
- تصنيف المقال : شؤون عربية ودولية
- تاريخ المقال : 2016-01-02
رأت دراسة جديدة صادرة عن معهد واشنطن أنّ أيّ اشتباك عسكري مباشر بين روسيا وتركيّا بإمكانه أنْ يؤدّي إلى تأثير دومينو يطرح إشكالية قد يصعب احتواؤها، لكن ما لم تفشل تركيا في التنسيق مع حلفائها أو ما لم يُنظر إليها على أنها الجهة المحرّضة، فإنّ سيناريو الحرب الشاملة سيدرج “الناتو” لا محالة في الحسابات الإستراتيجية، لذلك من المرجح ألّا يتجرأ أي من الطرفين باتخاذ مثل هذا الخطر.
وبالتالي، ينبغي أن يرتكز تقييم التوازن العسكري على سيناريوهات اشتباك محدودة تشمل قوات صغيرة نسبيًا واشتباكات صغيرة معزولة. ولفتت الدراسة إلى أنّ هناك ثلاثة سيناريوهات أكثر قبولاً لوقوع نزاع محدود كالآتي: اشتباك الدوريات الجوية المقاتلة التركية في عمليات ضد الطائرات الروسية في حال وقوع المزيد من الانتهاكات للمجال الجوي، صراع بحري في شرق البحر الأبيض المتوسط، وحرب بالوكالة وأنشطة تخريبية تقوم بها قوات العمليات الخاصة، وباستثناء بروز تصعيد كبير، سيصب التوازن العسكري في كل من هذه السيناريوهات في صالح تركيا، على الرغم من أنّها قد تتكّبد مع ذلك خسائر فادحة، على حدّ تعبير الدراسة. وأضافت الدراسة أنّه في إطار سيناريو اشتباك جو-جو ضد الروس، يمكن لسلاح الجو التركي أن يصل إلى أعلى نسب من الإصابات الناجحة في اشتباك بالصواريخ خارج مدى الرؤية البصرية، مع إطلاق صاروخ ” إيه آي إم-120 أمرام”، من طائرات “إف-16″ المتقدمة كما فعل في عملية إسقاط الطائرة في تشرين الثاني/ نوفمبر. كما قد تتمتع تركيا بميزة عددية. فمنذ إسقاط الطائرة “سو-24″، خصصت مجموعة مكونة من 18 طائرة من طراز “إف-16″ وكلفتها بالقيام بدوريات قتال جوي على طول الحدود السورية.
وفي حال وقوع اشتباك، يمكن للقواعد التركية المجاورة تقديم الدعم القوي في وقت قصير جدًا. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع الطيارون الأتراك بساعات كبيرة من الطيران وبمهارات قتالية جيدة. غير أنّ هذه المزايا، أوضحت الدراسة، تعتمد على فرضية اقتصار هذه الاشتباكات على القوات الروسية في سوريّة، وإذا ما قامت موسكو بأعمال استفزازية في المنطقة الخاضعة لسلطة الجيش التركي الثالث، أي المناطق الحدودية مع أرمينيا وجورجيا، ستنقلب هذه الميزة العددية بشكل كبير لتصب بصالح روسيا.
ومن خلال إشعال اشتباكات أكثر كثافة على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان على سبيل المثال، بإمكان موسكو أن تحاول إنهاك الانتشار التركي بين المناطق الخاضعة لمسؤولية الجيشين الثاني والثالث وتحويل التركيز الاستراتيجي لأنقرة.
وأشارت الدراسة إلى أنّ قرار الكرملين بنشر أنظمة دفاع جوي متطورة في سوريّة يتجاوز إلى حد بعيد إطار الإشارات السياسية. فهو تحرك عسكري لمواجهة تركيا والمزايا العددية التي يتمتع بها “حلف شمال الأطلسي” في مجال صغير من عمليات جو-جو.
وفي الواقع، منذ أنْ قامت الإصلاحات العسكرية الروسية باستبدال نظام السلك-الفوج في الحقبة السوفيتية بنظام كتيبة جوي عند منعطف القرن، غالبًا ما تمّ دمج وحدات الدفاع الجوي مع وحدات القوات الجوية. وأخيراً وليس آخراً، ترافقت العديد من الانتهاكات الروسية مؤخراً للمجال الجوي التركي على مدى الأشهر القليلة الماضية مع مضايقات رادار الهدف المحصور من قبل الدفاعات الجوية السورية. أما في البحر، قالت الدراسة، فيبدو أنّ ميزان القوى البحرية في شرق المتوسط يميل لصالح تركيا إلى حد كبير. فغواصات البحرية التركية، ستكون أساسية عند ملاحقة سفن السطح الروسية، كما أنّ الميزة العددية التي تتمتع بها تركيا في مقاتلات السطح الرئيسية ستشكل أيضًا تحديًا كبيرًا جدًا للسفن الروسية في المنطقة.
وتابعت الدراسة قائلةً إنّه على الرغم من أنّ ميزان القوى العسكري التقليدي سيكون لصالح تركيا في حال وقوع اشتباك محدود ضدّ روسيا لفترة محدودة، إلّا أنّ أيّ تصعيد كبير من شأنه أنْ يضع أنقرة في موقف خطر. وبالتالي، شدّدّت الدراسة، يجب أنْ يكون هذا الخطر من التصعيد الذي لا يمكن السيطرة عليه بمثابة تذكير صارخ بمزايا العضوية في “حلف شمال الأطلسي”.
وفي الواقع، أردفت دراسة معهد واشنطن، يمكن للتطورات الأخيرة أنْ تشير إلى نهاية مأساوية لفكر تركيا الجيوسياسي القائم على إقامة علاقات مع دول أوراسيا المنتشر في المجتمع التركيّ الاستراتيجيّ، والذي افترض لبعض الوقت أنّ المحور الروسيّ-التركيّ قد يكون بديلاً عمليًا للعلاقات الدفاعيّة والأمنيّة التقليديّة مع الغرب. وخلُصت الدراسة إلى القول إنّ هذا الفكر القائم على إقامة علاقات مع دول أوراسيا قد لقي الدعم ليس فقط بين الحركات الاشتراكية في السياسة التركية، بل بين بعض الشخصيات المحافظة أيضًا، لكن في أعقاب حادث إسقاط طائرة “سو-24″ وخطاب الكرملين العدائيّ ضدّ أنقرة، لن يكون من السهل بعد الآن الدفاع عن مثل هذه الأفكار، على حدّ قول الدراسة الأمريكيّة.