
- تصنيف المقال : شؤون فلسطينية
- تاريخ المقال : 2025-12-03
تواصل "الأيام" رصد مشاهد جديدة من قطاع غزة، في اليوم الـ 52 من بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في مرحلته الأولى، خاصة في ظل استمرار خروقات الاحتلال للاتفاق، ومعاناة النازحين.
ومن بين المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد بعنوان "تغيير في نمط الحرب"، ومشهد آخر يرصد تفاقم معاناة الجرحى ممن لم تلتئم جراحهم بعد، ومشهد ثالث يُسلط الضوء على استمرار بذل الجهود من أجل انتشال جثامين الشهداء العالقة تحت الركام.
تغيير في نمط الحرب
بات السكان في القطاع على قناعة كاملة بأن ما يحدث ليس إنهاء للحرب، ولا وقفاً لإطلاق النار، بل هو تغيير في شكل الحرب الحالية، باتباع طرق ووسائل جديدة، تقوم على الحصار، والاستنزاف، ومصادرة معظم الأراضي.
وبعد أكثر من 50 يوماً على وقف إطلاق النار، اتضح أن إسرائيل ومن خلفها أميركا، خدعا العالم، عبر الإيهام بأن الحرب توقفت، لكن مع مرور الأيام تبين أن هذا غير صحيح، خاصة مع استمرار رفض إسرائيل المضي قدماً في باقي مراحل الاتفاق، وشن هجمات يومية على القطاع.
وأكد المواطن اسماعيل العطار أن ما حدث خديعة كبرى، فالأسابيع مرت ولم نشاهد وقفاً حقيقياً لإطلاق النار، ولا تحسناً في أوضاع المواطنين والنازحين، على العكس بل الأمور تسير نحو الأسوأ، خاصة مع دخول فصل الشتاء.
وأكد العطار أن الحرب في صورتها السابقة أضرت إسرائيل وخلقت مواقف غاضبة من سياستها، وتسببت في ظهور موجة اعترافات غير مسبوقة بدولة فلسطين، لذلك كان هناك قرار أميركي إسرائيلي بتغيير شكل الحرب، وخداع العالم بوهم سُمي "وقف إطلاق النار.
وأكد أن الشهداء ما زالوا يسقطون يومياً، والغارات تنفذ بين الفينة والأخرى داخل القطاع، والحصار مستمر، والوضع صعب.
من جهتها قالت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، إن الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة مستمرة دون هوادة رغم وقف إطلاق النار.
وجاء في إحاطة أصدرتها المنظمة مؤخراً "بعد مرور أكثر من شهر على إعلان وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء.. لا تزال السلطات الإسرائيلية ترتكب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، من خلال مواصلة فرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تدميرهم جسدياً، دون الإشارة إلى أي تغيير في نواياها".
وقدمت المنظمة تحليلاً قانونياً للإبادة الجماعية المستمرة مستندة إلى جانب شهادات من الأهالي والموظفين الطبيين والعاملين في المجال الإنساني تسلط الضوء على الظروف الصعبة المستمرة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة.
وقالت "أنييس كالامارد"، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية "إن وقف إطلاق النار يُنذر بعودة الحياة في غزة إلى طبيعتها، لكن بينما قلّصت السلطات والقوات الإسرائيلية نطاق هجماتها وسمحت بدخول كميات محدودة من المساعدات الإنسانية إلى غزة، يجب ألا ينخدع العالم، إن الإبادة الجماعية الإسرائيلية لم تنتهِ بعد".
معاناة الجرحى تتفاقم
على الرغم من مرور فترات طويلة على إصابة بعضهم، إلا أن آلاف الجرحى في قطاع غزة يعيشون أوضاعاً صحية قاسية، مع تأخر التئام وشفاء جروحهم، لأسباب عدة، أهمها التلوث الكبير الذي أصاب الجرح عند الإصابة، ما ساعد على نمو بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية.
ووفق أطباء في القطاع فإن هناك سلالات من البكتيريا التي تقاوم المضادات الحيوية ظهرت على عشرات الجرحى، ما يبطئ من عملية الشفاء.
وأوضح أطباء أن بعض الجرحى خضعوا لأكثر من عملية جراحية، لإزالة خلايا تالفة، وتنظيف للجروح، في محاولة لحماية أطرافهم من البتر، بعد تعذر القضاء على البكتيريا التي أصابت الجروح، بالمضادات الحيوية المتوفرة.
وأكد أطباء أن الأمر صعب ويشكل خطرا حقيقيا وكبيرا على حياة الجرحى، لا سيما أن الوضع الصحي حرج في غزة، ما يؤثر على علاج مثل هذه الحالات.
وداخل مجمع ناصر الطبي كان المصاب عبد الله عدوان يغادر أحد الأقسام، متكئاً على شقيقه، بعد أن أنهى مراجعة دورية للمستشفى، حيث يعاني آثار إصابة عميقة في ساقه منذ 7 شهور.
وأكد عدوان أن قدمه لم تشف منذ الإصابة، ويخضع لعمليات تنظيف الجرح كل فترة، وأخذ معظم أنواع المضادات الحيوية المتوفرة، رغم ذلك يعاود الجرح ويتعرض لالتهاب بكتيري، حيث نصحه بعد الأطباء بضرورة السفر للعلاج في الخارج، غير أن هذا غير ممكن بسبب الحصار وإغلاق معبر رفح.
ونشرت مجلة "ناشيونال إنترست" تقريراً استند لمقابلات مع الأطباء والممرضات الدوليين الذين عالجوا الفلسطينيين في مستشفيات غزة، حيث وصفوا الجروح بأنها أشد خطورة من تلك التي عانى منها المدنيون في صراعات حديثة أخرى.
وأجرت المجلة عددا كبيرا من المقابلات مع العاملين في المجال الصحي في قطاع غزة، حيث أجاب 78 عاملاً منهم ومعظمهم من أوروبا وأميركا الشمالية على أسئلة الاستطلاع التي تصف شدة وموقع وسبب الجروح التي شاهدوها خلال فترات وجودهم في القطاع.
ووفقًا للدراسة، فإن حجم الإصابات وتوزيعها وشدتها العسكرية تشير إلى أنماط من الضرر تتجاوز تلك التي تم الإبلاغ عنها في النزاعات الحديثة السابقة.
جهود لانتشال الجثامين العالقة
لا يزال أكثر من 10 آلاف جثمان عالقاً تحت ركام آلاف المباني التي تعرضت للقصف والتدمير في القطاع على مدار العامين الماضيين.
وتقبع آلاف الجثامين تحت ملايين الأطنان من الركام والكتل الخرسانية، التي تحتاج لإزالتها من أجل الوصول للجثامين وانتشالها.
وثمة جهود تبذل من قبل فرق الدفاع المدني، بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والطواقم المختصة، للبدء في انتشال جثامين المواطنين من تحت الأنقاض.
وبدأت طواقم الدفاع المدني بالعمل في مخيم المغازي بالمنطقة الوسطى بحفّار واحد فقط وانتشلت عددًا من الشهداء.
وأكد الناطق باسم الدفاع المدني محمود بصل، أنه كان من المفترض أن يُعقد مؤتمر صحافي السبت الماضي للإعلان عن بدء العمل لكن تم تأجيله بسبب طلب بعض المؤسسات الدولية الدخول في المشروع، وإدخال معدات ثقيلة لتوسيعه وإنجازه في وقت أقل.
وأكد بصل أنه وحتى اللحظة لم يحدث أي شيء ولم تدخل أي معدات ثقيلة باستثناء حفار واحد هو العامل في المنطقة الوسطى، ولا يلبى الحد الأدنى من متطلبات العمل.
وأكد بصل أنه وبعد الانتهاء من العمل في الوسطى أو مناطق الجنوب سيتم نقل الحفار الوحيد للعمل في محافظتي غزة والشمال.
وأكد أن حفّارا واحدا لا يكفي لانتشال العدد الكبير من الجثامين الموجودة تحت الأنقاض، ويجب إدخال معدات أخرى لإنجاز هذا المهمة بأسرع وقت وبأقل المخاطر.
وأوضح بصل أن ملف المفقودين تحت الأنقاض ملف إنساني بحت، وانعكاساته على الأسر والعائلات صعبة، ويومياً يتم تلقي مناشدات من المواطنين لإخراج جثامين أبنائهم.
وأوضح أن هناك لجانا مختصة تشكّلت وتعمل على توثيق وتدوين العائلات التي استهدفها الاحتلال وتحتاج إلى تدخل من فرق الدفاع المدني.
ويعرف المواطنون عدد الجثامين القابعة تحت كل بناية، وتفاصيل متعلقة بملابس الضحايا، ما قد يسهل عملية التعرف عليهم لانتشالهم.
وأكدت مسؤولة الإعلام في اللجنة الدولية للصليب الأحمر أماني الناعوق أن مؤسستها تقدم دعمًا ماديًا يُمكّن الدفاع المدني من بدء عملية الانتشال، حيث تدعم الجهود بالمعدات المتوفرة حاليًا في غزة، موضحة أن الدمّار الهائل في القطاع يجعل العملية معقّدة وتحتاج وقتًا وجهودًا مشتركة.
وأكدت الناعوق أن البحث عن المفقودين وانتشال الجثامين قضية إنسانية بالغة الأهمية.
ووفق جهات دولية، فإن هناك نحو 70 مليون طن من الركام منتشرة في القطاع، ويلزم 100 شاحنة تعمل لأكثر من 15 عاماً لإزالته.


