تجربة قاسية جداً عاشتها النساء في قطاع غزة أثناء الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل لأكثر من 15 شهراً، بحيث تنوعت تلك المعاناة بين النزوح والجوع وفقدان المعيل، إضافة إلى تحديات الحياة اليومية.
المسؤولة الأممية ماريس غيمون قالت في تصريحات بتاريخ 18 تموز 2024، إن "مليون امرأة وفتاة في غزة يتحملن أسوأ أعباء حرب ممتدة".
وأضافت: "النساء في غزة جائعات منهكات مريضات، يحافظن على بقاء الأسر معاً على الرغم من أنهن يعشن في خوف مستمر وفقدان".
بجانب ذلك، طرح خبراء أمميون وحقوقيون مصطلح "الإبادة الجماعية للإناث" لوصف الفظائع المرتكبة بحق الفلسطينيات على مدار شهور الإبادة.
هذا المصطلح أيدته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات ريم السالم، التي قالت إن "اعتداءات إسرائيل على النساء الفلسطينيات هي جزء من استراتيجية إبادة جماعية ممنهجة".
وأكدت السالم أن "قتل الفلسطينيات لمجرد أنهن نساء يعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية"، مبينة أن "قتل النساء واستهداف الصحة الإنجابية يستخدمان كأداة ضمن الإبادة الإسرائيلية الجماعية بقطاع غزة".
وحسب آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن جيش الاحتلال قتل على مدار أكثر من 15 شهراً 12 ألفاً و316 سيدة.
وقالت منيرة شبات، من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة: "إنّ المعاناة في الحرب كانت مضاعفة على الجميع خاصة النساء اللواتي حملن أعباء كبيرة خلالها".
وأشارت إلى أن جيش الاحتلال قتل زوجها سندها في الحياة ومصدر الأمان لعائلتها والمعيل الوحيد لها، في الشهر الثاني (تشرين الثاني 2023) من الحرب، تاركاً لها طفلين لإعالتهما.
وتصف ذلك قائلة: "كان الأمر شاقاً، خاصة كوني نازحة داخل مدرسة منذ بداية الحرب، وفقدنا منزلنا في بيت حانون".
وعن معاناة المعيشة قالت: "اضطرت للوقوف على طوابير تعبئة المياه، وانتظرت على طابور المخبز أكثر من 7 ساعات للحصول على ربطة خبز، وفي أيام المجاعة بقيت لأيام مع أطفالي دون طعام".
وأشارت إلى أن عائلتها وعائلة زوجها نزحتا بداية الحرب إلى جنوب القطاع، "لكن زوجي رفض النزوح وأصرّ على الصمود بالشمال، وبعد استشهاده اخترت أن أبقى".
ووفق بيانات المكتب الحكومي في غزة، فإن 13 ألفاً و901 سيدة فقدن أزواجهن خلال العدوان الإسرائيلي.
أما إيمان الغزالي وهي أم لسبعة أبناء، وتقطن في حي التفاح شرق مدينة غزة، فتسرد قسوة المعيشة التي مرت بها أثناء الإبادة. وقالت: "في أيام المجاعة التي عشناها كنت أتألم كلما طلب مني أحد أبنائي طعاماً ولا أجد ما أسد رمقهم به".
وأضافت: "الأمومة في الحرب مأساة بكل تفاصيلها، نحن النساء أكثر المتضررين خلال الحرب الطاحنة، تحملنا أعباء لم نعتد عليها طوال حياتنا".
ولفتت إلى أن ابنتها الكبرى "ريم" وضعت أول مولود لها بعد اندلاع الحرب بنحو 6 أشهر وسط ظروف حياتية ومعيشية وصحية متردية للغاية وحينما كانت المجاعة بأشد حالاتها.
وأكدت الغزالي أنهم بالكاد كانوا ينجحون بتأمين وجبة طعام واحدة لها طوال اليوم، فيما غابت آنذاك مستلزمات الأطفال من حفاضات وحليب.
أما وفاء شلوف، التي نزحت إلى مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، فلم يكن حالها أفضل من سابقاتها، فقد عايشت مرارة الحرب وانعدام الخصوصية والظروف القاسية بكل تفاصيلها.
وقالت: "خلال الحرب عشنا معاناة صعبة جداً، لم تكن المياه متوفرة، وكان إشعال النار لطهي الطعام تحدياً يومياً، حتى الطعام لم يكن متاحاً لنا إلا بصعوبة عبر التكايا، ومع ذلك، كنا نعاني للحصول عليه".
وأضافت: "في مخيمات النزوح، كانت المرأة هي المسؤولة الأولى عن توفير الاحتياجات الأساسية لعائلتها، حتى وإن تطلب الأمر الوقوف في طوابير لساعات للحصول على ربطة خبز أو غالون ماء".
أما "أم سميح" دولة، النازحة منذ أكثر من 15 شهراً من منزلها ومكان سكنها، فتصف معاناة النزوح بـ"الهموم والصعوبات المتراكمة".
وذكرت "أم سميح" وقد بدا التعب واضحاً على وجهها وعينيها الغائرتين، أن انعدام الأمن الغذائي والمياه الصالحة للشرب جعلا الحياة شبه مستحيلة، خاصة مع مرض زوجها، وحاجتها لإطعام أطفالها الخمسة.
وبينت أنها وعائلتها تعيش على المساعدات، وأنه لو لم يتوفر "تكايا" في الوقت الحالي بعد انتهاء الحرب، فإنها لن تجد طعاماً لأولادها.
وأضافت: "الحياة قاسية جداً، البرد يفتك بنا، ووسيلتنا الوحيدة للدفء هي احتضان بعضنا، لكن ذلك لا يجدي نفعا دون غطاء يحفظ حرارة أجسادنا".
معاناة النساء لم تقتصر على الجانب المعيشي فحسب، بل امتدت إلى الجانب النفسي أيضاً، حيث أثر النزوح والدمار ومشاهد الموت على صحتهن النفسية والجسدية، وفق الأخصائية النسوية روان شتات.
وأكدت شتات أن النساء في غزة تعرضن لضغوط نفسية هائلة خلال الحرب، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب والتوتر بينهن.
وقالت: "الحرب والنزوح أثراً بشكل كبير على صحة النساء النفسية، فالكثيرات يعانين من القلق المستمر والتوتر، حتى أن بشرة العديد منهن تغيرت بسبب سوء التغذية والإجهاد النفسي، وهناك حاجة ماسة لجلسات دعم نفسي لمساعدتهن على التعافي".
وبينت أن الوصول إلى هذه الجلسات ليس بالأمر السهل، وأن النساء غير قادرات على الالتحاق بها بسبب انشغالهن بتأمين أساسيات الحياة اليومية لأسرهن، إضافة إلى صعوبة التنقل بسبب ندرة وسائل المواصلات جراء شح الوقود.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف