تواجه المنظومة التعليمية في قطاع غزة تحديات غير مسبوقة، في ظل التدمير الممنهج الذي تعرضت له بناها التحتية على مدار أكثر من 15 شهراً من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل.
فإلى جانب الدمار الذي تكشفت معالمه المروعة مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ صباح الأحد، فإن المقرات التعليمية من مدارس وجامعات ما زالت تؤوي مئات الآلاف من النازحين.
هؤلاء النازحون لا يوجد لهم أماكن أخرى يلجؤون إليها بعد أن دمرت آلة الحرب منازلهم، ومسحت مناطق سكنهم بشكل شبه كامل ودمرت مقومات الحياة فيها.
كما أن جيش الاحتلال عكف خلال الأشهر الـ15 على استهداف المعلمين والأكاديميين بشكل واضح ومباشر، كما تسببت هجماته باستشهاد الآلاف من طلبة المدارس والجامعات.
وشكّل الأطفال وبينهم طلبة، وفق آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، ما نسبته 18 بالمئة من إجمالي حالات البتر البالغة 4 آلاف و500 جراء الهجمات الإسرائيلية.
وكانت ليزا دوتن المسؤولة بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، قالت إن غزة أصبحت "موطنا لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث".
هذه الإصابات البالغة إضافة لما عايشه الأطفال من ظروف قاسية، خاصة فقدانهم لوالديهم أو أحدهما خلال أشهر الإبادة، خلفت آثارا نفسية وصفها خبراء نفسيون واجتماعيون بـ"المدمرة".
يأتي ذلك في ظل التغييب القسري الذي فرضه جيش الاحتلال على الطلبة والمعلمين والأكاديميين باعتقال المئات منهم خلال عمليته البرية التي بدأها في 27 تشرين الأول 2023 قبل أن ينسحب من المناطق السكنية مع سريان الاتفاق.
هذه الأوضاع أجملتها الأمم المتحدة في 18 أبريل 2024 بـمصطلح "الإبادة التعليمية" الذي يشير إلى المحو المنهجي للتعليم من خلال اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلمين والطلاب والموظفين، وتدمير البنية التحتية التعليمية، حيث حذرت المنظمة الأممية من حدوث ذلك.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي، إن إسرائيل دمرت 137 مدرسة وجامعة بشكل كلي، بينما تعرض نحو 357 مدرسة وجامعة للأضرار الجزئية.
وفي تقرير لها حول الانتهاكات الإسرائيلية بحق التعليم منذ 7 تشرين الاول 2023 وحتى 21 كانون الثاني 2025، قالت وزارة التربية والتعليم العالي إن 700 ألف طالب في غزة حرموا من الذهاب إلى مدارسهم (حكومية وتابعة للأونروا)، ونحو 88 ألف طالب حرموا من الذهاب لجامعاتهم خلال تلك الفترة.
وعن تفاصيل الدمار، قالت الوزارة إن الجيش دمر أكثر من 77 مدرسة حكومية بشكل كامل، بينما طالت الأضرار البالغة نحو 241 مدرسة وتعرضت 85 مدرسة أخرى للقصف والتخريب.
وفيما يتعلق بالجامعات، قال التقرير إن حرب الإبادة الجماعية دمرت أكثر من 51 مبنى تابعاً للجامعات بشكل كامل و57 مبنى تابعاً للجامعات بشكل جزئي. بينما تعرضت نحو 20 مؤسسة تعليم عالٍ لأضرار بالغة جراء الهجمات الإسرائيلية، وفق التقرير.
وعن المدارس التابعة لـ"الأونروا"، قالت الوكالة الأممية في بيان إن أكثر من 140 مدرسة تتبع لها تعرضت للهجوم منذ 7 تشرين الأول 2023 وحتى 4 تشرين الأول 2024، لافتة إلى أن ذلك كان يحدث في أغلب الأحيان بينما كان الناس يحتمون بها تحت راية الأمم المتحدة.
وأوضحت أن أكثر من 70 بالمئة من مدارسها تعرضت للتدمير أو طالتها الأضرار وذلك من أصل 183 مدرسة موزعة بأنحاء مختلفة من القطاع كانت تقدم خدماتها لأكثر من 300 ألف طالب قبل الإبادة.
وبيّن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، أن إسرائيل قتلت على مدار أكثر من 15 شهراً نحو 12 ألفاً و800 طالب وطالبة في القطاع، و760 معلماً وموظفاً تربوياً في سلك التعليم ونحو 150 عالماً وباحثاً وأكاديمياً وأستاذاً جامعياً.
هذه الأرقام اختلفت عن الإحصائية التي نشرتها وزارة التربية والتعليم العالي، حيث قالت إن إسرائيل قتلت ما يزيد على 12 ألفا و391 من طلبة المدارس وأكثر من 903 طلاب من طلبة الجامعات.
وأوضح التقرير أن عدد الجرحى في صفوف طلبة المدارس زاد على 20 ألفا و119 إصابة وأكثر من ألف و805 إصابات بين طلبة الجامعات.
وحسب التقرير ذاته، فإن إسرائيل قتلت 513 معلماً وأصابت ألفين و675 شخصاً من كوادر المدارس، فيما قتلت 161 وأصابت ألف و297 من كوادر الجامعات.
واعتقلت قوات الاحتلال المئات من طلبة المدارس والجامعات والكوادر التعليمية من أصل 6 آلاف و600 حالة اعتقلتهم من القطاع منذ بداية الحرب، دون وجود إحصائية دقيقة حول تلك الأرقام.
بعد أن دمرت إسرائيل 88 بالمئة من البنى التحتية في قطاع غزة بما يشمل المنازل، لم يعد لأغلب النازحين الذين لجؤوا إلى المدارس أماكن يعيشون فيها إلا المدارس وبعض مباني الجامعات.
وعلى مدار 15 شهراً من الإبادة، لجأ مئات الآلاف من النازحين للعيش بالمدارس والمراكز الصحية والتعليمية بعد أن قصف الجيش منازلهم أو مسح مناطقهم السكنية.
وكالة الغوث "أونروا" وفي بيان سابق لها، قالت إن الغالبية العظمى من مدارسها تحولت إلى ملاجئ مزدحمة تؤوي مئات الآلاف من الأسر النازحة، فيما لم تعد صالحة للتعلم.
بمبادرات فردية وأممية، عادت في الأشهر الأخيرة من العام الماضي بعض الأنشطة الخاصة بالعملية التعليمية في إطار تنشيط الطلبة الأطفال والحفاظ على "طفولتهم".
وفي آب 2024، قالت "الأونروا" إنها أعادت بشكل تدريجي بعض الأنشطة التعليمية والترفيهية والرياضية والفنية في مراكز إيواء من مدارسها بالمنطقة الوسطى ومدينة خان يونس جنوب القطاع.
وذكرت مديرة الإعلام في الوكالة الأممية، إيناس حمدان أن "الأونروا" تحاول من هذه "المساهمة البسيطة مساعدة الأطفال الذين عاشوا وقاسوا ما لا يجب أن يشهده طفل في العالم، على استعادة ولو جزء من طفولتهم التي سلبتها الحرب الطاحنة".
ولأكثر من مرة حذرت "الأونروا" من خطر ضياع جيل كامل بسبب الإبادة الجماعية وتوقف العملية التعليمية، حيث قالت إن ذلك "يغذي مشاعر الاستياء والتطرف".
إلى جانب ذلك، فإن مبادرات فردية أطلقت بعض الأنشطة التعليمية في خيام نزوح وداخل بعض الغرف الصفية في مدارس تؤوي نازحين. هذه المبادرات استوعبت أعداداً محدودة من الطلبة وذلك لنقص الكوادر التعليمية والأماكن التي كان من الممكن تقديم هذه الأنشطة فيها.
كما غابت خلال هذه المبادرات الأدوات التعليمية كالقرطاسية خاصة الكتب التعليمية المقررة من وزارة التربية والتعليم والأقلام والحقائب، حيث حولت الإبادة الجماعية الأخيرة منها إلى وسائل لنقل حاجيات الحياة الأساسية خلال رحلات النزوح.
وبالتزامن مع تلك الأنشطة، واصلت "الأونروا" تقديم خدمات الدعم النفسي للأطفال الذين عانوا ضغوطاً هائلة جراء الإبادة الجماعية.
ومطلع الشهر الجاري، قالت دراسة أجراها مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات الفلسطيني بدعم من "تحالف أطفال الحرب" على عينة تضم 504 عائلات، إن 96 بالمئة من الأطفال يشعرون بأن الموت وشيك، فيما يظهر 87 بالمئة منهم الخوف الشديد بينما يتجنب 77 بالمئة الحديث عن الظروف الصادمة.
وأشارت الدراسة إلى أن أكثر من عام على النزوح المتكرر والإبادة جعلت الأطفال أكثر ضعفاً ويعانون من "أزمات نفسية حادة".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف