عام مضى بكافة المشاعر الإنسانية من نجاح، وفشل، وألم وعقبات وأمل وإحباط، فهناك من نجده يصف عام 2015 الذي أوشك على الانتهاء بأنه كان العام الأفضل بالنسبة له، وهناك من نجده يصفه بأنه عام مليء بالتطورات والتحديات.
ربما هذا العام هو عام انتفاضة الشعب الفلسطيني الذي يواجه شبابه وشاباته بعزيمة لا تلين الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه ، رغم الإنقسام الكارثي ،وتهويد الارض والمقدسات و"توحش" الاستيطان وسياسة عقاب جماعي ...هدم منازل اهالي الشهداء والطرد والإبعاد للمقدسيين عن بلدتهم ومدينتهم،.واعتقالات طالت حتى الاطفال ، حيث يواصل الشعب الفلسطيني نضاله بصدوره العارية حيث يقدم الشهداء،بينما البعض يحاول العودة الى مربع المفاوضات ، بدلا من رسم استراتيجية فلسطينية موحدة، تستند للثوابت الفلسطينية وتسند الانتفاضة بكافة وسائل النضال .
عام مضى وفلسطين ما زالت مسلوبة الحرية وقد تَمضى أعوام أخرى وحالنا على حاله، ولا فرق بين العام الماضي وما سبقه من أعوام سوى لغة الأرقام وحجم المعاناة ، وأرقام الشهداء والجرحى والأسرى ، أرقام العائلات التي هُجِّرت والمؤسسات التي دُمرت والبيوت التي هُدمت والأراضي التي سُلبت ، والمعاناة تَكبر وتَتسع والأوضاع تزداد سُوءاً وألماً ، والأمل بتحرير الأسرى يدخل غرفة الإنعاش ، والحلم بالإستقلال والدولة ينهار ، والفصائل باغلبيتها تركت سفن المقاومة بأنواعها وهموم المواطن .
وفي ظل هذه الاوضاع فأن حال الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء،ليست بالأفضل من هذا الواقع والحال،فكل الصراعات والخلافات العربية،خلافات الأقطار مع بعضها البعض وخلافاتها وصراعاتها الداخلية، فالشعب الفلسطيني في أغلب الحالات الضحية ويدفع الثمن، طرد وتهجير ولجوء جديد،ومطاردة في الحقوق والوجود المؤقت ولقمة العيش،وإن كنا نقر بأن سوء تصرف وحشر أنفها واستخدامها من قبل الأنظمة او الدول، وبعص المواقف الفلسطينية قد تساهم وتعطى الذريعة للأنظمة العربية،لكي تمارس الضغوط على الشعب الفلسطيني .
ومع كل الايجابيات للإنتفاضة الفلسطينية التي قام بها ابناء فلسطين في كافة مواقعهم ، إلا أن التخوف ما زال موجوداً من العودة الى مسار المفاوضات العقيمة بهدف إفشال الحركة الشعبية ،ولكي تستمر الانتفاضة وتتعاظم لا بد من تجسيد الوحدة الوطنية على أرض الواقع ولا بد من ان تأخذ كافة الفصائل والقوى دورها في الانتفاضة ، باعتبارها تعبر عن نبض الشارع وعن الشعب الفلسطيني أينما وجد ، فالانتفاضة المشتعلة على أرض فلسطين تعيد اليوم للثورة ومنظمة التحرير ألقها من أجل تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني الذي وافق عليه الشعب الفلسطيني.
علينا أن نعترف بأن أداء بعض الفصائل ،ليس بحجم تضحيات شعبنا،بل نرى انها احيانا في واد والجماهير الشعبية في واد آخر،وحتى داخل الفصيل الواحد تجد تعارض وليس تعدد إجتهاد وحرية رأي وتعبير،فهي أبعد عن ذلك في التصريحات والمواقف والنهج،وفي قضايا مفصلية وجوهرية،وجدنا بأن الشباب الفلسطيني متقدم على القيادة في الموقف والفعل،وهذا ما لمسناه جيداً في الانتفاضة، ونحن نلاحظ غياب الهدف والمشاركة الجماهيرية الواسعة،ولذلك غلب على الانتفاضة طابع العفوية والعمل الفردي،والتحرك للدفاع عن الذات.
عام مضى وعام يأتي،ونستمر في نفس الكلمات والشعارات والخطابات، ،وكأن كل المتغيرات والتطورات المحيطة بنا عربياً وإقليمياً ودولياً،وما يقوم به الإحتلال من إجراءات وممارسات من قضم مستمر للأرض الفلسطينية،وسيطرة على القدس وتقسيم للأقصى وتهويد للضفة الغربية،ليست كافية امام الجميع على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية،وعلى كل المستويات القيادية،لكي يعملوا على انهاء الانقسام الكارثي ، وتعزيز الوخدة الوطنية والقيام بعملية مراجعة شاملة،لكل حصادنا السابق،بإخفاقاته الكثيرة قبل نجاحاته المحدودة،ولكي نجري عملية محاسبة شاملة وعميقة،لماذا نخفق كثيراً وننجح قليلاً، لماذا نضالنا وتضحياتنا،رغم حجمها الكبير والضخم لا تثمر ولا تنجز ولا تستثمر، ولماذا لم يتم مصارحة الجماهير اين اخفقنا وهنا اخطانا وهنا هزمنا، بدل الإنشاء والشعارات التي تدغدغ العواطف وتوظف التاريخ والإرث لخدمة الحزب والفصيل والقيادة،والحديث عن الإنتصارات والإنجازات الكبيرة وصحة الموقف والبرنامج والنهج والخيار.
اذا استمرينا على هذا الامر،وعدم القدرة على قراءة علمية ودقيقة وعميقة للمتغيرات والتطورات المحيطة بنا،وكيفية توظيفها لخدمة معاركنا السياسية والجماهيرية والوطنية،فحتماً سنصل الى كارثة جدية وحقيقة للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني والمشروع الوطني،فإذا كنا غير قادرين على أن نستوعب بعضنا البعض في إطار يوحد كل جهودنا وطاقاتنا ،فكيف لنا ان نتحدث عن ديمقراطية وحرية وإستعادة حقوق،والكل منا من صغيرنا لكبيرنا يرى في نفسه بأنه مالك الحقيقة،وهو من يناضل ويدفع الثمن من اجل فلسطين.
عام مضى ورغم ما حمل من المآسي كانت هنالك محاولات تنبئ بوجود ذلك المعدن الثمين في قلب الشعب الفلسطيني الا هو الانتفاضة ، ظهر الشباب الذين هبوّا بعيداً عن ألمهم لدعم بعضهم بعضاً، في مواجهة مع الاحتلال والاستيطان، عمل الكثير منهم لأجل غاية واحدة: أن تحيا فلسطين بشعبها، فكان الهدف الأساسي المواجهة رغم القمع والقتل والارهاب ، ورغم الاختلاف في وجهات النظر إلا أن التعدد في الآراء كان إغناء لهذا المزيج الذي يفتخر به شعب فلسطين.
ونحن اليوم نضيء باقلامنا ، الذين راهنوا على شطب القضية الفلسطينية من ذاكرة الشعوب العربية ووعيها، والذين اعتقدوا أن الشعوب سوف تنشّد إلى أزماتها الداخلية الكارثية بعيداً عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، هؤلاء جميعاً أصيبوا بإحباط ،لإن ما يجري في المنطقة برمّتها مرتبط بشكل مباشر بفلسطين، وان الشعوب العربية لن تعيش بأمان اذا نأت بنفسها عن القضية الفلسطينية، لهذا نحن على ثقة بالشعوب العربية وهو واهم من يحاول الفصل بين فلسطين والمنطقة، فالقضية المركزية ستبقى القضية المركزية للامة العربية .
ونحن اليوم نرى شعب الجبارين بمواجهة المحتلين الصهاينة، يقدم قوافل الشهداء، مما دفعهم إلى المزيد من الوحشية دون أن يحرك هذا العالم ساكناً أولئك الذين يسمون أنفسهم (المجتمع الدولي)، الذي ينحاز بشكل مباشر للاحتلال باعتباره يشكل قاعدة الإرهاب العالمية، ويسعون لتفتيت المنطقة ، الا ان ارادة الشعوب العربية ومقاومته تشكل نبراسا مضيئا في مواجهة مؤامرات الإمبريالية والصهيونية ومخططاتها.
ان ما يسمى الحلف الامبريالي الاستعماري ومعه بعض الاسلام السياسي ، يحاول التدخل في القضية الفلسطينية، من خلال فصل قطاع غزة عن الضفة، هؤلاء أيضاً غاب عنهم جوهر الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي هو امتداد لصراع حركة التحرر الوطني العربية ضد الهيمنة الإمبريالية على منطقة الشرق الأوسط، التي تبتغي الحفاظ على أمرين اثنين، أولهما مصالح الغرب النفطية، وثانيهما أمن إسرائيل، وفي كلتا الحالتين فإن المعركة مفروضة على الشعوب العربية والشعب الفلسطيني فرضاً، ولا خيار لها سوى المقاومة.
امام كل هذه الاوضاع ونحن نودع عام نقول القضية الفلسطينية ليست قضية عاطفية، وليست مواقف متشددة يتخذها بعض العرب بل هي القضية المركزية ، وعلى الأقطار العربية نفسها التي باتت مستهدفة بعد نشوء إسرائيل منذ أكثر من سبعة وستون عاماً، بان تعيد البوصلة بالاتجاه الصحيح ، والعمل على وقف التطبيع مع كيان الاحتلال ، ودعم صمود الشعب الفلسطيني بمواجهة التغول الإسرائيلي ، هذا الشعب العظيم الذي انتفض ليسطر ملحمة جديدة من البطولات، وليكشف من جديد عورات بعض الأنظمة العربية المستسلمة التي لا همّ لها سوى استمرار التآمر على القضية الفلسطينية والمنطقة تعيد فيها رسم خارطة حدود سايكسـ بيكو، تحت يافطة مواجهة الارهاب بينما إرهاب الكيان الصهيوني لا يوجد في قاموسهم ، هذا الارهاب الذي اغتال القائد الشهيد سمير القنطار رمز النضال من اجل فلسطين، باعتباره يشكل نقطة تقاطع استثنائية بين قوى المقاومة في فلسطين ولبنان والجولان الجولان ، تثـأر له الانتفاضة اليوم على ارض فلسطين الذي تقاتل باللحم الحي، وان طعنات السكاكين وعمليات الدهس للصهاينة هي اكبر هدية للشهيد القنطار، ونحن على يقين بان فلسطين ستثأر للشهيد القنطار بعمليات موجعة في اللحظة المناسبة.
ختاما: لا بد من القول فلسطين ، تكتب مسيرة النضال ومن خلالها يشع نور إرادة شبابها المقاوم للاحتلال الصهيوني من أجل نيل حقوقه المشروعه ، فلسطين تتوحد وتربك العدو، وتكشف في الوقت نفسه زيف المراهنة على سلام موهوم مع هذا الاحتلال ، لهذا يجب ان نقول لا للحل الامريكي وبوضوح تام ،نعم لنقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة ومطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة اي اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وحق العودة وتقرير المصير، هذه هي المهمة التي تواجه الجميع حتى لا تذهب دماء الشهداء الاعزاء علينا سدى ولن نسمح ان تذهب سدى .
كاتب سياسي

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف