"بمجرد أن نقترب من بناية قُصفت قبل عدة أشهر أو أقل نشتم رائحة يُعتقد أنها صادرة عن جثامين متحللة تحت ركامها"، هكذا قال الشاب تحسين (30 عاماً) من حي الزيتون في مدينة غزة، الذي انتقل للعيش غرب غزة قبل عدة أيام.
وأضاف تحسين، "في البداية لم أكن أتوقع أن تنتشر مثل هذه الروائح، لكني تأكدت عندما كنت قرب بناية تعود لعائلة أفضل عدم كشف هويتها".
وأشار تحسين، الذي درس علم الأحياء، إلى أنه يعلم جيداً أنه توجد جثامين لشهداء تحت الركام لم يكن بالإمكان انتشالها في حينه، لافتاً إلى أنه مضى على القصف الذي أدى إلى استشهادهم أكثر من شهرين. وتابع، "تعفن هذه الجثامين بعد تحللها هو سبب انتشار الروائح".
وأبلغ مواطنون آخرون عن انتشار روائح تعفن الجثامين في بعض مناطق حي الزيتون وأحياء "السنافور" و"الشعف"، و"الشجاعية".
يذكر أن هذه المناطق وغيرها تعرضت للقصف المدمر قبل عدة أشهر، ولا تزال قوات الاحتلال تسيطر عليها بالكامل، وتمنع وصول المواطنين والمسعفين إليها، فيما تواصل هدم وتفجير المنازل القائمة التي يعتقد أنها خالية من أصحابها، خلال هذه الفترة، خاصة خلال ساعات الليل.
وذكر عدد من المواطنين، أنهم يشتمون بعض الروائح الكريهة كلما وقفوا قرب بناية مقصوفة أو ركام منزل متعدد الطوابق، وهو ما يشير إلى وجود جثامين متحللة لشهداء قضوا في عمليات قصف إسرائيلي سابقة، مشيرين إلى أنهم كانوا يشتمون روائح لجثامين محترقة أيضاً، لا سيما بعد مرور ساعات على وقوع القصف.
وكانت مصادر من الدفاع المدني والإسعاف أكدت وجود شهداء تحت ركام البنايات التي تعرضت للقصف، تعذر انتشالهم في حينه بسبب غياب الآليات الثقيلة، وقد تم تسجيلهم ضمن المفقودين.
"بصمت وحذر، عملنا كفريق من المسعفين المتطوعين في انتشال جثامين بعض العوائل في منطقة الزيتون في الفترة التي كنا نستطيع التحرك والتنقل فيها"، هكذا قال المتطوع فهد (27 عاماً) وهو يبدي أسفاً كبيراً بسبب انتشار هذه الروائح.
وأضاف فهد، "لم يستطع أحد انتشال الشهداء من تحت الركام"، مشيراً إلى أنه ليس فقط بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر وما يرافقه من مخاطر، بل بسبب غياب الإمكانات أيضاً.
يذكر أن أعمال انتشال هذه الجثامين تتطلب استخدام آليات ثقيلة لكن المتوفر لدى المسعفين لا يتعدى مطارق صغيرة يتم استخدامها لتكسير أحزمة وطبقات خرسانية ضخمة.
ولفت فهد إلى أنه "في مرات كثيرة نكون قرب بناية مقصوفة ومحترقة ونشتم روائح لجثامين محترقة ولا نستطيع انتشالها لوجودها تحت الركام، واستمرار تحليق طائرات "كواد كابتر" على مسافات منخفضة".
وحسب مصادر محلية تحدثت لـ"الأيام" فإن هؤلاء المتطوعين استجابوا لنداءات ومناشدات ذوي الشهداء الموجودة جثامينهم تحت الركام وحاولوا انتشالها، دون فائدة.
وأكد فهد أن "الاحتلال كان يمنع تواجدنا بالقرب من هذه البنايات عبر إرسال طائرات "كواد كابتر" ومسيّرات أخرى، التي كانت تطلق النار نحونا كي لا نقوم بانتشال هذه الجثامين، وتجبرنا تحت خطر الأعيرة النارية الموجهة نحونا على المغادرة".
وتعتري أعمال انتشال جثامين الشهداء من تحت ركام المنازل الكثير من المخاطر، سواء بسبب استمرار القصف وإطلاق النار، أو بسبب احتمال انهيار كتل إسمنتية وقطع الركام عليهم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف