شرعت قوات الاحتلال بشن هجوم جوي وبري واسع على مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، بدأته بإصدار أوامر إخلاء ونزوح واسعة، تبع ذلك قصف جوي ومدفعي عنيف، ترافق مع تقدم بري بطيء للدبابات والآليات العسكرية من جهة الشرق.
"الأيام" خصصت مشاهد اليوم لتسليط الضوء على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف المدينة وتبعاته، ورصدت مشهداً بعنوان "آخر مدينة في غزة"، ومشهداً آخر يرصد نزوح المواطنين تحت وطأة القصف والغارات، ومشهداً ثالثاً يُسلط الضوء على أهداف العدوان على المدينة.

آخر مدينة في غزة
اكتسبت مدينة دير البلح، وهي إحدى مناطق محافظة وسط قطاع غزة، أهمية استثنائية كبيرة خلال الفترة الماضية، كونها المدينة الوحيدة التي لم تصلها دبابات الاحتلال، ولم تعمل فيها قواته البرية.
وتحولت المدينة التي تعتبر الأصغر حجماً والأقل سكاناً، إلى وجهة للنازحين، والتجار، وباتت تُمثل العاصمة التجارية والاقتصادية للقطاع، فيها مخازن التجار، إضافة للأسواق، وفيها حركة تجارية نشطة، والأهم من ذلك أن مرافقها وبنيتها التحتية ما زالت الأفضل على مستوى القطاع، ما شجع مؤسسات دولية ومحلية لوضع مقارها في المدينة، حيث كانت تصلها شاحنات المساعدات والشاحنات التي تحمل بضائع تجارية، ومن دير البلح يتم توزيع المساعدات والبضائع على باقي أنحاء القطاع.
لكن الاحتلال الذي اجتاح ودمر جميع المدن في مناطق جنوب وشمال القطاع، بدأ مؤخراً عدواناً جديداً على المدينة، ما بات يُهددها بمصير مشابه لرفح، وخان يونس، وغزة، ومناطق شمال القطاع.
يقول المواطن علاء سليمان، وهو من سكان شمال القطاع، إنه ومنذ بدء التهدئة أوائل العام الجاري، يُقيم في مدينة دير البلح حيث استأجر شقة سكنية، وافتتح بسطة تجارية هناك، وقد تأقلم مع المدينة، التي ما زالت تحتفظ بشوارعها وبنيتها التحتية، وغالبية مبانيها صالحة للسكن.
وأكد أن التجار من جميع أنحاء قطاع غزة يصلون مدينة دير البلح لشراء البضائع، وبعضهم افتتحوا مقار لشركاتهم في المدينة، وتدريجياً أصبحت دير البلح عصب اقتصاد القطاع، ومكاناً مهماً واستراتيجياً.
وأكد أن تدمير المدينة أو تخريبها سيزيد من الوضع المأساوي في القطاع، ويجعله خالياً من أي مكان صالح للسكن والإقامة، كما يحول دون وجود مخازن، ومستودعات، أو ثلاجات كبيرة، يمكن من خلالها تخزين وحفظ المواد الغذائية، أو تجميع المساعدات في أماكن قابلة للحماية من هجمات اللصوص، وهذا الأمر يُنذر بالمزيد من الفوضى في القطاع.
وأوضح سليمان أن مصير مئات الآلاف من سكان مدينة دير البلح والنازحين فيها سيكون مجهولاً، فلا يوجد متسع في قطاع غزة يمكن أن يستوعب هذا العدد الكبير، موضحاً أن الحل الوحيد لوقف هذا الكابوس، التوصل لصفقة سريعة، تفضي لوقف إطلاق النار، وانسحاب الاحتلال من القطاع.
في حين قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن المنطقة الخاضعة لأوامر الإخلاء في مدينة دير البلح بها عيادات صحية، ومستودعات إنسانية، وبنية، تحتية وأي ضرر بها ستكون له عواقب وخيمة.
وأوضح المكتب أن مساحة غزة الخاضعة لأوامر التهجير أو داخل المناطق العسكرية الإسرائيلية ارتفعت إلى 87.8% من مساحة القطاع.

نزوح تحت وطأة القصف
بعد أقل من 12 ساعة من إصدار الاحتلال أوامر نزوح شملت مناطق واسعة في مدينة دير البلح، تضم بلوكات "130، 132-134، 136-139، 2351"، وهي تقع ضمن مناطق "المزرعة، أبو هولي، أم ضهير، قصر أبو سليم، منطقة البركة، مواصي دير البلح"، وغيرها، بدأت قوات الاحتلال بشن هجوم جوي وبري واسع على بعض مناطق المدينة.
وتعرضت مناطق "أبو عريف، أبو هولي، حارة أم ضهير، المزرعة"، لموجة عنيفة من القصف المدفعي العنيف، أدى لنشوب حرائق في المدينة، حيث شوهدت ألسنة النار تلتهم "قصر أبو سليم"، أحد أهم وأعرق مباني المحافظة.
كما نفذت طائرات حربية ومسيرة إسرائيلية، سلسلة من الغارات الجوية العنيفة استهدفت عمارات ومباني في الجزء الجنوبي من المحافظة، ما تسبب بحالة نزوح واسعة في صفوف المواطنين والنازحين ممن يقطنون تلك المناطق، وسط حالة من الخوف والهلع والذعر.
ويقول المواطن أحمد نصار، ووصل إلى مواصي خان يونس برفقة عدد من أفراد عائلته، يحمل كل منهم حقيبة صغيرة على ظهره، إنه كان ينوي النزوح، لكنه لم يجد في الساعات الأولى التي تبعت أوامر الإخلاء أي وسيلة مواصلات، وقرر أن يؤجل النزوح لليوم التالي، ظناً أن الاحتلال سيمنحهم أقل شيء 48 ساعة، لكنه فوجئ بعد أقل من 12 ساعة بسيل من القذائف والصواريخ تتساقط على مناطق جنوب غربي مدينة دير البلح.
وأكد أنه لم يجد بداً سوى النزوح عن منزله، وأخذ وأفراد عائلته أهم الحاجيات، من بينها كمية طعام صغيرة، والأوراق الثبوتية، وتركوا كل حاجياتهم في المنزل، وغادروا على وجه السرعة باتجاه مواصي خان يونس، وقد وصلوا واستقبلهم أحد الأصدقاء في خيمته بصورة مؤقتة، لكن لا يمكن أن يعيشوا جميعاً في الخيمة ذات المساحة الصغيرة، فهو بحاجة ماسة لتوفير مكان لعائلته، ولم يجد حتى الآن لا مكان ولا خيمة.
وأوضح أن وضع الناس في مدينة دير البلح صعب، والجميع كانوا يفرون تحت وطأة القصف والغارات، البعض باتجاه الجزء الشمالي من المدينة أو نحو مخيم النصيرات وبلدة الزوايدة، وآخرون اتجهوا جنوباً نحو مواصي خان يونس، ولا أحد يعلم ماذا يخطط الاحتلال للمدينة، وسط مخاوف من أن تتعرض للاجتياح الكامل.

مخاطر احتلال دير البلح
كشفت خارطة الإخلاء التي نشرها الاحتلال قبيل بدء عمليته الحالية في مدينة دير البلح، واحداً من أخطر أهداف العملية، كون الإخلاء يمتد من منطقة "أبو هولي" على شارع صلاح الدين شرقاً، وحتى شاطئ البحر غرباً، ما يعني أن استكمال سيطرة الاحتلال على هذا الجزء، سيؤدي حتماً لفصل جنوب القطاع عن وسطه، لا سيما أن الاحتلال يُسيطر بالفعل على مناطق شرق شارع صلاح الدين في الوقت الحالي.
ورغم أن شارع الرشيد الساحلي الواصل بين محافظتي خان يونس ووسط القطاع، ما زال مفتوحاً، إلا أن دبابات الاحتلال لا تبعد عن الشارع المذكور سوى مسافة قصيرة، والرصاص والقذائف تصل فعلياً لمناطق قريبة من هذا الشارع، الذي ما زال يشهد حركة نزوح واسعة، من الشمال باتجاه الجنوب.
ووفق مواطنين فإن الاحتلال يسعى في الوقت الحالي لإقامة محور فصل سادس داخل قطاع غزة، بعد محاور "فيلادلفيا، موراغ، ماغين عوز، نتساريم، ميفلاسيم"، والمحور الجديد هو "محور كيسوفيم"، وهو ليس جديداً، وكان موجوداً بالفعل قبل انسحاب الاحتلال من قطاع غزة، العام 2005.
وقال المواطن محمود منصور، أحد النازحين من مدينة دير البلح، إن محور الفصل الجديد الذي ظهرت ملامحه بعد نشر خارطة الإخلاء الجديدة، يحمل خطورة مزدوجة على سكان القطاع عامة، وسكان المناطق التي يمر منها، الخطر الأول هو تقطيع أواصر قطاع غزة، بحيث يصبح الجنوب منفصلاً تماماً عن الوسط، بما يفرض وقائع جديدة وخطيرة على الأرض، والخطر الثاني ويتمثل في مسح وتدمير المنازل والأراضي على طول المحور، في مشهد قد يشبه ما حدث سابقاً على جانبي "محور نتساريم"، الذي يبعد عدة كيلو مترات شمالاً.
وأكد منصور أن هذا سيقضم مساحات إضافية من القطاع، ويجعل مئات العائلات بلا مأوى، كون بعض المناطق في هذا المحور مكتظة بالسكان، عدا تجريف وتخريب أراضٍ زراعية، تعتبر بمثابة سلة الخضروات المتبقية في القطاع.
وكشفت "القناة 14 العبرية"، أن لواء "جولاني" بدأ فعلياً عملية عسكرية في مدينة دير البلح، في المنطقة التي صدرت لها أوامر إخلاء قبل 3 أيام.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف