لا تزال الأوضاع الإنسانية والمعيشية في قطاع غزة تتردى يوماً بعد يوم، في ظل القصف، والحصار، واستمرار اجتياح رفح وشمال القطاع، بينما يعيش النازحون ظروفاً مأساوية، وجوعاً وفقراً مستمرين، ويواجهون الموت في كل يوم، بعد مرور 459 يوماً على العدوان.
"الأيام"، تواصل نقل مشاهد من قلب العدوان الإسرائيلي على القطاع، إذ نقلت مشهداً بعنوان "الموت عند مداخل رفح"، ومشهداً آخر يوثق استمرار أزمة الطحين للشهر الثالث على التوالي في مناطق وسط وجنوب القطاع، ومشهداً ثالثاً يرصد وصول الدواجن لمناطق جنوب ووسط القطاع دون إقبال.

الموت عند مداخل رفح
لا تزال العودة لمدينة رفح أمراً محفوفاً بالمخاطر، إذ يواصل الاحتلال استهداف من يحاول الرجوع لبيته، أو دخول أحياء المحافظة.
وباتت طائرات الاحتلال لا تنتظر دخول المواطنين للمحافظة، إذ تنتظرهم عند مداخلها لتقوم بقصفهم، كما يحدث بصورة يومية.
ومع تكرار حوادث القصف والغارات، بات من السهل تحديد أكثر المناطق التي يتم استهداف العائدين الى رفح فيها، حتى باتت تُسمى "مناطق الموت"، من كثرة ما وقع فيها استهدافات يومية أدت لسقوط شهداء.
ومن أبرز تلك المناطق بلدة خربة العدس، وحي مصبح "وشارع ثلاجة زغلول"، إضافة لمنطقة الشاكوش، ومحيط "دوار العلم"، وجميعها مداخل يصل المواطنون منها للمحافظة.
ووفق الدفاع المدني في قطاع غزة، فإن معظم الأيام يحدث استهداف للمواطنين عند مداخل رفح، ويسقط شهداء وجرحى، بعضهم يتم انتشالهم، وآخرون لا تستطيع فرق الإنقاذ الوصول إليهم، ولا تزال جثامينهم في مدينة رفح.
وأكد المواطن أحمد أبو جزر، أن عدداً من أقربائه سقطوا شهداء وهم يحاولون الوصول لمحافظة رفح، اثنان منهم سقطا في بلدة خربة العدس، وثالث في منطقة مصبح، ورابع استشهد في حي الجنينة.
وأوضح أبو جزر أنه دخل المدينة مرة واحدة، وشاهد الموت بعينيه، حيث المُسيرات تحلق في الأجواء، وقذائف المدفعية تنطلق باتجاه معظم المناطق دون توقف، عدا تقدم الآليات العسكرية الإسرائيلية لبعض المناطق بشكل مفاجئ، وتفجير روبوتات، وحاويات، وقد نجا بأعجوبة، ولم يعد للمحافظة مُطلقا، لكن أقاربه ظلوا يترددون، حتى سقط بعضهم شهداء.
وبيّن أن الاحتلال بات يعرف المناطق والشوارع التي يصل منها المواطنون لمحافظة رفح، ويُطلق مُسيراته لتُحلق في اتجاه مداخل رفح، ويستهدف من يحاولون دخول المدينة.
وينقسم العائدون إلى رفح لقسمين، الأول مواطنون يحاولون الوصول لبيوتهم، إما لتفقدها، أو جلب بعض الحاجيات منها، أما القسم الآخر وهم لصوص المنازل، ممن يدخلون الأحياء، للسطو على البيوت التي أُجبر مُلاكها على تركها.
وسقط أكثر من 1500 مواطن ما بين شهيد ومفقود منذ اجتياح مدينة رفح في السادس من شهر أيار الماضي، بينما لا تزال مئات الجثامين في شوارع وأحياء المحافظة، معظمها تحلل، دون أن يتم انتشال الشهداء أو دفنهم.

أزمة الطحين تتواصل للشهر الثالث
لا تزال مناطق جنوب ووسط قطاع غزة تعيش أزمة طحين كبيرة للشهر الثالث على التوالي، مع تراجع عمليات توزيع المساعدات في القطاع، وعدم السماح بوصول طحين عن طريق التجار حتى الآن.
وتُعرض في الأسواق كميات شحيحة من الطحين، إما من خلال عائلات تسلمته وباعت حصصها، أو عبر لصوص المُساعدات، ممن يقومون بالسطو على الشاحنات، وسرقة محتوياتها من الطحين ثم بيعها.
ويتراوح ثمن كلغم الطحين في الأسواق السوداء كما بين 20-25 شيكلاً، في حين يتأرجح ثمن الشوال الواحد وزن 25 كلغم ما بين 500-700 شيكل.
وقال المواطن أكرم صالح، إنه لم يتسلم أية كميات من الطحين منذ وصوله الى محافظة خان يونس نازحاً من رفح، قبل 8 شهور، وكان يشتري حاجة أسرته من الأسواق، لكن مع شح الطحين وارتفاع أسعاره بات الأمر صعباً.
وأكد أنه يضطر لشراء الطحين من السوق مقابل 25 شيكلاً لكل كلغم، بحيث تُعد زوجته الخبز، وتقوم بتوزيعه على أبنائه، وتتطلب منهم تقنين استهلاكه، حيث يعتمدون في وجباتهم على طعام بديل، مثل الرز، والمعكرونة وغيرها من الأطعمة.
وأوضح أن أزمة الطحين طالت أكثر مما هو متوقع، وخلفت آثاراً صحية سيئة على الجميع، خاصة الأطفال، ممن باتوا يعانون أعراض سوء تغذية واضحة.
في حين يقول المواطن خالد داوود، إن اللصوص هم أساس أزمة الطحين، فوكالة الغوث بدأت مؤخراً بتوزيع الطحين بواقع شوال واحد لكل أسرة، وسارت العملية بشكل جيد بعد تأمين وصول أولى قوافل الطحين لصالح الوكالة، لكن في القوافل التالية استهدف الاحتلال عناصر التأمين، ومكّن اللصوص من سرقة الطحين، وهذا تسبب في وقف توزيعه على الأسر، ومن بينهم أسرته التي يبلغ عدد أفرادها 5، ولم يتسلموا أية كميات من الطحين حتى الآن.
وشدد على ضرورة العمل على زيادة كميات المساعدات التي تصل إلى القطاع، خاصة الطحين، مع تأمين وصوله للمؤسسات الاغاثية، لتوسيع عمليات التوزيع، وتسليمه لكافة الأسر في غضون وقت قصير.

الدجاج يصل جنوب ووسط القطاع دون إقبال
لأول مرة منذ أكثر من 3 أشهر بدأ الاحتلال بالسماح لمشتقات الدواجن بالدخول لبعض المناطق في القطاع، وبدأ الدجاج المجمد يُشاهد في أسواق جنوب ووسط القطاع، معروضاً على بسطات التجار.
ورغم انخفاض أسعار الدواجن من 100 شيكل لكل كيلوغرام إلى 40 شيكلاً، إلا أن الإقبال لا يزال ضعيفاً جداً، وجميع باعة الدواجن يشتكون قلة المبيعات.
وقال البائع سامي شاهين، إنه لم يشترِ الدواجن أول وصولها للقطاع، لثقته بأن الأسعار ستنخفض، وانتظر حتى وصل سعر الكلغم للمشتري 40 شيكلاً، حينها توجه إلى مخزن أحد التجار وسط القطاع، وجلب كمية من الدجاج المجمد الكامل، وعرضها على بسطته في مواصي خان يونس.
وأكد شاهين أنه كان يتوقع أن يكون الإقبال على شراء الدواجن كبيراً، نظراً لأنه انقطع عن الأسواق لأكثر من 3 شهور، لكنه فوجئ بعكس ذلك، فالإقبال كان محدوداً جداً، والمبيعات منخفضة.
وأكد أن تراجع الإقبال دفع الباعة لقبول بيع الدواجن عبر المبيعات الإلكترونية "التطبيق"، في محاولة لتنشيط مبيعاتهم، في ظل أزمة السيولة النقدية في القطاع.
وأوضح أن المشكلة تكمن بأن الدواجن سلعة غير قابلة للتخزين الطويل، خاصة أن معظم الباعة لا يمتلكون برادات وثلاجات لحفظها، حتى وإن امتلكوها، لا يوجد كهرباء لتشغيلها، وبالتالي قد يضطر الباعة لبيعها دون ربح أو حتى بخسارة، حال فقدت تثليجها، لأن بقاءها على بسطاتهم يعني فسادها.
في حين قال المواطن إبراهيم الشاعر، إن الوضع وحالة الفقر في مخيمات النزوح بلغت ذروتها، وغالبية المواطنين لا يستطيعون شراء الدواجن، فالعائلة المتوسطة تحتاج إلى دجاجتين على الأقل، يتراوح ثمنهما ما بين 150-200 شيكل، في حين إن ثمنهما قبل الحرب كان لا يزيد على 50 شيكلاً في أسوأ الظروف.
وأشار إلى أنه من الطبيعي بعد 15 شهراً من الحرب، وتدمير الاقتصاد في غزة، وفقد مئات الآلاف من العمال والحرفيين، والموظفين مصادر دخلهم، ألا تجد الدواجن من يشتريها.
وأعرب الشاعر وغيره من المواطنين عن اعتقادهم بأن الشائعة التي كذبتها المستشفيات بأن الدجاج الذي وصل فاسد ويحتوي على مواد ضارة، هي من صنع النازحين أنفسهم، ليجدوا مبرراً أمام أبنائهم لعدم شراء الدجاج.
ودعا الشاعر المؤسسات الإغاثية، والمبادرين، لشراء الدجاج بكميات وتوزيعه على النازحين، لتوفير السلعة التي لا يستطيع الغالبية شراءها، وحُرم منها مئات الآلاف.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف