- الكاتب/ة : ايرز شتريم
- تصنيف المقال : بالعبري
- تاريخ المقال : 2016-01-02
حركة الاخوان المسلمين في مصر هي احدى الحركات السياسية الاكثر تأثيرا في التاريخ الحديث في الشرق الاوسط. حتى صيف 2013 حيث تم اسقاط نظامها من الجيش المصري، اعتبرت الحركة هي المنتصر الاكبر في "الربيع العربي" وكقائدة له لسنوات قادمة في تلك الدولة التي فيها العدد الاكبر من السكان في العالم العربي. ليس هذا فقط. فقد اعتبر الاسلام السياسي الايديولوجيا التي يتوقع أن تجر العالم العربي كله في مرحلة ما بعد انهيار الديكتاتوريات القديمة. في الماضي ايضا، في عهد انظمة ناصر والسادات، عرفت المرحلة فترات من القمع والازمة من قبل النظام. لكن فقدان السلطة وقوة القمع الغير مسبوقة تجاه الحركة، تسببت في أن تكون الازمة الحالية هي الاكثر صعوبة وخطورة حتى الآن. مغزى هذه الازمة هو أن الاسلام السياسي بنموذجه الاصلاحي الذي يؤيد التغيير التدريجي، ويعارض العنف ويقبل الدولة العربية كاطار شرعي، يفقد تأثيره بسرعة. صحيح أن الاسلام كقناعة له جذوره العميقة في مصر ولن يختفي من الساحة، لكن الخطر الذي يبدو ملموسا هو أنه الى داخل الفراغ الذي يخلفه الاخوان المسلمين ستدخل عناصر تؤيد الايديولوجيا المتطرفة في المجتمع بما في ذلك حركات الجهاد العالمي.
بعد ازاحة محمد مرسي وحكومته عن السلطة في تموز 2013 على أيدي الجيش، حدث تصعيد في الصراع العنيف بين الاخوان المسلمين وبين مؤسسات الدولة في مصر. الضغط على الحركة في حينه شمل قتل آلاف المتظاهرين واعتقال عشرات الآلاف من الاسلاميين المعارضين للنظام واخراج الحركة عن القانون واعتبارها منظمة ارهابية وتحطيم البنية الاقتصادية والاجتماعية لها بدء بمنظمات الصدقات والمستشفيات ومرورا بالمساجد والمدارس التي تم اغلاقها أو تأميمها من قبل النظام. الوضع الصعب لحركة الاخوان المسلمين دفعها الى إحداث تغييرات بعيدة المدى في البنى وفي الايديولوجيا وفي طابع نشاط الحركة ومؤيديها في مصر.
تغيرات بنيوية: ضعف القيادة وتحطيم التسلسل الهرمي: الطابع المركزي والهرمي الصلب الذي ميز حركة الاخوان المسلمين على مدى سنوات نشاطها، لم يعد قائما. فقد تحولت عملية اتخاذ القرارات في الحركة الى موزعة حيث أن الخلايا التي تعمل في الميدان تحظى بحرية العمل الكبيرة. قيادة الحركة الموجودة في السجن أو في المنفى غير قادرة على فرض قراراتها على النشطاء الذين من شأنهم أن ينفذوا سياسة. شعور صعب من ضياع الطريق وغياب الرؤيا عند شباب الحركة التي تواجه القمع من النظام، الامر الذي أحدث تغييرات شخصية في القيادة وشرخ داخلي آخذ في الاتساع وايضا انتقاد شديد من قبل الشباب ضد جيل القيادة القديم المتهم بأنه منفصل – اولئك القادة الذين يجلسون براحة في تركيا أو قطر ويطلبون من الشباب التضحية بأنفسهم في صراعات الشارع التي ليس لها أي فرصة، ضد قوات الامن. الانتقاد الشديد يُسببه تحفظ القيادة من العنف والتمسك بالنضال الغير عنيف، رغم الفشل المتواصل لهذه الطريقة في الاخلال باستقرار النظام. وتفكيك الطابع المركزي تم ايضا بشكل جزئي وواعي. وهذا بهدف ملاءمة نشاطات الحركة مع الظروف الحالية المليئة بالقيود والضغوطات وتقليص التوتر بين الميدان والقيادة. الضغط الذي يستخدمه النظام والانفصال بين قيادة الخارج والنشطاء في مصر لا يسمح في العمل عن طريق بنى هرمية تقليدية كما كان سائدا طوال سنوات.
تغيرات ايديولوجية – تأثيرات سلفية ويأس من الصراع غير العنيف: الانتقال الى الاعمال الاقل مركزية كشف طابع حركة الاخوان المسلمين التي كانت في السابق حركة مغلقة ومتجانسة نسبيا، وعرّضها للتأثيرات الخارجية من نشطاء ورجال دين سلفيين يتبنون مواقف متطرفة أكثر تجاه النظام الحالي في مصر خصوصا، وتجاه الدولة المصرية عموما. التعاون بين نشطاء الحركة ونشطاء سلفيين تم في وقت الاحتجاج في رابعة العدوية ضد إقالة مرسي وتعمق كلما زاد التوتر بين النظام والمعارضة. الكثير من رجال الدين والمحرضين على المقاومة العنيفة للنظام في القنوات التلفزيونية الذي يتحدثون باسم الاخوان المسلمين من تركيا، هم شيوخ سلفيين لا ينتمون تقليديا للحركة. القاسم المشترك في القمع من قبل قوات الامن يشوش الخطوط الفاصلة بين التيارات الاسلامية المختلفة.
اللهجة الكلامية ايضا لدى قيادة الحركة أصبحت أكثر تصعيدا كلما زاد القمع من قبل النظام. في كانون الثاني 2015 نشر في موقع الحركة في الانترنت بيان، صحيح أنه تمت ازالته بعد وقت قصير، طلب من نشطاء ومؤيدي الحركة التأهب لـ "مرحلة طويلة ومتواصلة من الجهاد". وفي حزيران من هذه السنة تبنت قيادة الحركة بيانا استفزازيا وقع عليه 159 رجل دين مسلم، بعضهم ينتمي للحركة. وقد طالب البيان بالثورة على النظام وشجع على الحاق الضرر به وبمؤيديه. اضافة الى ذلك يزعم الكثيرون من قادة الحركة أنه رغم معارضتهم للعنف فانهم يتفهمون من "يبحث عن الانتقام" ضد قوات الامن بسبب إلحاق الضرر بأقربائه وأنهم لا يستطيعون منع ذلك. أكثر من مرة زعم قادة الحركة أنه "كل ما هو تحت اطلاق النار الحية، هو مقاومة غير عنيفة" – هذا التصريح يسمح بالحاق الضرر بالممتلكات ورشق الحجارة والزجاجات الحارقة.
يمكن القول إن قادة الاخوان المسلمين يعرفون ما يترتب على الاعلان الرسمي حول الصراع المسلح ضد نظام السيسي. التوجه الى هذه الطريق سيقيد حرية العمل للحركة في الساحة الدولية ويعطي مبرر آخر لادعاءات النظام، ومن شأنه ابعاد الكثير من الاعضاء المحافظين. لذلك فان الحركة تعود وتعلن رسميا أنها لا تؤيد العنف، لكن على خلفية خيبة الأمل المتزايدة لدى الشباب فان التمسك بالمقاومة الغير عنيفة يهدد السيطرة المحدودة المتبقية للقيادة على الاعضاء. لهذا فان الحركة تسير في الطريق الوسط المسماة "ثورية" – تعريف مموه بشكل مقصود يتغير معناه وهو قابل لاكثر من تفسير. التفسير يتحرك بين الاحتجاج والانتفاضة الشعبية مرورا بالاعمال التخريبية مثل تحطيم أعمدة الكهرباء وتفجير بنية المواصلات وانتهاء بالاعمال الارهابية ضد قوات الامن.
تدخل الاخوان المسلمين بالارهاب – تأثيرات على أمن اسرائيل والمنطقة: يصعب تقدير مستوى تدخل الاخوان المسلمين في موجة الارهاب التي تجتاح مصر والعمليات التي أصبحت يومية تقريبا والتي أودت بحياة رجال من قوات الامن والقضاة والسياسيين الذين يؤيدون النظام. اغلبية الاعمال الاسلامية في مصر هي بدون انتماء تنظيمي. لهذا فان النشاط الارهابي الاسلامي لا يشير بالضرورة الى صلة مباشرة مع الاخوان المسلمين. مع ذلك فان عملية تدفق نشطاء الاخوان المسلمين باتجاه الاعمال العنيفة، ملموسة وواضحة. جزء من خلايا الارهاب الصغيرة التي تعمل في منطقة دلتا النيل تم تأسيسها على أيدي نشطاء الحركة القدامى. صحيح أنه معروف أن عدد محدود من النشطاء القدامى قد انضموا في السنتين الاخيرتين الى "مقاطعة سيناء" – التابع لتنظيم الدولة الاسلامية في شبه الجزيرة.
قد تكون لهذه العملية الخطيرة تأثيرات كبيرة، ليس فقط على استقرار مصر بل ايضا على أمن المنطقة. نشطاء الجهاد العالمي الذين ينتمون لتنظيم الدولة الاسلامية والقاعدة يبذلون جهودهم من اجل الدخول الى الفراغ الذي نشأ إثر تراجع قوة وتأثير حركة الاخوان المسلمين. صحيح أن هناك فجوات ايديولوجية واسعة تفصل بين تنظيم الدولة الاسلامية والقاعدة وبين حركات الاسلام السياسي. لكن ضعف الاخوان المسلمين، اضافة الى قمع النظام المصري وعدم الثقة في امكانية التغيير بالطرق الغير عنيفة والتأثيرات السلفية المتزايدة، عملت على زيادة هذه الفجوات. فقدان السلطة التي وصل اليها الاخوان بطريق ديمقراطية يناقض نجاح نموذج تنظيم الدولة الاسلامية في تأسيس سلطة اسلامية بالطرق العسكرية في مناطق مختلفة في سوريا والعراق وليبيا.
إن تمركز خلايا تنظيم الدولة الاسلامية في الاشهر الاخيرة في منطقة القاهرة والمناطق القريبة من الحدود المصرية الليبية، يشير الى نية توسيع النشاط في مصر ايضا، اضافة الى منطقة سيناء. القطبية السياسية العميقة في مصر وضياع الطريق لدى الاخوان المسلمين، أبقت عددا كبيرا من الشباب الغاضبين وخائبي الأمل والمتعطشين للانتقام من النظام. منظمات الجهاد العالمي تطمح في الدخول الى هذا الفراغ، ولديها الكثير مما تقترحه على الاسلاميين المعارضين للنظام بما في ذلك التمويل والسلاح والارشاد والتدريب والدعاية الاعلامية الموجهة على أعلى المستويات. العملية ضد الطائرة الروسية في سيناء هي مثال على القدرة التدميرية الكامنة في صعود تنظيم الدولة الاسلامية في مصر. بالنسبة لاسرائيل، التهديد المحتمل يتحرك بين تمركز جهات تابعة للتنظيم بالقرب من الحدود الجنوبية الغربية، ودخول التنظيم وعناصر جهادية اخرى الى قطاع غزة وزعزعة الاستقرار في مصر. بنظرة أوسع، انتشار تنظيم الدولة الاسلامية في شمال افريقيا سيتأثر الى حد كبير من قدرته على استغلال الازمة التي يعاني منها الاسلام السياسي في مصر نتيجة فقدان السلطة من قبل حركة الاخوان المسلمين في هذه الدولة.