بجسدها النحيل، تخرج الخمسينية سميرة محمد من بين عشرات المواطنات اللواتي يتزاحمن في طابور طويل أمام مخبز بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وهي تمسك ربطة خبز بكلتا يديها المرتجفتين وكأنها تخشى أن تُنتزع منها غفلة.
عيناها الغائرتان اللتان تنظران حولها بترقب وقلق كأنما ترويان قصة مجاعة امتدت لأشهر ونجت منها بصعوبة، ونجمت جراء القيود المشددة التي فرضتها إسرائيل على دخول المساعدات الغذائية والإغاثية لغزة خلال قرابة 16 شهراً من حرب إبادتها الجماعية على القطاع، في حين ما زالت ملامح هذه المجاعة حاضرة، مع منع إسرائيل إدخال المساعدات مجدداً تزامناً مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الأول الماضي.
وبعد وقوف دام لساعات طويلة بدءاً من السابعة والنصف صباحاً، نجحت سميرة محمد بالحصول على ربطة خبز تزن 2 كيلو غرام فقط.
وقالت بفم مليء بالقهر والغضب على قرار إسرائيل إشهار سلاح "التجويع" مجدداً عبر إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات إلى القطاع في 2 آذار الجاري، إن هذه الربطة ستوزع على 20 فرداً.
وتضم الربطة الواحدة من وزن 2 كيلو غرام ما مقداره 23-24 رغيفا متوسط الحجم من الخبز، ما يعني أن كل فرد من عائلة محمد سيحظى برغيف واحد يُقسم على وجبتي الإفطار والسحور ليوم واحد فقط.
ويضطر أهالي غزة للوقوف في هذه الطوابير أمام المخابز القليلة العاملة في القطاع، والمدعومة من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، والتي يدعمها بالوقود والدقيق، للحصول على كمية قليلة من الخبز.
ويشتري الغزيون ربطة الخبز تلك من هذه المخابز بسعر رمزي يصل إلى 2 شيكل و3 شواكل في نقاط التوزيع، بما يشكل ما نسبته 25-30 من سعرها الحقيقي، وفق خبير اقتصادي.
وفي مشهد يعكس وجود أزمة غذاء حقيقية في قطاع غزة، يتكدس المواطنون فوق بعضهم البعض أمام المخابز العاملة لساعات طويلة، للحصول على الخبز زهيد الثمن.
الثمانينية فاطمة أبو شعر وصلت المخبز وهي تمشي على عكازتها بظهرها المنحني للأمام، للحصول على ربطة خبز تسند عائلتها في رمضان.
وتقر أبو شعر بوجود أزمة جوع حقيقية في غزة جراء إغلاق المعابر، فتضيف وهي تلوح بيديها المجعدتين، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جوّع وشرّد وقتّل الشعب الفلسطيني.
وتابعت تشكو تفاصيل الحياة التي خلفتها الإبادة الجماعية: "لا يوجد مياه ولا كهرباء ولا أكل كما هو متوفر لدى الناس في الخارج، ولا حتى راحة عند النوم".
في مشهد آخر، تنتظر إحدى المواطنات من ذوي الإعاقة الحركية دورها للحصول على ربطة الخبز في خان يونس وهي تجلس على كرسيها المتحرك. وقالت، إن المعاناة طالت كافة مناحي الحياة فلا خبز ولا مياه ولا كهرباء.
أما المواطن محمد غنيم، فبعد أن شكا من طول ساعات انتظاره في طابور أمام أحد مخابز مدينة خان يونس لشراء ربطة خبز، قال: "هنا لا يوجد شيء يمكننا الحصول عليه، كل شيء غالٍ".
وأوضح أن إغلاق المعابر تسبب بندرة توفر غاز الطهي والدقيق والمواد الغذائية، لافتاً إلى ارتفاع أسعار ما هو متوفر.
إحدى المواطنات وهي تسند ظهرها إلى سور حديدي خلال وقوفها في طابور أمام المخبز، قالت إن الحياة بالنسبة لفلسطينيي غزة تحولت إلى "عذاب"، مشيرة إلى أن الحصول على الخبز تحول إلى رحلة عذاب، وكذلك الحصول على المياه، كله بات ضمن طوابير طويلة وساعات ممتدة.
وبينت أن إغلاق المعابر تسبب بانقطاع أساسيات الحياة كغاز الطهي فضلا عن ارتفاع أسعار الخضراوات.
وأضافت: "نأتي منذ الصباح هنا لنقف في طابور طويل، حياتنا صعبة، نتعذب كثيراً للحصول على رغيف الخبز".
وأشارت إلى أن عائلتها تعيش على الأرز الذي توزعه "تكايا" الخير على الفقراء، في ظل عدم وجود مصدر رزق لأسرتها يسد رمق أفرادهم.
من جهته، قال رائد أبو معتز، إنه يعجز عن توفير قوت يوم عائلته في ظل اشتداد الحصار الإسرائيلي وعدم تعافي القطاع من تداعيات الإبادة، لافتاً إلى أن ارتفاع الأسعار مجدداً حال دون مقدرته على تلبية احتياجات العائلة الأساسية.
وقال الخبير الاقتصادي الفلسطيني محمد أبو جياب، إن أزمة الخبز في قطاع غزة لم تعد تتعلق فقط بوفرة الدقيق، إنما بغياب وسائل إنتاج وتصنيع الخبز.
وأضاف: "المواطن لا يمتلك الغاز الذي يمكنه من صناعة الخبز، وكذلك المخابز الأسرية أو البلدية توقف معظمها بسبب إغلاق المعابر".
وأوضح أن بعض العائلات ورغم توفر كميات محدودة لديها من الدقيق إلا أنها تعجز عن خبزها بسبب عدم توفر الغاز أو الحطب أو الكهرباء.
وأكد أن المخابز المدعومة من "الأغذية العالمي" باتت ملجأ فلسطينيي غزة الوحيد للحصول على الخبز.
وأرجع حالة الاكتظاظ أمام المخابز، إلى تكلفة الخبز الأقل مقارنة بصناعة الخبز في المنزل في ظل ارتفاع أسعار الدقيق منذ إغلاق المعابر ليصل الكيس بوزن 25 كيلو غراماً إلى 100 شيكل، صعوداً من 30-40 شيكلاً.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف