرب وبعد تدمير المدارس التحقت بإحدى مبادرات التعليم، فهي لا يوجد بها دوام دراسي يومي بل يوم بعد آخر، ولذلك وجدت فسحة من الوقت أمامي لأعمل وأساعد عائلتي فلجأت إلى جمع الحطب والخشب من المناطق التي دمرتها وجرفتها قوات الاحتلال وأقوم ببيعها، خاصة بعد زيادة الطلب عليها في ظل شح غاز الطهي، لأوفر المال لتتمكن عائلتي من العيش بأدنى متطلبات الحياة الصعبة هذه خلال أيام الحرب".
بدوره، قال الطفل محمود زياد، ابن الصف الثامن: "اعتقلت قوات الاحتلال والدي خلال الحرب فأجبرتني الظروف على العمل لأوفر لعائلتي مصروفهم اليومي، فقمت بالعمل على بسطة لبيع التوابل والبهارات تارة، وعملت فترة على ماكينة طحن الفلافل والبقوليات تارة أخرى".
وأضاف: في أحسن الأحوال أحصل على مبلغ من 20 - 30 شيكلاً مقابل يوم عمل كامل، وهذا لا يكفي المصروفات اليومية لعائلتي التي تتكون من خمسة أفراد لكنني مجبر على العمل، خاصة مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وما أحصل عليه لا يكفي إلا لتوفير كيلوغرام من الدقيق فقط.
أما الطالب الجامعي أحمد صعيدي، فقال: "لقد التحقت بالجامعة هذا الفصل إلكترونياً لعدم وجود تعليم وجاهي في قطاع غزة، فوجدت أنه من الضرورة بمكان أن أعمل لأوفر مصروفاتي وجزءاً من مصروف عائلي، فلجأت للعمل في بسطة لبيع الخضراوات والفاكهة رغم عزوف المواطنين بشكل كبير عن شرائها بسبب ارتفاع أسعارها بعد منع قوات الاحتلال إدخالها للقطاع بشكلٍ كافٍ".
وأضاف: "أجد أن العمل على تلك البسطة أفضل من غيرها، لأنه في حال عدم تمكني من توفير المصروف المادي من وراء البيع، فإنني أوفر لهم ما يحتاجونه من خضراوات عن تلك البسطة"، متمنياً أن تنتهي الحرب وأن تعود عجلة الحياة إلى سابق عهدها بعد أن فقد الجميع كل الالتزامات والمواقيت، ويعود الكل إلى عمله ومدرسته وجامعته.
وذكر يزن سلطان، الذي يعمل مساعد سائق "توك توك" (دراجة نارية بثلاث عجلات) وتعمل في نقل الركاب بعد توقف كافة المواصلات المعروفة في القطاع، ويقوم بجمع الأجرة من الركاب "رأيت أنه من الأفضل العمل بدلاً من ترك وقتي يضيع هدراً، فلجأت للعمل مع عمي على التوك توك، فضربت عصفورين في حجر واحد من خلال العمل والحفاظ على وقتي، إضافة لمساعدة والدي في مصروف العائلة اليومي".
وأكدت المديرة الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أديل خُضُر "لقد فقد الأطفال في قطاع غزة منازلهم وأفراد عائلاتهم وأصدقاءهم وسلامتهم وروتينهم اليومي، لقد فقدوا أيضا الملاذ والتحفيز الذي توفره المدرسة، ما يعرض مستقبلهم المشرق لخطر الانطفاء بسبب هذا النزاع الرهيب".
وحذّر المفوض العام لوكالة الغوث "الأونروا" فيليب لازاريني، من ضياع جيل كامل من أطفال غزة وحرمانهم من التعليم، وقال "عاد الأولاد والبنات في جميع أنحاء المنطقة إلى مدارس الأونروا باستثناء غزة، إن أكثر من 600 ألف طفل هناك يعانون من صدمة عميقة، ويعيشون تحت الأنقاض، وهم ما زالوا محرومين من التعلم والتعليم، حيث كان نصفهم يدرسون في مدارس الأونروا".
وأضاف: "في غزة، تم تدمير أو إتلاف أكثر من 70% من مدارس الأونروا، وإن غالبيتها الآن عبارة عن ملاجئ مكتظة بمئات الآلاف من العائلات النازحة ولا يمكن استخدامها للتعلم"، مشيراً إلى أنه "كلما طالت مدة بقاء الأطفال خارج المدرسة، زاد خطر ضياع جيل، وفي غياب وقف إطلاق النار، من المرجح أن يقع الأطفال فريسة للاستغلال بما في ذلك عمالة الأطفال".
وكشفت دراسة حديثة أجراها مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات، بدعم من تحالف أطفال الحرب، أن أكثر من عام من النزوح والقصف المتواصل ترك أطفال غزة الأكثر ضعفاً يعانون من أزمات نفسية حادة، حيث أصبحت عائلاتهم على حافة الانهيار.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف