
- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2025-07-17
تصاعدت حدة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خاصة شماله، وتواصلت الغارات الجوية، وتوسع العدوان البري، في حين مازال الحصار وآثاره يفتك بالمواطنين والنازحين.
"الأيام" رصدت مجموعة جديدة من المشاهد من قلب قطاع غزة، منها مشهد يوثق ارتفاع عدد المفقودين شمال القطاع إلى نحو 350 مواطناً خلال أسبوعين فقط، ومشهد آخر يُسلّط الضوء على تراجع آمال المواطنين بتهدئة قريبة في القطاع، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان: "صباحات حزينة في المستشفيات".
350مفقوداً في أسبوعين
تتواصل الغارات الإسرائيلية والقصف المدفعي بصورة عنيفة على كافة أنحاء قطاع غزة، خاصة مدينة غزة وشمال القطاع، مخلّفة مئات الشهداء والجرحى.
ونظراً لشدة الغارات واستخدام قنابل وصواريخ كبيرة، يزن بعضها نحو طن، يحدث انهيار للمباني، واحتجاز جثامين وجرحى تحت الأنقاض، وهذا ما رصدت جهات مختصة تزايده في الأسبوعين الماضيين.
وعبّر "المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسراً" عن قلقه البالغ للارتفاع المتسارع في أعداد المفقودين تحت الأنقاض، جراء العدوان الإسرائيلي المتصاعد على قطاع غزة، مع غياب أي تحرك دولي جاد لإنهاء هذه المأساة.
وقال المركز إن المعطيات الميدانية التي توفرت لديه، تشير إلى وجود ما لا يقل عن 350 مفقوداً تحت الركام خلال الأسبوعين الماضيين فقط، جراء عشرات الغارات الإسرائيلية التي استهدفت المنازل، خاصة شمال غزة وشرق مدينة غزة.
وأكد المركز أن أحدث حالات فقدان مواطنين تحت الركام، سُجلت يوم الاثنين الماضي، عندما فُقد نحو 20 مواطناً تحت الأنقاض في منطقة "الزرقاء" شمال غزة، تحديداً من عائلة عرفات، حيث استهدفت الطائرات الإسرائيلية منزلاً مكوناً من 5 طوابق، ولم تستطع الطواقم المتخصصة الوصول إلى المكان لانتشال العديد من المواطنين، جراء اشتداد القصف، وخطورة المكان.
وبيّن أنه فُقد الاتصال منذ يوم الاثنين الماضي بعشرات الأشخاص من عائلتي "عبده ومسلم"، الذين كانوا داخل منازلهم لحظة القصف، ويُقدر عددهم بنحو 30 فرداً.
وعزا المركز التصاعد الخطير بأعداد المفقودين إلى غياب المعدات والآليات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض، إلى جانب عدم توفر الوقود؛ ما تسبب في توقف عمل مركبات فرق الإنقاذ، في ظل استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال الوقود.
وأشار إلى أن جيش الاحتلال يواصل منع فرق الإنقاذ من الوصول إلى المناطق المستهدفة، خاصة في شرق مدينة غزة، ما يضاعف من حجم الكارثة الإنسانية، ويقلل من فرص العثور على ناجين.
من جهته، أكد جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، أن فرقه أصبحت غير قادرة على تلبية الاستغاثات والنداءات التي تصلها من مناطق متفرقة في القطاع، خاصة حيي الزيتون والشجاعية جنوب وشرق مدينة غزة، بسبب كثافة القصف، وتحولها إلى مناطق خطيرة، كما أن نقص المعدات، وتدمير الجرافات بفعل العدوان الإسرائيلي يحول دون انتشال الضحايا من تحت الركام.
تراجع الآمال بتهدئة قريبة
بدأت آمال المواطنين بحدوث تهدئة قريبة في قطاع غزة، تتراجع مع استمرار مماطلة الاحتلال في المفاوضات المستمرة في العاصمة القطرية الدوحة، وعدم إعلان وقف إطلاق النار خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة للعاصمة الأميركية واشنطن، كما كان متوقعاً في السابق.
وأعرب مواطنون عن اعتقادهم بأن نتنياهو يماطل، ويحاول كسب المزيد من الوقت، بينما يسرع جيشه المتواجد في قطاع غزة من وتيرة القصف والتدمير، ويعمل من أجل السيطرة على مساحات جديدة داخل القطاع، ويواصل إصدار أوامر نزوح، ويحشر المواطنين في مناطق ضيّقة بغزة.
وأشار المواطن عبد الله نصار، إلى أنه يتابع بشكل جيد كل تفاصيل المفاوضات في قطر، خاصة فيما يتعلق بخرائط الانسحاب، وخلص من خلال هذه المتابعة إلى نتيجة واحدة، أن حكومة الاحتلال تماطل وتراوغ، لكسب المزيد من الوقت، ولا يمكن الجزم بإمكانية الوصول إلى تهدئة جديدة في قادم الأيام، لأن احتمال انهيار المفاوضات مازال قائماً.
وقال نصار: المؤسف في الأمر أن المفاوضات الحالية كلها تتمحور حول ملفات وقضايا سبق وحُسمت في مفاوضات شهر كانون الثاني الماضي، من بينها خرائط إعادة الانتشار، حيث كانت هذه الخرائط واضحة ضمن الاتفاق الأخير، وكذلك دخول المساعدات الإنسانية، وكان لهذا الملف اتفاقية مفصلة تحت عنوان "البروتوكول الإنساني"، لكن يبدو أن الاحتلال يريد من المفاوضات الحالية استمرار المراوغة، ويرغب في نسف كل ما تم التوصل إليه في السابق.
بينما ذكر المواطن يوسف جبريل، أنه لم يفقد الأمل في التوصل إلى صفقة تبادل، لكنه منذ البداية توقع أن تطول المفاوضات، وأن يتم إنجاز الصفقة في الثلث الأخير من تموز الجاري، وتحديداً في نهايته، حين يدخل "الكنيست" الإسرائيلي في عطلة تستمر شهرين، ما يحول دون حل الحكومة من قبل معارضي الصفقة، وهو ما يريده نتنياهو، الذي يُسخر كل شيء من أجل مصلحته الشخصية، وضمان بقائه في السلطة.
وشدد على ضرورة ألا يقبل وفد حركة "حماس"، بالخرائط التي قدمها الاحتلال مؤخراً، والتي تقضم مساحة أكثر من 40% من قطاع غزة، حتى لو تسبب ذلك في نسف المفاوضات، فصحيح أن الجميع يريدون تهدئة تحقن الدماء، لكن ليس على حساب سيطرة الاحتلال على جزء كبير من القطاع.
صباحات حزينة في المستشفيات
في صباح كل يوم، تغص مستشفيات قطاع غزة، من شمالها حتى أقصى جنوبها، بأقارب وذوي الشهداء الذين سقطوا في الليلة التي تسبقها، ويتجمعون حول ثلاجات الموتى، أو المشرحة، بانتظار تسلم جثامين أحبتهم، ووداعهم، قبل نقلهم إلى المقابر من أجل مواراتهم الثرى.
وخلافاً لما كان سابقاً، حيث كان يتم وداع الشهداء في منازلهم، بعد نقلهم إليها، لكن الآن وبسبب النزوح، وعدم وجود وسائل مواصلات، يتم الوداع، وتُلقى النظرات الأخيرة على الجثمان داخل المستشفيات.
وتشهد مستشفيات القطاع كل يوم، وداعات حزينة، وحالة من الحزن والقهر، بينما لا يتمالك البعض مشاعرهم، ويجهشون بالبكاء بل الصراخ في وداع أحبتهم.
وقال المواطن أحمد الشاعر، إنه ودّع أحبته وأقاربه في ساحة مجمع ناصر الطبي ثلاث مرات منذ تجدد العدوان في شهر آذار الماضي، وفي كل مرة يشعر بالحزن والألم، فالفراق أصعب شيء على الشخص.
وأكد أنه بات يكره أن يتوجه إلى ساحة وداع الشهداء في المستشفى، فهناك لا يسمع سوى البكاء والصراخ، ولا يرى سوى الدموع والقهر في أعين ذوي الشهداء، مشيراً إلى أنه من المُحزن تحول مشهد وداع الشهداء القاسي في مستشفيات القطاع، إلى مشهد روتيني يحدث كل يوم.
أما المواطنة دعاء أبو قاعود فأكدت أنها لن تنسى وداع 10 من أفراد عائلتها، من بينهم والداها، وأشقاؤها في مجمع ناصر الطبي، حيث قضوا جميعاً جراء غارة استهدفت منزلاً كانوا يقيمون فيه.
وبينت أنها حين وصلت إلى المستشفى في الصباح الباكر، بعد حوالي 4 ساعات من قصف المنزل، انتظرت خارج المشرحة، حيث كان هناك طاقم متخصص يستكمل إجراءات الشهداء والتعرف عليهم، ثم تسلموا الجثامين التي وضعت في مظلة صغيرة لوداعهم، موضحة أن أصعب شيء أنها لم تستطع إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليهم، بسبب تفحم الجثامين وتشوهها.
ولفتت إلى أن لحظات الوداع صعبة، فساحة المستشفى شهدت في هذا اليوم وداع عشرات الشهداء، وسط أجواء من الحزن والغضب، ومشاعر من القهر لا يمكن وصفها.